«عزف على أوتار مشدودة».. إبداع أدبي لسعاد الصباح يعالج قضايا المجتمع


الشيخة د.سعادالصباح

  • أحالت قصائدها إلى مدفعية ثقيلة لتواجه قومها بالحقائق وتشخص أمراض المجتمع
  • لم تتخل عن لغتها السلسة المتدفقة بعيداً عن صخور التقعر
  • صاحبة قضية إنسانية وحضارية وقومية

أصدرت دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع كتابا بعنوان «عزف على أوتار مشدودة» للكاتب د.نبيل راغب والذي يمثل دراسة في شعر الشيخة د.سعاد الصباح، جاء الكتاب في خمسة فصول تناولت العبق الرومانسي القديم، والإيحاءات الصوفية والميتافيزيقية، والمرأة بين المظهر والجوهر، والحس القومي والحضاري وأخيرا الوحدة الفنية للقصيدة.

وفي مقدمة الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى عام 1993 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، قال الكاتب إن الإنجاز الشعري لسعاد الصباح يشكل قضية مثيرة للتأمل والفحص ومغرية بالدراسة والتحليل.

فعلى المستوى الفكري والقومي والحضاري، تملك قدرا من الإقدام والجرأة قد لا يتأتى للرجال من الكتاب والمفكرين.

فهي تخوض في أكثر قضايا المجتمع والمرأة والتقدم والتحضر حساسية وحرجا، دون تردد او نكوص.

ولذلك تعتبر قصائدها سباحة ضد التيار وسط أعاصير عاتية، لكن جرأتها بل وقسوتها في بعض الأحيان في تعرية المظهر الزائف للمجتمع، ساعدتها على الغوص في أعماقه لاستخراج جوهره الإنساني الحقيقي الذي تألق في قصائدها برغم غبش الظلمة المحيطة به.

وأضاف الكاتب: ترى سعاد الصباح أن الأسلوب الأمثل لتحرير المجتمع من كل السلبيات التي تعتري كيانه، يتمثل في تحرير المرأة أولا، وأن تحصل على حريتها المساوية لحرية الرجل.

فمن حقها الحصول على نفس الحقوق وأداء نفس الواجبات التي يقوم بها الرجل لأنها شريكته في الحياة.

وبرغم بعض الهالات الرومانسية الحالمة التي تحيط بشخصية المرأة في بعض قصائدها، فإنها تملك إحساسا حادا ووعيا عميقا بالمسؤولية، وقدرة على رؤية أمور الحياة في ضوئها الحقيقي دون تهوين أو تهويل، وثقة في النفس لا حدود لها، وانطلاقا عاطفيا دون جموح أو طيش، وتحكيم للعقل في علاقاتها بالآخرين وفي مقدمتهم الرجل الذي تحبه، وإصرارا على الهدف بصرف النظر عن الاعتبارات الاجتماعية العقيمة.

فلم تعد المرأة تبحث عن السحر والغموض والفتنة والإغراء الجسدي، بل انها لا تحترم الرجل الذي يبحث فقط عن هذه الصفات والخصائص في المرأة لأنها تدل على تفاهته التي تقنع بالمظاهر والسطحيات، وعلى نظرته إلى المرأة كمجرد لعبة جميلة ومغرية ومسلية، وهو بذلك يثبت أنه لا يزال طفلا لا يمكن الاعتماد عليه.

ويقول الكاتب: تضع سعاد الصباح يدها على سر التخلف الحضاري والانكسار القومي العربي عندما تتهم المثقفين بالزيف، والخداع، والنفاق، والانتهازية، والتسلق، واللعب على الحبال، والأكل على كل الموائد، في حين ان المفروض فيهم أنهم المنارة التي تضيء الطريق للأجيال القادمة، فإذا غرقت المنارة نفسها بين طيات الظلام، وطبقات الصدأ، وبؤر العفن، فماذا سيكون حال الوطن وهو يرى أبواب المستقبل وقد سدت، وأضواء الشموع قد انطفأت، ولم يبق منها سوى دخان خانق؟!

وأكد أن سعاد الصباح أدركت عدم جدوى الشعر إذا لم يواجه الشاعر قومه بالحقائق مهما كانت مرارتها وقسوتها ووطأتها، ويشخص أمراضه مهما كانت مزمنة أو وبائية أو مميتة أو كل هذه جميعا.

ولذلك أحالت قصائدها الى مدفعية ثقيلة في هذا الميدان، وقد تخلت عن رقتها الحريرية التي لمسناها في قصائدها الرومانسية والصوفية.

هذا على مستوى المضمون الفكري والقومي والحضاري، أما على مستوى الشكل الفني والوحدة الدرامية للقصيدة، فإن الحمية القومية التي سرت في قصائد سعاد الصباح، لم تجعلها تتخلى عن أدواتها الشعرية من رموز، وصور وإيحاءات، ودلالات، ولوحات تشكيلية، وأوزان، وقواف، ومعادلات موضوعية، ومواقف درامية، وتساؤلات مثيرة، وغير ذلك من ادوات الوحدة الفنية للقصيدة.

ويضيف الكاتب: تعتقد سعاد الصباح ان الشعر يكمل الحياة ولا يقلدها، فإذا كانت الحياة زاخرة بالفوضى والظلام والضياع والتشتت، فإن الشعر طاقة متجددة وموحية بالنظام والمعنى والدلالة.

وطالما ان الحياة البشرية ستظل ناقصة، فسيظل الشعر بدوره ضرورة ملحة لإكمالها.

وهذا يحتم ان تكون القصيدة مكتملة بدورها، حتى تمنح هذا الإحساس بالتكامل أو الكمال، فالقصيدة التي تحتمل حذف أبيات واضافة أخرى اليها، قصيدة غير مكتملة وبالتالي لا تستطيع ان تكمل الحياة بعد ان عجزت عن إكمال نفسها بنفسها.

ويرى انه رغم الأبعاد الفكرية المركبة في قصائدها، فهي لم تتخل عن لغتها السلسة المتدفقة في يسر وسهولة بعيدا عن صخور التقعر وأحجار التعقيد، وهذه السلاسة اللغوية جعلتها تنأى عن استخدام البحور المركبة، وإن كانت تستخدم القوافي الموحدة في قصائد عديدة، من هنا كان ميلها لاستخدام أوزان مثل الخفيف، والرمل، والرجز، والمتدارك، التي يسهل على الجمهور العادي استيعابها والإحساس بها، وبذلك تبدو سعاد الصباح ممثلة للذوق العام لعصرها الذي أغرم شعراؤه بهذه الأوزان، مما جعلهم يتخففون من الصفات التي يمكن ان تطيل البيت بدون ضرورة شعرية، مثل البدل او المفعول المطلق او المفعول لأجله أو المفعول معه.

وبرغم التيار الرومانسي الجارف والصوفي المبتهل في قصائد كثيرة لسعاد الصباح، فإنها لم تنجرف مع الغنائية الذاتية التي تجعل من تصوير أحاسيس الشاعر هدفا نهائيا لقصيدة.

فقد أدى إصرارها على الوحدة الفنية للقصيدة الى تحويل المضمون الذاتي الى كيان موضوعي وجسم حي بحيث تصبح القصيدة تجربة للشاعر وللمتلقين على قدم المساواة في آن واحد.

واختتم ان يقظة سعاد الصباح وحميتها القومية قد جعلت منها عازفة على أوتار مشدودة تهتز للسلبيات والمحن والآلام والآمال والتوقعات والاحباطات التي تنهش الوجدان العربي، وقد وقع اختيارنا في هذه الدراسة على خمسة أوتار أساسية هي: العبق الرومانسي القديم، والإيحاءات الصوفية والميتافيزيقية، والمرأة بين المظهر والجوهر، والحس القومي الحضاري، والوحدة الفنية للقصيدة، مؤملين ان تتبلور المعزوفة الفكرية والفنية المتكاملة لسعاد الصباح في نهاية الدراسة.

وحمل الفصل الأول عنوان «العبق الرومانسي القديم»، حيث أشار الى انه على النقيض من الرومانسيين التقليديين فإن سعاد الصباح لا تقتصر على الذات كنقطة انطلاق وحيدة تجاه المجتمع والوطن والحياة، بل هناك قاعدتان تنطلق منهما في قصائد عديدة، وهما وطنها الكويت بصفة خاصة، ووطنها العربي بصفة عامة، لافتا الى ان قصائد الديوان الأول «أمنية» تظهر الى اي مدى تحمل الشاعرة هموم عصرها على كتفيها، وهي هموم كفيلة بالقضاء على اي احساس بالنشوة الرومانسية التقليدية، من هذه العناوين: «زمان اللؤلؤ» و«تحت المطر»، و«حق الحياة»، و«جواد عربي»، و«أحزان سائحة»، و«هواجس الوداع»، و«زحام المدينة»، و«في الغربة». وثورة سعاد الصباح الشعرية لتحرير الإنسان بصفة عامة، والمرأة بصفة خاصة دليل على توجهها الرومانسي الإيجابي الذي يتخذ من الشعر سلاحا لتصحيح الأوضاع المقلوبة ووضع الأمور في نصابها الإنساني.

وجاء الفصل الثاني من الكتاب بعنوان «الإيحاءات الصوفية والميتافيزيقية»، فيقول الكاتب ان العلاقة بين الفلسفة الصوفية والميتافيزيقية والادب بصفة عامة والشعر بصفة خاصة علاقة وثيقة منذ البدايات الاولى لكل منهما، ولعل هذا هو الانجاز الاساسي في اشعار سعاد الصباح التي وجدت في الابتهالات الصوفية والتجليات الميتافيزيقية الملاذ الاخير للانسان من كوارث العالم ومآسيه، وهذا يتضح في اول قصيدة بعنوان «الى قارئ» في اول ديوان لها «امنية» في العام 1971، فتقول سعاد الصباح:

وكلماتي احرف من خيال ونبض قلب عاش يبغي الكمال يقدس الحب ويهوى الجمال فإن اثارت فيك بعض انفعال فذاك لي حلم شهي المنال وعلى هذا، يمكننا اعتبار سعاد الصباح امتدادا لتقاليد التصوف الاسلامي الذي حرص على استبقاء الطابع التلقائي النزيه للحب الالهي، اذ رفض رواده من امثال رابعة العدوية وذي النون المصري والحسين بن منصور الحلاج وغيرهم ان يكون الحصول على السعادة او الخير شرطا لحب الانسان لله.

ويتناول الفصل الثالث «المرأة بين المظهر والجوهر»، مشيرا الى ان سعاد الصباح شهرت سلاحها الفكري والشعري في وجه الاتجاهات التقليدية التي اعتنقها عصر الحريم، فقضية المرأة عند سعاد الصباح تشكل قاعدة للانطلاق لتحليل وعلاج كل قضايا الحياة، مما يدل على ان المرأة هي بؤرة الحياة التي تتجمع فيها كل اشعتها واشعاعاتها، ويتجلى الوعي السياسي عندها في قصيدة «القمر.. على قائمة المطلوبين».

أما في الفصل الرابع الذي جاء بعنوان «الحس القومي الحضاري»، فيشير الكاتب الى ان التاريخ عند سعاد الصباح ليس مجرد تسجيل لأمجاد الماضي وبطولاته، وانما امتداد حي يسري في عروق الحاضر ويستشرف آفاق المستقبل.

فهي لم تتخل ابدا عن القيام بدور الضمير لقومها، تذكرهم دائما بثغرات ضعفهم وسلبياتهم حتى لو أقلقت مضاجعهم.

وفي الفصل الخامس الذي حمل عنوان «الوحدة الفنية للقصيدة» يقول الكاتب ان الشعر العربي يكاد يمثل ظاهرة فريدة في نوعها بين فنون الشعر في الشعوب والقوميات الاخرى.

وأشار الى ان استخدام سعاد الصباح لا يقتصر على الرموز والصور والدلالات الحسية الفرعية، بل تلجأ في بعض قصائدها الى رمز اساسي او معادل موضوعي رئيسي غالبا ما يتمثل في عنوان القصيدة نفسها، ويشكل عمودها الفقري الذي تتفرغ منه كل الرموز والتنويعات الجانبية.

الانباء