مائدة السلام النسوية تدعو لقواسم مشتركة تشكل أساسا لخطاب نسوي توافقي

رام الله - مجلة جنى - دعا عشرات المشاركون/ات في مائدة السلام النسوية في فلسطين للعام 2017 إلى تطوير خطاب نسوي تحرري اجتماعي ديمقراطي ينطلق من القواسم المشتركة التي تتوافق عليها مكونات الحركة النسوية الفلسطينية، وفي مقدمتها طبيعة مرحلة التحرر الوطني التي يمر بها الشعب الفلسطيني، والتقاطع في النضال الوطني والاجتماعي، دون أن يجحف الخطاب النسوي التوافقي بالطابع التعددي فكريًا وسياسيًا واجتماعيًا لمكونات الحركة النسوية الفلسطينية.

وأكد العديد من المشاركات على أهمية مراجعة التجربة الماضية، والبناء على إنجازات ومكتسبات الحركة النسوية الفلسطينية، وملامح الخطاب التحرري والاجتماعي والحقوقي الذي عبرت عنه طيلة الفترة الماضية، وبخاصة قيم المساواة الكاملة، ومناهضة مختلف أشكال التمييز الجنسي والطبقي والاقتصادي والسياسي، كما تضمنتها وثيقة إعلان الاستقلال، ووثيقة حقوق المرأة، واتفاقية سيداو، وتقرير الظل لاتفاقية سيداو، وقرار مجلس الأمن رقم 1325، وغيرها.

وكان المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) نظم مائدة السلام النسوية لهذا العام، في مقريه بالبيرة وغزة عبر "الفيديو كونفرنس"، للعام الثالث على التوالي، بالتعاون مع منظمة "نساء من أجل السلام عبر العالم" PWAG))، وبالتزامن مع تنظيم العشرات من موائد السلام النسوية في مختلف بلدان العالم.

ونظمت المائدة بمشاركة عشرات الناشطات النسويات والسياسيات والأكاديميات من الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48، إلى جانب عدد كبير من السياسيين والأكاديميين والنشطاء الشباب من الجنسين. وكرست لعرض ومناقشة حصيلة أربع ورشات حوارية نُظّمت بين نساء من اتجاهات فكرية متعددة من الضفة والقطاع وأراضي 48 ولبنان، حيث نظمت ثلاث منها في الضفة والقطاع، بمشاركة ناشطات من أراضي 48، بتاريخ 9، 14، 22 تشرين الأول، وورشة في بيروت يوم 17 تشرين الأول بمشاركة ناشطات فلسطينيات في لبنان.

وافتتحت مائدة السلام، بكلمة مركز مسارات التي قدمها خليل شاهين، مدير البرامج في المركز، وتطرق فيها إلى الأهمية التي يوليها "مسارات" لتعزيز مشاركة المرأة في جميع مستويات اتخاذ القرار والمساواة الكاملة بين الجنسين، وضرورة مشاركتها المتساوية في الحوارات الوطنية والاجتماعية، وكذلك حرصه على الحضور الفاعل للمرأة في مختلف برامج المركز.

وأشاد شاهين بالتعاون بين المركز و"نساء من أجل السلام عبر العالم" في تنظيم مائدة السلام في فلسطين للعام الثالث على التوالي، معربًا عن أمله بالنجاح في تطوير وثيقة تعكس القواسم المشتركة ضمن خطاب نسوي توافقي وتنظيم حملة توعية ومناصرة لمضامين هذا الخطاب، بما يشكل مساهمة في تطوير وإغناء الفكر النسوي الفلسطيني.

وفي كلمتها، استعرضت د. فيحاء عبد الهادي، كاتبة وأديبة فلسطينية، والمنسقة الإقليمية لمشروع مائدة السلام، الأهداف الرئيسية لتنظيم موائد السلام النسوية حول العالم، وأشارت إلى نماذج مما ناقشته موائد السلام عبر العالم لهذا العام، مثل مناقشة دور القانون وشؤون السكان الأصليين في البرازيل، والعلاقة بين التمكين الاقتصادي للمرأة والسلام في الجزائر، وبناء السلام من خلال الفنون في أندونيسيا، والمساواة الجندرية والسلام في ظل الفقر وممارسة العنف ضد النساء في هندوراس، وغير ذلك من مواضيع في بلدان أخرى.

ونوهت إلى أن مائدة السلام الختامية سوف تنظم في سويسرا يوم الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر القادم، حيث ستدرج منظمة "نساء من أجل السلام عبر العالم" نتائج جهود النساء عبر العالم في صلب موضوع المائدة النسوية، من خلال استعراض نتائج وتوصيات موائد السلام النسوية عبر العالم، بما فيها فلسطين.

وقالت عبد الهادي إن مائدة السلام النسوية لهذا العام تسعى إلى البناء على توصيات المائدتين اللتين نظمتا العامين الماضيين، وذكَّرت بنتائج مائدة العام 2015؛ التي ناقشت نظرة النساء الفلسطينيات إلى السلام، وأكدت أن السلام العادل الذي يضمن تحقيق الأمان الإنساني لن يتحقق سوى بالتحرر الوطني وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وأن مفهوم السلام يتضمن أيضًا تحقيق السلام الداخلي، الذي يعني المصالحة، وبشكل أعمق إنهاء الانقسام، كما يعني المساواة في النوع الاجتماعي.

كما أشارت إلى أبرز توصيات مائدة السلام للعام 2016، وفي مقدمتها أهمية تطوير الخطاب النسوي في السياق الفلسطيني الذي يعاني من آثار الاحتلال والانقسام، وضرورة تعزيز دور وفعالية الحركة النسوية الفلسطينية، وكذلك العمل بشكل منظم ومؤثر من أجل تعزيز دور المرأة في النظام السياسي الفلسطيني، ومشاركتها في الحوارات الوطنية، إضافة إلى دورها في المصالحة المجتمعية.

واستعرضت أبرز العناوين التي تناولتها الورشات الحوارية التمهيدية في الضفة والقطاع ولبنان، حيث نوقشت خلالها مكوِّنات خطاب نسوي توافقي تجاه عدد من القضايا، أبرزها كيفية ممارسة المرأة لحقها في المشاركة الفاعلة والمتساوية في الحوارات الوطنية والمجتمعية، وتحديد أجندة هذه الحوارات، وتعزيز مشاركة النساء في صناعة القرار على مختلف المستويات، وفي المؤسسات الوطنية والأحزاب السياسية، انسجامًا مع القرار 1325 الصادر عن مجلس الأمن، والخطة الوطنية لتنفيذ هذا القرار، إضافة إلى أسس ومرتكزات الشراكة والعمل المشترك في الأطر والمؤسسات والمنظمات النسوية.

بدورها، عرضت د. لميس أبو نحلة، الأستاذ المساعد في جامعة بيرزيت، مسودة ورقة تضمنت نتائج وتوصيات الورشات الحوارية. وقالت إن المشاركات في الورشات الأربع طرحن أسئلة عدة تمت الإجابة عن بعضها، والتوصل إلى قواسم مشتركة وتوافق بشأنها، لا سيما فيما يخص مفهوم الشراكة السياسية والوصول إلى مراكز صنع القرار، في حين عكست الإجابات عن البعض الآخر تعددية في الآراء، منوهة إلى أن مسودة الورقة تعبر عما تم التوافق عليه، وما بقي موضع خلاف يحتاج إلى مزيد من الحوارات للتوافق على الخطاب النسوي، لا سيما في ظل مشاركة نسويات من مختلف الأطياف الفكرية والسياسية والحزبية، بما فيها الإسلامية، في الحوارات حول ماهية ومضامين الخطاب النسوي.

ونوهت إلى الأسئلة التي طرحت خلال الورشات الحوارية، مثل ما هي طبيعة الخطاب النسوي المطلوب تطويره؟ وهل يمكن الخروج بخطاب موحّد؟ وما هي هويته، وحدوده؟ هل هو خطاب واحد، أم خطابات متعددة؟ وهل هو خطاب سياسي، أم اجتماعي، أم ثقافي؟ وغير ذلك من أسئلة.

وأوضحت أبو نحلة أن الحوارات أظهرت أولًا وجود تعددية على مستويات مختلفة يجب أخذها بالاعتبار، وثانيًا عدم إمكانية الفصل بشكل عام بين الخلفيات السياسية والوطنية والاجتماعية، الأمر الذي يعني أنه لا يمكن الوصول إلى خطاب نسوي واحد أو موحّد أو وحداني، في ضوء واقع التعددية الفكرية والسياسية والحزبية ضمن الحركة النسوية الفلسطينية. لذلك، توجهت الحوارات نحو تحديد قواسم مشتركة للعمل عليها مع مراعاة الفروقات والتمسك بالإنجازات التي حققتها المرأة. وأضافت: بشكل عام، كان هذا التوجه يسير نحو البحث عن القواسم المشتركة بين الجميع وبناء خطاب مشترك، أو بشكل أصح تطوير خطاب توافقي.

وركزت العديد من المداخلات خلال المائدة على ضرورة البناء على تجارب وخبرات ومكتسبات الحركة النسوية الفلسطينية، ومعوقات تقدم وضع المرأة الفلسطينية، وقدرتها على تحقيق حقوقها الوطنية والاجتماعية والسياسية وغيرها، لا سيما من حيث طبيعة المجتمع الذكوري وإقصاء النساء عن المشاركة السياسية الحقيقية، إضافة إلى كيفية جعل القضايا النسوية قضايا تهم كل المجتمع وليست الحركة النسوية وحدها، وضرورة وضع آليات لتعزيز التواصل والعمل المشترك بين النسويات الفلسطينيات في الضفة والقطاع وأراضي 48 والشتات. 

وقدمت العديد من التوصيات لدعم التوصل إلى قواسم مشتركة تشكل أساسًا لخطاب نسوي تحرري اجتماعي حقوقي ديمقراطي، في مقدمتها توسيع دائرة الحوار، واستمرار الجلسات الحوارية بشكل منتظم ودوري ما بعد مائدة السلام، بهدف تطوير مسودة الخطاب النسوي، بمشاركة مختلف الأطياف الفكرية والسياسية والحزبية في الوطن والشتات، تمهيدًا لعرضها للنقاش العام، وتنظيم حملة توعية ومناصرة.

كما اقترح تقديم تجارب نسوية مضيئة، وتضمينها بمناهج التربية والتعليم، والاهتمام بالثقافة والإعلام، وتنظيم جلسات لنقاش "الوثيقة الحقوقية للمرأة الفلسطينية"، والوثائق الدولية التي صادقت عليها دولة فلسطين، ولقراءات مرجعية في المجال النسوي، ودعوة نساء وصلن إلى مراكز صنع القرار لمناقشة تجاربهن، بالإضافة إلى نقاش إنجازات وإخفاقات الحركة النسوية الفلسطينية.