“شريك العمر”.. واقع غزة بكوميديا سوداء

"مجلة جنى" بنظرات متوجسة وكلمات مترددة، أطل الصديقان أحمد وعلاء بأولى مشاهد مسرحية شريك العمر، وهما يعدان خطيبتيهما عبر النقال بأن موعد زفافيهما بات قاب قوسين أو أدنى، بعد افتتاحهما شركة لتزويج الشباب يتوقعان أن تنهي مأساتهما مع البطالة المرافقة لهما منذ تخرجهما من الجامعة.

لكن سرعان ما “ذهبت السكرة وجاءت الفكرة” ليستفيق الشابان على صدمة فشل مشروع شركتهما المسماة “شريك العمر” بعدما تقدم مجموعة من الشباب طلبا للزواج لكن من دون تقدم شابات لذات الغرض، فيتدخل صديقهما الثالث حسن بدور الشيطان ناصحا إياهم بتقمص دور الفتيات اللائي يعرضن أنفسهن للزواج.

من هنا يوالي أبطال المسرحية الثلاثة -أحمد وعلاء وحسن مع آخرين- عرض أزمات غزة ومشكلات شبابها، بقالب بسيط مفرط في السخرية، وبالانتقال من مشكلة إلى أخرى، من الفقر إلى البطالة، فالعنوسة والرغبة في الهجرة والانتحار، مع إطلالة على الواقع السياسي بالتلميح أكثر من التصريح في أحيان كثيرة.

يبدأ أحمد بتقمص دور الفتاة “الفرسة” المطلوبة لعريس يعمل “عربجي” لعربة يجرها حصان، فيصهل ويقفز كما الخيل، قبل أن يضطر صديقه علاء للقيام بدور عروس بمواصفات “صاروخ” بناء على طلب أحد العرسان، لتضج القاعة بصوت صافرات الإنذار في محاكاة لسقوط صواريخ المقاومة على المدن الإسرائيلية.

يظهر العريس مرتجفا عند رؤيته عروسه قائلا “هذه قاعدة صواريخ وليست صاروخا”، لتعلو قهقهات المشاهدين بالقاعة، كأنهم شربوا من كؤوس الضحك حتى ارتووا، بعد صورتين مسرحيتين غارقتين بالسخرية.

“عريس داعشي”
يقتحم المسرحية ملف أكثر سخونة، من خلال عريس “داعشي” يدعى “أبو قتادة المقدسي” يهمل المواصفات الشرعية لعروسه على غير المعلن، ويطلب عروسا “طويلة وعريضة وشرحة وقوية”، وهي أقرب لمواصفات “شقة العمر”، كما يقول المتقمص لدور هذه العروس، الصديق الثالث حسن وهو يرتدي النقاب والجلباب.

لم تتوقف الموسيقى الراقصة المرافقة لمشاهد النقاش بين العروس بنقابها وجلبابها وبين العريس بلحيته وشعره الطويل ليواصل الجمهور الضحك وهو يتابع توالي الانتقاد الهزلي لفكر وسلوك ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، مع تطعيم الصور المسرحية ببعض مشكلات غزة الدافعة نحو الانحراف الأخلاقي أو التطرف الفكري.

فجأة ينكشف أمر أبطال المسرحية الثلاثة بأنهم شباب وليسوا فتيات، فيتحول المشهد من فكاهي كوميدي إلى تراجيدي مؤلم لواقع حوّل شباب طامحين إلى نصابين، فتدوي صرخة أحمد مع موسيقى حزينة “محدش يقول اسكت محدش يقول في أمل، احنا عايشين في بلد كله بيدوس على كله، وبعدين بيجي حدا بيسألك ليش يأسان ليش بدك تهاجر”.

تضج قاعة العرض بالتصفيق والصفير قبل أن يقفز أحمد بسلاسة لمشاهد ضاحكة وباعثة على الأمل بالتغيير، ليحقق رؤية مخرج وكاتب المسرحية حازم أبو حميد بتقديم كوميديا ساخرة ومؤلمة أحيانا ولكن بعيداً عن البكائيات المعتادة.

صرخة ألم
لذلك كانت المسرحية -المنتجة من قبل ملتقى الإبداع الفكري (إبحار)- أقرب إلى توجيه صرخة من وجع الألم والإصرار على تتبع نور الأمل، كما يقول مخرج وكاتب المسرحية، مع الابتعاد عن المسرح الكلاسيكي واستخدام الكوميديا السوداء المضحكة للمشاهدين على أوجاعهم، وليست المذكرة لهم بأحزانهم.

وبينما يعبر مخرج المسرحية عن سعادته بقدرة فريق العمل على مواجهة ثلاثة تحديات هي: غياب مسرح مؤهل للتدريب والعرض، ومقص الرقيب، والتمويل المتحصل مؤخرا من القنصلية السويسرية بفلسطين، يؤكد الفنان ثائر أبو زبيدة المؤدي لدور أحمد، أن الفنانين أبدعوا كونهم يعيشون ما يؤدون وهم أقرب للتشخيص منهم للتمثيل.

عطش للفن
وهذا ما جعل الجمهور أكثر قربا وتأثراً بالمسرحية؛ كونها تلامس واقعهم مباشرة، حسب الفنان محمود شراب المؤدي لدور حسن، من دون انزعاجهم من استخدام بعض الألفاظ والكلمات الشائعة مجتمعيا رغم وصفها من قبل البعض بالهابطة.

ورغم أن القاص والروائي يسري الغول يميل إلى التحفظ على استخدام المسرحية لبعض الألفاظ غير المناسبة مجتمعيا، مع إقراره بأنها جاءت لتحاكي ما هو سائد بالأعمال المصرية والعربية، لكنه يثني على العمل فنيا، إضافة إلى كونه أعطي فسحة من الفرح لأهالي غزة المتعطشين للأعمال الفنية.

وعلى مدار ثمانين دقيقة زمن عرض المسرحية بقاعة مركز رشاد الشوا الثقافي، تفاعل الجمهور متنوع الأعمار من الذكور والإناث بشعف وتأثر شديدين، ظهرا مع حالة الاندماج الكامل مع الممثلين والتأثر بأدائهم وكلماتهم بالضحك أغلب الوقت والانفعال الحزين في بعض الأحيان.