لبنان: إلغاء المادة 522.. محاصرة المُغتصب وقوننة الزواج المبكر

ألغى مجلس النواب اللبناني  إحدى المواد القانونية التي تنصّ على إعفاء المغتصب من العقوبة المتوجّبة عليه في حال زواجه من الضحية، وذلك في الجلسة التشريعية العامة التي ترأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الأربعاء 16 / 8 / 2017، وتخللها التصويت على الاقتراح الذي أحالته لجنة الإدارة والعدل النيابية العام الماضي إلى الهيئة العامة للمجلس. ويأتي ذلك بعد "الإنجاز التاريخيّ" الذي حقّقه الأردن قبل نحو أسبوعَين، عندما ألغيت المادة 308 من قانون العقوبات التي تحمي المغتصب في حال تزوّج  من ضحيّته.

ونقلت الوكالة الوطنية للاعلام ان "مجلس النواب أقر اقتراح القانون الرامي الى الغاء المادة 522 من قانون العقوبات"، مضيفة "يقضي الاقتراح بأن لا يعفى المغتصب من العقوبة حتى في حال زواجه من الضحية ".

وتنص هذه المادة في الفصل المتعلق بـ"الاعتداء على العرض" وبينها جرائم الاغتصاب واغتصاب القاصرات وارتكاب "الفحشاء" في إشارة إلى الاعتداءات الجنسية، والخطف بالقوة بقصد الزواج، على أنه "إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى هذه الجرائم.. وبين المعتدى عليها، أوقفت الملاحقة. وإذا كان صدر الحكم بالقضية علق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه ".

ولا إحصائيات دقيقة بشأن زيجات الضحايا من مغتصبيهم في لبنان، لكن هذه الممارسات موجودة خصوصا في المناطق الريفية . وفي تقرير اصدرته في كانون الأول/ديسمبر، اعتبرت منظمة "هيومنرايتسووتش" أن المادة المذكورة تسمح "باعتداء ثان على ضحية الاغتصاب باسم الشرف عبر تزويجها مغتصبها ".

وكانت المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني تنصّ على "إسقاط الملاحقة والعقوبة القانونية عن المُغتصِب إذا عُقد زواج صحيح بين المُغتصِب وبين الضّحية". يُذكر أنّ الأرقام الصادرة عن "مكتب مكافحة الاتّجار بالأشخاص وحماية الآداب" في قوى الأمن الداخلي، تشير إلى تبليغ ثلاث نساء  أسبوعياً عن تعرّضهن إلى العنف الجنسي، اغتصاباً أو تحرّشاً. كذلك أظهرت إحصاءات منظمة "كفى عنف واستغلال" ارتفاعاً في عدد المُعنَّفات اللواتي لجأنَ إلى المنظمة طلباً للمساعدة الاجتماعية والقانونية والطبيّة من 292 حالة في عام 2013 إلى 772 حالة في عام 2015. 

"لبنان لم ينتصر للنساء، والمادة 522 لم تُلغَ بالكامل، والنواب يحاولون إلهاءنا بانتصارات جزئيّة، وفي الحقيقة المفهوم الذكوري والعشائري هو المنتصر الأوّل»، هذا ما عبّرت عنه جمعيّة «كفى عنف واستغلال" في بيان صادر عنها. وتشير المسؤولة الإعلاميّة للجمعيّة مايا عمّار إلى أن «هذه النتيجة كانت متوقّعة، وهم لم يأخذوا بملاحظاتنا، إذ تمّ إلغاء مفعول المادة 522 عن جريمة الاغتصاب فقط، بعد أن كانت تطبّق على كلّ الجرائم الواردة بين المادتين 503 و521 (بما تتضمّن من مجامعة قاصر وفضّ بكارة بوعد الزواج والخطيفة) وتعفي مرتكبها من العقاب في حال تزوّج الضحيّة، ومن دون أن ينسحب على المادة 505 المتعلّقة بمجامعة قاصر أتمّت الخامسة عشرة من عمرها.

فمن يجامع قاصراً ما زال مُعفى من العقاب والملاحقة في حال تزوّج بها، والأمر نفسه ينطبق على المادة 518 المتعلّقة بفضّ البكارة بالإغواء بوعد الزواج، والتي تعفي المرتكب من العقوبة في حال عاد وتزوّج الضحية. كذلك لم يتمّ التطرّق إلى الاغتصاب الزوجي». وتضيف عمّار «لا شكّ في أن إلغاء المادة ينطوي على تقدّم خطوة واحدة، ولكنّها ليست كافية، هناك ثغرات لن نساوم عليها، تكرّس مبدأ التزويج المبكر والزواج بالإكراه ».

وبحسب عمّار «تتناول المادتان 505 و518 مجامعة القاصر باعتبارها جرماً يعاقب عليه القانون، غير أن تعديل المادة، أمس، يضع المرتكب أمام خيارين، إمّا السجن أو الزواج بالضحية في حال كانت تبلغ من العمر بين 15 و18 سنة، مع إضافة وجوب تدخّل مندوبة اجتماعيّة عند الزواج للتأكّد من أن القاصر على ما يرام. وهنا الثغرة، إذ كيف يُعطى المجرم خيار الزواج من الضحيّة للإفلات من العقاب ما دام القانون يعتبر مجامعة قاصر جرماً. وهو ما يكرّس ويقونن تزويج القاصرات والقبول به كحلّ للاعتداءات الجنسيّة ».

في المقابل ترى المحامية دانيال حويك، من منظمة "أبعاد" المعنية بحقوق النساء في لبنان، على "ضرورة استكمال الجهد التشريعي بالتعاون مع النواب لتنزيه القوانين اللبنانية من كل أشكال العنف ضد المرأة، من خلال مراجعة شاملة لمختلف بنود القانون". وتضيف أنّ "ثمّة حملات تحاول تصوير إلغاء المادة 522 على أنّه تدخّل مدني في تحديد سنّ الزواج الذي يتركه القضاء اللبناني للمحاكم الشرعية والروحية لتحديده بحسب مُعتقدات كل طائفة". وتوضح حويك أنّ "المادة 522 كانت تطاول كل الفئات العمرية للنساء اللواتي يتعرّضن إلى الاعتداء الجنسي سواء كنّ فوق الثامنة عشرة أو دونها، وهو ما كان يسمح بإعلان زواج ضحايا تقلّ أعمارهنّ عن 15 عاماً. وقد بات ذلك ممنوعاً اليوم بعد إلغاء المادة".

وتعاني المرأة اللبنانية من جملة انتهاكات تُكرّس بعضها القوانين مرعيّة الإجراء، في حين ما زال اقتراح قانون تعديل زواج القاصرات الذي أعدّته الهيئة الوطنية لشؤون المرأة لرفع سنّ الزواج إلى 18 عاماً خارج التداول، وهو ما يسمح باستمرار زواج القاصرات اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين تسعة أعوام و13 عاماً بحسب نصوص المحاكم الشرعية والروحية. كذلك يمثّل موضوعا الزواج من أجنبي وسنّ الحضانة معضلة حقيقية تنال من حقوق النساء، لأنّ المرأة اللبنانية ممنوعة من منح جنسيتها لأولادها أو زوجها الأجنبي. كذلك تعاني من تفاوت في سنّ الحضانة بحسب الأديان، فهي تتراوح ما بين عامَين (عند الطائفة الشيعية) و14 عاماً (عند طائفة الروم الأورثوذكس) للفتيان، وبين سبعة أعوام و15 عاماً للفتيات. تجدر الإشارة إلى أنّ مجلس النواب كان قد أقرّ في عام 2014 قانون تجريم العنف الأسري، إلا أنّ هذا القانون يحتاج إلى تعديلات ليحمي الأولاد مع الأم الذين يقعون ضحية عنف زوجي.

وقال مقدم الإقتراح الأساسي لإلغاء المادة، عضو كتلة "القوات اللبنانية" النائب إيلي كيروز، إنه تمنى على الهيئة العامة لمجلس النواب التصويت على المقترح الأساسي الذي يلغي مفعول إعفاء المُغتصب من جريمته في كافة بنود القانون الواردة تحت باب "الإعتداء على العرض"، وليس على الإقتراح الذي أقرّته لجنة الإدارة والعدل والذي يلغي مفعول إسقاط العقوبة ضمن المادة 522 فقط، ولكن لم يتم ذلك.