«كانت لك».. رواية مصرية تستمد قوتها من «مستغانمي» و«نزار قباني»

"مجلة جنى" تمثل الروائية المصرية الشابة «حلا المطري» أحدث جيل أدبي، درست الأدب الإنجليزي في كلية اللغات والترجمة، وأصدرت أولى رواياتها «كانت لك» عام 2014، والرواية نفسها صدرت طبعتها الرابعة العام الماضي، كما أصدرت روايتين أخريين لاحقًا: «عرايا الروح»، «امرأة بطعم التوت».

يبدو عنوان الرواية الأولى مميزًا متكئًا ومستلهمًا روح بيت شعر الشاعر المصري الراحل «أحمد فتحي» (1910 ـ 1986):

                           «كنتَ لي أَيّامَ كانَ الحبُّ لي .. أملَ الدُّنيا ودُنيا أَملي»

والبيت أحد روائع قصيدة «قصة الأمس» المشهورة التي تغنت بها «أم كلثوم» من ألحان «رياض السنباطي» عام 1958.

تقع الرواية في 230 صفحة و6 أقسام، وقد عمدت «المطري» لتغيير كلمتي مفتتح بيت الراحل من «كنت لي» إلى «كانت لك» محولة الضمير في «لي» (كما في قصيدة فتحي) من ياء الملكية إلى كاف المخاطب في «لكَ» في عتاب للطرف الآخر من العلاقة العاطفية، لم يخل من تقدير للنفس الكاتبة.

تجربة غير مكتملة وتأثر عربي

لم تشر «المطري» إلى بيت الراحل «فتحي» خلال النص، فاسم الرواية قد يكون تم استدعاؤه دون دراية بأبعاده، لذا فإننا أمام كتابة أدبية لجيل جديد لا يستوعب بدقة مفردات بالغة الدلالة أولها اسم العمل.

لم تخف الأديبة الشابة في تجربتها أو محاولتها الروائية الأولى تأثرها بالكاتبة الجزائرية الأصل التونسية المولد «أحلام مستغانمي»، ورغم أن الأخيرة مواليد عام 1954، وقد بلغت من العمر قرابة 64 عامًا فإن كثيرين يرونهما تتلبسان روح الشاعر السوري الراحل «نزار قباني» في رواياتيهما (المطري ومستغانمي)، رغم وفاة الأخير في 1998.

يأتي العمل الأول الأدبي مقاربا لغيره من ألوان الفنون، وتأتي الرواية محملة بأخطاء البداية من مثل المباشرة في كثير من الأحيان، والرغبة العارمة في حكي هموم الذات وآلامها لكن دون إيجاد معادل موضوعي مناسب أو إطار فني مناسب للحكي، وأيضًا تلبس روح آخرين من الكتّاب حين الكتابة، وهو ما ظهر حتى في إهداء الرواية:

(إلى القلوب المجنونة، العابثة في الحياة عشقًا..

إليكم قلبي وحروفي العبثية) صـ5.

(ثورة بدأتها أنا، لتنهونها أنتم أو تبدأوها، كلّ بمنطقه الخاص!) صـ6.

التمويه والمداراة سيدا الموقف

لكل كاتب نسبة من عمله الأدبي، ونصيب من أحداثه يختلف ويقل أو يزيد، ولكي يستطيع الكاتب خاصة الروائي إقناع الآخرين بأن همه عام غير خاص يتعمد تغييرًا في الوقائع بما يعمم إطاره ويسمح له بالتعمق في وصف دواخله، أو شيئًا من هذا القبيل باختلاف أدوات كل كاتب، لكننا مع جيل مصري جديد يغزو عالم الرواية بقوة، ويحقق نسبة انتشار عربي كبيرة، فالكويت تحديدًا اهتمت برواية «المطري» الأولى حتى لتفرد جريدتي «السياسة» و«الرأي» حوارًا وخبرًا عنها، ربما لأن أحد أبطال الرواية كويتي.

مع جيل روائيين جدد نجد النزعة الذاتية غالبة لكن بمصاحبة لغة مراوغة هي خليط من لغة الشعر كما بدأها «نزار» باحترافية، والرواية كما عبرت عنها «مستغانمي»، وتحت إطار اللغة المراوغة التي تكثر من استخدام مفردات تتعمد إضافة ياء الملكية لكثير من أوصاف الشعور، مع مراعاة المقابلة الواضحة بين الكلمات، والتضاد السافر بين المفردات، في تلاعب باللغة لا يخلو من رغبة في إثارة انتباه القارئ لأقصى درجة من مثل: (سؤال قارص بدرجة اشتعالي ـ صـ289).

أما عن تجربة الحكي الشخصية الواضحة (لن أستطيع الشروع في حبك، هذا جنون لن أحتمله، ولكني سأفعل في روايتي ربما، فلنكن أسيادًا على الورق، سأحبك حبريا كما لم تحبك امرأة) صـ258 من الرواية.

أو بوضوح أكثر منذ الصفحات الأولى للرواية: (سألتني لماذا أكتب رواية؟ فأجبتُ لكي أحبك فيها)، فيتم التغلب على الخصوصية الشديدة، وفق الجيل الروائي الشاب بتعمد المبالغة بإخفاء معالم الشخصيات تمامًا، بل نسبتها لأوطان أخرى من الأمة العربية، وكأننا أمام لعبة «بازلت» كل مفرداتها تم تغييره بمهارة لكيلا يكون الكاتب مهددًا بالملاحقة من أحد بأنه يكتب عن نفسه أو آخرين معروفين، وهو الأمر الذي طالما تغلب عليه أدباء عالميون باحترافية.

تدور الرواية حول «رنا معاذ ياسين»، الطالبة في جامعة القاهرة، لأب لبناني وأم قاهرية، في لبنان أصيب الأب بما يشبه «الوسواس القهري»، وتخفي الروائية بقية الحقائق قائلة في إجمال: (أبي الذي استشهد في حرب نفسية لا أريد ذكرها الآن) صـ13، في عدم قدرة على نسج الحدث مكتملًا.

تبقى من الوالد الجدة «مديحة» تحيا الابنة معها في القاهرة، مع زواج الأم اللبنانية الأصل من رجل أعمال مصري «أدهم سمير» وحياتها معه في الإسكندرية، والأخير لا يعرف من الحياة إلا الجانب الحسي، يتزوج الأم ويحاول إقامة علاقة غير بريئة مع ابنتها (قال لي بصوته الفحولي) صـ32، ومع غيرة الابنة من زواج الأم تضطر لقبول خطبة «نايف» الكويتي المعجب بجمالها رغم أنها لم تتجاوز العام التاسع عشر وتصفه الكاتبة: (استفزتني مثاليته المُطلقة وكيف ينصاع لجنوني دون جدل أو مناقشة! إنه بمثابة مساج لعواطفي، دللني كثيرًا إلا أنني لم أتجاوب مع أساليبه يومًا ما) صـ30.

تبحث بطلة الرواية عن حب يصدمها ويدهشها من النظرة الأولى أحيانًا (وأنا أجوب شوارع القاهرة، أجدني أبحث عن نسيمك القاهري) صـ11، وفي سبيل هذا الحب تتناسى الأحداث المصيرية المصرية ولكنها تشير من بعيد إلى ثورة يناير/كانون الثاني 2011 واحتمال حدوث انتفاضة.

وعلى حين غفلة تجد «رنا» فتى فارع الطول يركب سيارة سوداء في حي زوج أمها من الإسكندرية، فتنبهر قائلة (أيعيش هنا حبيبي؟)صـ79 (!)، ثم يتضح أن الحبيب اسمه «أيمن فريد» يدرس معها في جامعة القاهرة؛ مرة تقول الروائية الشابة عنه أنه يدرس في كلية الآداب ومرة تقول إنه يدرس بكلية الإعلام (!) وتضيف: (نسيتُ الكون والأحلام، لم يشغلني سوى فتى الإسكندرية، أيمن هذا .. من المدهش أن أراه حقا في الجامعة) صـ31.

وفي سلسلة متواصلة من المصادفات تصل الأمور بينهما لزيارته في بيته، فتجده وحيدًا بلا أهل أو حتى زملاء (فوجدته قد سقط على الأرض، هرعتُ إليه وقد تمزق فؤادي) صـ155.

وبالتالي بعد وفاة جدتها يرد إليها الحبيب الزيارة في الواحدة بعد منتصف الليل في بيتها، وهي وحيدة أيضًا، لكن لمجرد تقديم واجب العزاء!

وفي النهاية تكتشف البطلة أن حبيبها غارق في محبة أخرى «نادين شهاب»، وأن خصامهما لفترة اضطره لاستدعائها لكي تغير وتعود، وتؤبن البطلة العلاقة في النهاية بعشرة رسائل للحبيب ممهورة باسمها الحقيقي «حلا المطري» في مباشرة هربت الرواية منها طوال الوقت.

اللغة والمنطقية

جاء تمثل لغة «مستغانمي» و«نزار» حاميا للبطلة من الوقوع في فخ الركاكة اللغوية كثيرًا لكنه لم يُثبت لغة خاصة للبطلة، وحين غياب التمثل كانت تتكشف لغة أخرى لا نبالغ إذا قلنا إنها مُسفة وليست مباشرة أو سيئة من مثل: «هوه ده اللي ربنا قدرك عليه وديني لشاربه» صـ68.

وإن لم تخل الرواية من جمل عميقة ذات دلالة من مثل: (القهوة تعلمنا الرضا بالحال، فهي كالحياة بمرارتها وحلاوتها، وهذا هو حالنا نحن البشر) صـ174.

ويبقى أن رواية «كانت لك» جاءت على الحد الفاصل لغويًا بين تمثل كُتّاب آخرين ومحاولة البعد عن الإسفاف، لكنها لم تثبت نفسًا روائيًا لصاحبتها، ولم تعزز مكانتها على الساحة الأدبية لولا الضعف الذي يلف الإنتاج الروائي المصري والعربي اليوم.