الشريف محمد بن عبد الله الملقب ببومعزة

"ترى الروائية الجزائرية ازدهاربوشاقور،أن الكتابة هي السفرإلى العالم الآخر واكتشاف تجارب من نوع جديد يمكن إلا للخيال والإبداع أن يختبرها"

من الذاكرة التاريخية

الشريف محمد بن عبد الله الملقب ببومعزة

دخل الاستعمارالفرنسي لمنطقة الوسط الغربي أربعة سنوات بعد الاحتلال سنة 1834و دخل الاستعمار الفرنسي لمنطقة الوسط الغربي أربعة سنوات بعد الاحتلال سنة 1834و كان هذا الإجتياح بمثابة إستطلاع للمنطقة وبمجرد ما رأى المستعمر غِناها لم يَتوانى عن دخولها ، ودَخلها بوضع الرَقابة والمستوطنات عليها .وحتَّم على الجزائريين القيام بعديد المقاومات الشعبية بالشكلين : المتفرقة و المتسلسلة وتجاوب معها وتبنوها من مختلف الأعمار كان الهدف مِنها إيقاف الزحف الإستعماري والإستطان الهمجي والذي كان يعرف توسعا وإمتدادًا مُتسَارعا تسَارع المياه الفائضة الجارفة. وعامين بعد ذلك 1836دخل الاستعمار المنطقة بقيادة بليسِي القائد الشهير بالإجرام وتوافدت الجُيوش على المنطقة ، وظَهرت عَملية الاستبطان واضحة وهذا بَعد طرد الأهالي من المنَاطق الجيدة والتي رأها الإستعمار تُلائمه ، وتَخدم جُيوشه ومَصَالحه . وشُردت قبائل بأكملها وقُتل أغلبها عن طريق الرَمي العَشوائي للنار حتى بَاتت خالية بعدما فرَّمِنْها الجَميل وتركُوها للعدو .زحف العَدو إلى قبيلة " أولاد رياح " والتي كانت أكبر قبيلة مَوجُودة بمنطقة الصُبحة بالشلف وكان في هذه القبيلة الكثير من الشباب المُتحمسِين والقانتين والكارهين للعدو من بينهم " محمد بن عبد الله " شاب في العشرين من عمره . ظهرت مقاومة الأمير عبد القادر بالمنطقة شُعاعًا رأى فيه الأهالي شمس الجزائر المُتحررة وأمل في رَاحة قادمة ، إلتَمَّ الأهالي حولَها وتدعَّمت بهم المقاومة إذ كانت هذه المناطق مسْرَحًا لجيوش الأمير وواجِهَةً مُوَاجِهة لهموم المستعمر ساند الأهالي المقاومة وزوَّدُوها بكلِّ حاجَةٍ إستطعوها .

كمَا إنضم إليها شباب المَنطقة هنا إنضمَّ محمد بن عبد الله إلى المقاومة .

في سنة 1836دخلت جيوش الأمير عبد القادر لمدينة شلف ورابضت على جسر واد الشلف ووجَّهت عِدَّة ضربات للعدو ونَظَّمت ما سُمي بِحرب العِصابات " أُضْرُبْ واهْرُب ".

كان الأمير عبد القادر يبلغ من العمر 27سنة ومحمد بن عبد الله في سنوات 18من العمر قام الأمير بِردع الأهالي المُوالين للإستعمار وجَعلهم يُوالون مُقاومته وإسْتَمالهم لدعم المُقاومة مَعه ، فأيَّده أغلبهم وسَاعدوا جَيشَه . كان هذا النجاح غنيمة مَنح الأمير الإستقرار ودفعه للإستمرار ، كما كانت مُهِمَته صَعبة و ثقيلة فتطوَّع معه شباب ثائر ومُحب للوطن والتضحية . هنا إنضمَّ " محمد بن عبد الله " إلى جيوش الأمير ...وعُمره لم يتجاوز 19سنة ووجَّه عدة ضربات للعدو شاب جريء ناقم على الإستعمار يكره الإنقياد . "مُحمَّد" شاب من قبيلة أولاد رياح ، كانت قبيلة "أولاد رياح" منطقة فقيرة ، وكانت المَساكن بها مَبنية من الوحل والتبن وأغصان الشجر وبالطوب و الَرقِّ ، ومَنافذ ذات مُربعات صَغيرة تَسْمح بمرور الهواء ، وكان لكلِّ بيت إستطبل للماشيَّة والتي كانت للتنقل مثل الأحصنة التي تُزِيح همَّ الظُرُوف القاسية وأرض يعيش منها وكانت كل عائلة تعيش من أرضها ، ومن لا يَمْلكها يَعيش من عَملِه بها ، هنا الفقر هو الذي أهان الإنسان ، التشريد والإهانة والإستلاء على الممتلكات جعل المقاومة أكثر من ضرورة . أوضاع عائلة "محمد" ابن عبد الله ليست بأفضل من أوضاع باقي أهالي القبيلة بل الفقر أطبق أسْنانه على الجميع .

إزداد الخِناَق على الأهالي ، ولم يعد في الإمكان الوقوف وإلقاء الأيدي في الهواء هذه سنوات 1937 و1939 تسير بِحُرقتها وحَرارتها وماَسيها الكل يعاني المَرارة كان إنضمام بُومعزة لجيوش الأمير زيادة في قوتِه ومُسَانَدة واضحة بإعتبار " محمد بن عبد الله "عارفٌ بالمنطقة وكاشف لأسرارها .كما شَجَّع وبَارك" الأمير" هذا الإنضِمام . بعدما تعرَّفت القوات الإستعمارية على بعض شباب المنطقة الناشطين في صفوف المقاومة كان من بينهم الشاب محمد بن عبد الله وفي وَصْف له أطْلِقت عليه القوات الإستعمارية إسم " بومعزة"  إنتقامًا منه .

تعاون "الحاج هني " مع "محمد بن عبد الله" .. وساعده وقدَّمه للقائد المساعد للأمير. ودخل الأمير للمنطقة وإستطاع إبعاد الإستعمار عن المَنطقة وإيقاف الإسْتطان إلى بَعد حين ، عن طريق ترهيب المعمٍّر . الوطن هو العقيدة والمذهب والأرض والإنتماء ، والجزائريون أدرَكوا مبكرًا أنَّ الإستعمار هو مُجرد مُراوغ يَستغل الإنسان ثم يَرمِيه كشيء إنتهت صَلاحيته ، فما أصعب أن تعيش في وطنك وأنتَ مَظلوم. في عام 1838 وكان قد مضت عامين على المُقاومة التي شنَّها " محمد بن عبد الله " تحت إمْرة الأمير. إجتمع محمد بن عبد الله إلى أهالي قبيلة أولاد رياح ليسْتشيرهم في أمور تَخصُّ المُقاومة ويطلب مساعدتهم .. وهنا كان الإنقسام واضح بين الأهالي بين مُؤيد ورافض للمقاومة ..بلغ محمد بن عبد الله رفضُ قبيلة سنجاس مُساندة ومساعدة المقاومة ، وفضَّلت الرُضوخ للعدو وللإمتثال لأوامِره ، كما نصَّب العدو" أغا " على المنطقة وقام هذا الأغا بتقديم رؤوس الأعيان والمُسَاندين للمُقاومة لجيوش العدو والذي قَتلهم . ومع إمتداد الزمن تضاعفت الإمتدادات الإستعمارية بالجيوش الخشنة أصحاب الأقدام السَوداء المُتشبعة بلاَّ رحمة ، وتضَاعف مَعها البطش والبَرْبرية الإستعمارية .
الشَبح السَاكن كوامن الأهالي مَنع عنْهم التَّهور ، فالإستعمار فتَح عُيونه ، وإنْهال على من وجده أمَامه بشتَّى أنواع القذف والعَذاب والمُصَادرة والتهميش والإقصَاء كالنَفي ولم يترك أمام البَاقي من تَحتَّم عليهم البَقاء إلاَّ الرُذوخ والصَمت وإنْهاء باقي الأيام تحت إمْرة الوافد العَنيد والذي لم يَتنازل عن قوَّة الفتك بالأعمار وإنْهاء الاَجال .ولأنَّ التوَّسُعَ الإستعماري كان شَرسًا تطلَّب ذلك بَل ألحَّ على الأمير الإستنجاد بالأهالي والقاطنين لفكِّ شُفرة الأماكن الوَعْرة وإسناد ومُساعدة المُقاومين وجُيوش الأمير الفاعلة في الأرض.

بعد هذا التشتت والضَياع والتَفرقة تَحدَّث " بومعزة "  للقائد المُسَاعد للأمير عن إمكانية إعادة قبيلة سنجاس عن قَرَارها .. نظَّم محمد بن عبد الله جماعته ودخل قبيلة سنجاس وإستطاع القضاء على " الأغا " وذلك عن طريق قتله وإستطاع إستمالة وإعادة قبيلة سَنجاس لمُناصرته ومُساعدته وهنا بعدما شنَّ هجوما على قبيلة سنجاس وقضى على الكثير من الخونة ، ورغم المجزرة الحاصلة إلاَّأنَّ العدو لم يتحرَّك لِمُساعدة الأهالي . أثنى الأمير عبد القادر كثيرًا على الشاب " محمد " وشكره ووثق به أكثر ، كما أوْلاه على منطقة قبائل الوسط الغربي وجعله سَاعِده الأيمن . هنا كانت جيوش العدو تجتاح منطقة الوسط الغربي بشكل مُتتالي وقد أكثروا عملية الإستطان وهذا بقيادة بيليسي والمُجْرم كافنياك واللذان لم يتوانى في نهب المنطقة وتهجير الأهالي والمداهمة المتتالية للقبيلة . وجَّه المُقَاوِم المُقَاوم " محمد بن عبد الله " عدَّة ضربات للعدو وكان هذا على دراية وعلم من الأمير عبد القادرالَّذي كَان يَمُدُه بالسِلاح . فالوطن هو الحبُّ الوحيد الذي لا يعرف الغدر وهو الأرض التي تمنحنا ولا تطالب بالمقابل والجزائر هي وطننا مهما زاد على أرضها مِنْ الألم . عَلِمَ العَدُو بِما يَفعله (الشريف محمد بن عبد الله )فلقبه l homme à la chevre مُنَاصَفة لأوصافه وعملَ على مُحَاصرة جيشه ومُضَايقته ، مَضى بومعزة إلى جسر واد الشلف فإعترضته  قبيلة " صْبيح" ولكنَّه قهرها وواصل طَريقه ، وعلى الرغم من أنَّه كان يعرف أنَّ ذلك خرقًا للعدو لكنَّه لم يهتم وواصل زحفه حتى جسر الشلف .

إجتمع المجلس الفرنسي بمُشاركة " بيليسي" و" كافنياك" المُشرفين على المنطقة وقد رأى أنَّ الوقت قد حان للقضاء على بومعزة لأنَّ المُراقبة التي وُضعت عليه قد أعطت جَميع تفاصيل تواجده وتنَقله ، لكنَّ بيليسي رأى أنَّه وَجب القضاء على الأهالي المُساندة له والقضاء على القبائل والتي شُوهدت وهي تترك أكواخها وبُيوتها مع المساء وتتَّجِه للمغارات القريبة . 1839دخل بيليسي" مدينة تنس" ومَكَث على ضِفافها وأقام بها مُعسكرًا وبَدأ في مُراقبة القبائل فكشف أمْرَ قبيلة أولاد رياح التي كانت تترك بيوتها وتنام بمغارة ، داهمتها الجيوش مع غروب الشمس ، وبَعد المُفاوضات ورفضِ الأهالي للخُروج وتَسْليم بنادقهم وأسلحتهم أشعل النيران في فوهة الكهف فكانت نارًا وحَطَبا وبقايا عَجلات وحِجارة ما جعل الأهالي تختنق وتَموت في أغلبها هُمْ وأنعامهم وفرَّت الكثير من الحيوانات والماشية . راقب العدو العَملية حتى فجر ليلة الغد ، حيث خمدت النيران ولم يبق غير الدخان يتصاعد من فوهة الكهف .

أثارت هذه المحرقة البرلمان الأوروبي ورأي العالم لكن العدو لم يهتم لهم . وما كان على بومعزة إلاَّ تنظيم ضربات لأخذ الثأر وعلى الرغم من قِلَّتِها إلاَّ أنَّها كانت نافعة في جلب أنظار العالم للقضية الجزائرية . وتتابعت الهَجمات من الطَرفين وهنا كان على بومعزة التمهُّل وإعادة النظر وهذا بأمرٍ من الأمير الذي كان في هذه الفترة يعمل على إقامة دولة وهي " الزمالة " والتي كانت مدينته فيما بعْد وتحت إمرته ، كمكان مُسْتقر له . مرَّت عِدَّة سنوات في مد وجزر وبين هجمات العصابات وتَرقُّب وخَوف من القوات الأوروبية المتتالية على المنطقة وفي سنة 1843هاجم العدو المنطقة في إجتاح قوي عليها وَأُخْليَت مَعَاقل الأصنام من المَؤونة وكان هذا في شهر أفريل .

لَجأ الأَمير عبد القادر"  للمغرب" إلى سلطان المغرب لمساعدته ومَدِّه بالسلاح .

في المغرب إلتقى بومعزة بالأمير وتحادث معه عن الحاصل بمنطقة الوسط الغربي ونَقلَ له تفاصيل الحاصل هُناك .
.............. ............. ...............
وإشتدت الرقابة الإستعمارية على قبيلة اصْبيح وأولاد رياح ، وتنبَّه بيجو إلى ما أحدثته المِحرقة الأولى بالمنطقة ، وما أثارته من رأي عالمي ودُوَّلي وسُخطٍ جَماهري لكنْ وعلى الرغم من ذلك إلاَّ أنَّ بيليسي أقدَم على مِحرقَةٍ أخرى ، ففي عَشيَّة من 12 أوت 1844وكانت عشية صَائفة ساحنة وقف بيليسي على مغارة صبيح وجعل يتكلم بمُكبر صَوت في الناس أن يَخرجو ويُسَلِّموا أنفسهم ومع رفض الأهالي ، إتَخذ قراره بإشعال النار في فوهة المَغارة ومع المغرب بَدأت النيران في التصَاعد والدخان يتكاثر ويَعمُّ المكان بَدأت الحيوانات في الفِرار لكنَّ الناس إختنقوا ومع الفَجر غادر العدو المكان وخرج من الأهالي قليلهم من كان له عُمْر باقي ، ومَات أغلبهم بالكهف .
إجتمع بومعزة إلى قادة جيشه ومُسَاعديه من أهالي وأعيان القبائل المُوالية وإستعرض فِعل العدو فأعاد عليهم بومعزة ما قام به العَدو قبل 5أعوام وكيف أبَاد العدو الأهالي في مَغارةٍ بالمنطقة ، ورغم الضجَّة التي أثارتها المَحرقة إلاَّ أنَّ " سان أرنو" لا يَهتم وكما أباد المئات أباد هذه المَرَّة مازاد عن 1000 بالإضافة للحَيوانات والماشية . سار بومعزة ب 5000 جندي وفارس وشنَّ هُجُمات مُتفرقة على العَدو والذي كان بقيادة المُجرم بيليسي أقلق بومعزة الجنرال بيجو الذي جنَّد 5قوافل للقضاء على بومعزة وهي قافلة الجنرال أبو فيل(سطيف). والجنرال " ماري"  قافلة (المدية) والقوافل الثلاثة التي كانت متمركزة بالأصنام بالشلف تحت إشراف الكولونيل (لادمَبْرو) " سانت أرنو"  وبيليسي . داهم بيليسي منطفة الظهرة ومستغانم وتنس وقام بعملية تمشيط واسعة وإعتقل الكثير وقَتَل وسَلَبَ وإسْتَطَان . ومرَّت الأيام والأسابيع وهنا بدأت المؤونة تقلُّ والخِنَاق الإستعماري على المقاومين يزداد فلجأ الأمير إلى المغرب لِمُساعدته الذي كان يتحجج بالسيطرة الإستعمارية فردَّ بِعدم قُدْرَته على مدِّ المَعُونة الكبيرة .

عام 1845داهم (بيليسي) و(كافنياك ) قبيلة أولاد رياح وطلب مِنْهم مُعاونته ومُسَاعدته للقضاء على المقاومة ولكن الأهالي خافوا العدو فكانوا مع كلٍّ مساء يلجؤون للمغارات للتَخَفي ولتفادي إجتياح ومُداهمة العدو لقبيلة أولاد رياح .

وفي 1945 شهدت منطقة الظهرة إنتفاضة الزعيم الشريف محمد بن عبد الله الملقب من طرف العدو ببومعزة ، وعرفت هذه الإنتفاضة بإنتفاضة الظهرة . وفي شهر مارس سَجَّل بومعزة عِدَّة إنتصارات على العَدو وتوالت الإنتصارت المتفرقة لجيش بومعزة ماجعل بيسليسي يُداهم المنطقة في حركة تَمشِيطيَّة في شهر أفريل وماي . لم تخفي عيون العدو على مُراقبة قبيلة أولاد رياح والتي كانت تلجأ لغارٍ بأعالي المنطقة يسمى " غار الفراشيش " بالصبحة . في 20جوان 1845 ومع غروب الشمس ، الساعة تُقارب الثامنة مساءً يلجأ أهالي قبيلة أولاد رياح إلى غار الفراشيش ولأنَّه كهف كبير واسِع يَسَع الجميع ، حَمل الأهالي مَاشيتهم وأولادهم ودخلوه ومَاهو إلاَّ زمن قصير حتى علاَ صوت المُكبر: " سَلِّموا أنفسكم وإلاَّ هلكتم"  لكن الأهالي رفضوا ، أشعل جنود العدو العجلات المطاطية والتبن وأغصان الشجر و الحجر وجعلوا من فوهة غار الفراشيش فُرنًا ، فبدأت الحيوانات بالفرار لكنَّ الأهالي بقوا بالداخل ومع الفجر تراجع العدو وخرج من المغارة من بقى على قيد الحياة . لم يَضعَف ولم يَتعَب بومعزة بل واصل المُقاومة وشنَّ عِدَّة هجمات على العدو في 10
سبتمبر وكانت الهجمات الأخرى في أكتوبر وفي 15 نوفمبر وهي عبارة عن حرب العِصَابات وتواصلت المُقاومة لكنَّ ضُعْفَها كان ظاهرًا وسُرعان ما بدأت تقلُّ .

إنهار الجِدار الذي بَناه بومعزة حول " أرليو فيل". طَلَب بومعزة السلاح من الأمير عبد القادر الذي لجأ كَكل مَرَّة إلى المغرب لمساعدته وطلب منه الأمير أنْ يَلحقَه بالمغرب وإلتقى بومعزة بالأمير بالمغرب .وتحادث مَعَه عن حالة المقاومة.

وسَارت المُقاومة على هذه الحالة نحو الإنهزام و الإنحلال فالتلاشي . في 8 ماي1846بلغ بومعزة أنَّ الحاج أغرا وهو المُسَاعد الأيمن للمقاومة قد حَجز العدو على كلِّ مُمْتلكاته وألقى القبض عليه ، ولكنَّ بومعزة ورغم تَخَفيه عن عيون المستعمر لم يَفر بِما فيه الكفاية حتى ألقى العدو القبض عليه في 13 من شهر أفريل 1847وكانت هذه نهاية الشاب " الشريف محمد بن عبد الله" المُقاوم المُلقب من طرف العدو ببومعزة و أُبْعِدَتْ عائلته على قبيلة أولاد رياح وبَكَت القبيلة شاب كان المُدافع عن حقوقها . تمكنَّ بومعزة من الفرار من المعتقل ولكنْ ماهي إلاَّ أيام حتى أُعِيَد إلى المُعتقل وحُجز في " بريست" "ببوردهام " ولم يَعد في إمكانه ترك المكان حتى إنتهى عمره .
................. ............. ...............

لقد سجَّل كفاح الشعب الجزائري شهادات ضِدَّ الإستعمار الغاشم أعيا كاهله بها وعلَّمه قوانين الحياة ، وكيف يحترم هذا الإستعمار عُقول البشر وأنْ لا يُوثق به ورغم طوال دائه إلاَّ أنَّ الجزائري  شفى منه ، فالمجاهد ليس ملاك ولكنَّه حتما لا يخدع الوطن ، ومضت أعوام من الإستعمار تَعلَّم مِنها الجزائري كيف لا يَتألم ومَا رضي حالة الضياع للأمانة ومَا رضَا بالخيانة وكم حَاذر من غفلة الزمان فكان تفكيره نظيف كما تفكير الأطفال لأنَّ لا غدر يذكر بالأطفال ، وصَبر على أخطائه لأنَّها كانت غير مَقصودة وإنْ نقَم عن من حَذفه من الحياة ورمَاه في الجحيم لأنَّه حاقد ، فَجِهَاد المجاهدين أباَنَ الحقائق وقام كُلٌ بِما لديه فمن حقِّ كل إنسان أن يُوضِّح مَوقفه ومن حقِّه أن يدافع عن نفسه لِينعَمَ  بِنَوم هادئ ويرتاح ضميره . وسَعى الجزائري لإسقاط قناع المُسْتعمر لأنَّه كان بأرضٍ ليست أرضه ، وأن يُعطي للجزائر كامل سيادتها فالوردة تنتعش بالماء ، والمواطن يريد العيش كما يريد و يجوب كما يشاء ، فهل نُسامح من مَنع عنَّا الحياة ؟ وأحيا الناس في مَأوى مُظلم ، وعَشَّش في أعماق النفوس وسَكن في الأعضاء وأيقظ الجِراح .

والإستعمار ظَالم ظَلم أرضَ الجزائر وتكفَّل الإنسان والرَّب بِنُصرة الأرض ولو بَعد حين . جِهاد عَبَّرت به سواعد جزائرية أسقمت سَريرة المُعمِّر ، أيدي قويَّة تَمْحو الهَمجية ، وعرفنا لكلِّ نفس وماكان لها من فَضل في إسترداد الكرامة ، فمن حَق كل مُجاهد تذكره بإسمه و بالفعل نال الكثير مِنهم الإستحقاق فأخذ إسمه تسْمية لمَركز أو مَكان عُمومي . ورغم عدم توازي القوتين سِلاح قليلٌ وعدَّة أقل مُقابل أطنان القنابل وأثقل الأسلحة إلاَّ أنَّ المُقاومة تتابعت بطعنات كانت بِداية لجَحيم نُوفمبر الأغرِّ المُوصِل لأمَل نور يوم جديد . ونَهض كلُّ جزائري يَقهر بِجَبروته حَتى الطفل مَسح الظلم بإبتسامته الطفولية ، وحتى صُخور جبال الأوراس صَاحَت هَذه الليلة تَهْدم المحال .

جَاء نوفمبر رِسَالة تَحرر ، ورُفعَت الرَاية بِيد كل إنسان جزائري حَيٌ بَعد مَيِّت. وها نحن ننعم بالإستقلال وقد أمسى الإستعمار ماض ونحن في حاضر مع اَت . وبعدما كانت دموع الحُزن بالعيون التي طالت  أكثر من قرن ونصف من الزمن جاء الحين الذي لم تقوى الجفون على حَمْلها فسَالت دماءً على أرض الجزائر وأتتْ الشجرة المَسْقية ثمارها فالإستقلال شمس نهارٍ وبَسمة على الشفاه، الإستعمار دمعة مَسَحتها أيدي الشُهَدَاء. والإنسان عاش في تلك الفترة مَخدوعا ، والوهم رسم للبعض منهم طريق المسرة ولكِنْ صِدْق التَحَرُّر ومَذاقه سَحَق الكَذب الَّذي كان إدّعاءً. فالكذب والضُعف أجَّل حقيقة الإستقلال ، وعشنا ضَياعا للأمانة من أيدينا ورَضينا لفترة طويلة حتى بِعنَا مَرَّة واحدة من بَاعنا ألف مَرَّة .

ولكِنَّنا نُريد الوطن حتى ولو كنا كَومَة من الأخطاء ، ونُحُبه حُبًا لامثيل له ، فَتَبًا لقب ترك مَا يُحب وقال قدرًا ،  وكذلك لا نُرِيدُ أنْ نَعُودَ للمَاضي إلاَّ لِلْعِبْرة ، فمن يَعود للماضِي ويكتفي بالتَحسُّر فقط كالَّذي يَحْلم أحْلاَم اليَقَظَة اللَّاطائل  مِنْها .

كلمات في الوطن :

 حُريَّة لإنسان مِنْ حريَّة وطنه .

الصَبر أنواع كثيرة وأرقاها من باع الدنيا ولم يرضى لها بإتباع .

لِمَا الخيانة وقد علمت أنَّ الوفاء أحلى مِنْها مِئَات المَرات .

الوطن صَدر الرحْمة فلِمَا التضَمُّر من العطاء والقسمة .

كُرْه الإستعمار بنفسي يأخذ إحساسًا ظاهرًا لكن إنتقامه يأخذ ملامح ظاهرة .

الوطن الذي لا نُدافع عنْه لا نَستحق العيش على أرضه .

أجمل مَا في الحياة أن تعيش في وطَنك حُرًا  مُسْتقلا و في إستقرار وكرامة وإحترام .

نُضَحِي بأرواحنا دفاعا عن أوطاننا لتعيش به أجيالنا .