فداء سمار.. أن تجعل الطبيعة أداة للفن

"مجلة جنى" لم تكن فداء سمار تعرف أنها تملك موهبة ستستوقف الكثيرين حولها، وتترك علامات الدهشة والإبهار مرسومة على ملامحهم. فمن الرسم بأوراق الشجر والعشب إلى الرسم على ثمار اليقطين وحبيبات المكرونة، وفي رسم الوجوه والشخصيات بصورةٍ كاملة، وبأكبر الجدرايات، تفردت فداء بموهبتها التي ظهرت منذ وقت مبكر.

كانت فداء طفلة في التاسعة من عمرها، عندما حملت إبرة وخيطان وحاكت أول قطعة فنيّة مطرزة باسمها، لكن الأمر لم يجذب أهتمام عائلتها كثيراً في البداية، كونها أتقنت فن التطريز الشعبي الذي لا يكاد يفوت يدي امرأة  فلسطينية.

هل ما زلت تحتفظين ببعض قطعك المطرزة؟ سألنا فداء خلال حديثنا معها فأجابت: “بالتأكيد، ما زالت أول قطعة طرزتها محفوظة لديّ. ورغم أن فيها بعض الأخطاء لكنها تعني لي الكثير، وكنا نتبادل في الابتدائية أنا وصديقاتي القطع التي نطرزها بأسماءِ بعضنا”.

لم تبق ضيفتنا، إبنة بلدة اليامون قضاء جنين، أسيرةً لفنٍ وحيد دون غيره، فسرعان ما إجتذبها النحت على الخشب، وكانت أول منحوتة نفذتها تظهر مدينة القدس محاطة بالجنازير والسياج، وتعلو سماءها علامة النصر، وهذه أيضاً ما تزال مُعلقة في بيتها منذ 20 عاماً.

أما في النحت فسرعان ما بدأ يظهر تميزها عن قريناتها، إذ ابتكرت تقنية جديدة عن طريق الخشب، تقوم على إستثمار جذع الأشجار، وتحديداً إطارها الخارجي الذي يتم التخلص منه، فجمعته وصنعت به طريقة لعمل لوحة فنيّة. تقول إنها كانت تبلغ آنذاك 13 عاماً،  وعندما رأت معلمتها عملها قالت لعائلتها “هذه الفتاة موهوبة ولديها أفكار متميزة”.

حتى تلك اللحظة، لم تلفت موهبة فداء إهتمام عائلتها كثيراً، رغم أنها تجاوزتها إلى رسم الشخصيات، وذات مرة رسمت صورةً للرئيس الراحل ياسر عرفات، وعلقتها في صالون البيت. تقول: “جاءنا أحد الضيوف وعندما شاهد الرسمة طلب شراءها لشدّة إعجابه بها، قلت له لا بل أُهديك إياها، وبعدها رآها عنده أحد المسؤولين في محافظة جنين وسأل عن صاحبتها، ومن هنا بدأت حكايتي مع الرسم خارج البيت”.

شاركت فداء في مختلف المبادرات التطوعية لدعم القضية الفلسطينية، ومنها قضية الأسرى، والقدس، وحق العودة، وكان ذلك في مرحلة دراستها الثانوية التي انبثق عنها قرارها بالدراسة في كلية الفنون في رام الله، وهو القرار الذي واجه رفضاً عائلياً.

تخبرنا فداء أن والدها رفض التخصص أولاً، ثم رفض ذهابها للدراسة في رام الله؛ وإشترط كلية “غير مختلطة”، لكنها أصرت على قرارها حتى كان لها ما تريد، فانطلقت إلى رام الله لتكون طالبة على مقاعد الدراسة في كلية الفنون الجميلة.

لم تستغرق فداء وقتاً طويلاً حتى جعلت إسمها علماً في كلية الفنون، وكان ذلك إثر صُنعها لوحة عن الفنان العالمي بيكاسو بطريقة فنية غير متوفرة، إذ لجأت إلى ورق الشجر والبسكويت وأعدتها عن طريق الحفر والطباعة، وعندما رأتها أستاذتها أنكرت أن تكون هي صاحبة الرسم، فما كان منها إلا أن أعادت تنفيذها مرة أخرى أثناء المحاضرة، فدعت كافة أساتذة الكلية لتريهم اللوحة.

تقول فداء: “لم أكن أعرف أن ما أقوم به عمل إبداعي ويصعب عمله، كانت الفكرة تحتل تفكيري فأقوم بتنفيذها وتنساب بين يدي كالماء بسلاسة وسهولة، وأما تلك اللوحة فما زالت في الجامعة تتحدث الأجيال عنها”.

فور تخرجها عملت فداء كمعلمة فنون في عدد من المدارس الخاصة، تقول: “درست خمس سنوات بالمدارس وفزت على مستوى 30 مدرسة بلوحة (كفر عقب أجمل بلا مخدرات)، وفي أحد معارضي زارني وزير التربية والتعليم وأشاد بموهبتي وشبهني بالفنان بيكاسو”.

وفداء العازفة عن الزواج، تقول إنها “تزوجت طموحها”، وقد بلغت سن 35 عاماً، لكنها لم تحصل على وظيفة ثابتة بعد، تقول: “طرقت كل الأبواب ولم يساعدني أحد، الكل يشيد بوهبتني لكن لا يبادر لمساعدتي”.

وتذكر فداء إحدى تجاربها “الصعبة”، عندما رسمت على جدار الفصل العنصري عام 2013، فتعرضت ومن معها لإطلاق نار وقنابل غاز من قوات الاحتلال، ما جعلها تغادر دون أن تُكمل الرسمة.

والزائر لبيت فداء، يُفاجأُ بكمية اللوحات في المدخل، كما أن غرفتها تحولت لمرسم يضم 200 لوحة مُعلّقة على الجدران، ناهيك عن اللوحات المكدسة في الدواليب وتحت الأسرّة، فلا يمر يوم إلا تبتدع فيه لوحة أو لوحتين على الأقل.

وكانت فداء أول شابة تنفذ معرض شارع على دوار المنارة في رام الله، يوم 18 أيار/مايو من عام 2014، أعطته اسم “معرض شوارع العودة”، وقد أثار استغراب المارة واهتمامهم. وبحلول عام 2018 تكون فداء قد أقامت نحو 20 معرضاً منها ثلاثة معارض في الأردن.

ولدى فداء قدرة على الرسم خلال دقائق معدودة بتقنية سريعة، فتقسّم عملها لخمس أو سبع لوحات أكبر فأصغر؛ الأمر الذي ترك في داخلها أمنية بالمشاركة في أحد برامج المواهب.

وفي آخر عمل لها، رسمت فداء على جدار مدرسة بنت الأزور جدراية بطول 7 متر، تمثل القدس في قلب خريطة فلسطين ملونة بألوان العلم. تصف تجربتها ضاحكة: “عندما ركبت الرافعة لأرسم من الأعلى إنتابني شعور بالخوف، لكن سرعان ما أجتزته وإنغمست بالرسم”.

أنجزت فداء جداريتها في يوم ونصف، لمدة 7 ساعات في اليوم، تقول إن أصعب ما فيها كان الرسم على الحجارة القديمة، مشيرة إلى تلقيها اتصالاً هاتفياً من مكتب الرئاسة يهنئها على إنجازها، بعد أن علمت الرئاسة بالأمر من وزير التربية والتعليم.