«بنات الرياض».. رواية سعودية تحدت الموروث الاجتماعي المتداخل والعولمة

"مجلة جنى" بدأت مؤلفة رواية «بنات الرياض» حياتها الروائية بهذه الرواية التي أثارت ضجة لانتقادها المجتمع السعودي، بخاصة في معاملته للفتيات، غير أن طبيبة الأسنان السعودية «رجاء عبدالله الصانع» توقفت عن الكتابة على إثر هذه الرواية.

تقع الرواية في نسخة الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) في 164 صفحة و50 قسما أو جزءا، ويمكن للقارئ والناقد أن يحددا، عبر قطاع عرضي في الرواية، 4 شخصيات لفتيات يمكن تسميتهن ببطلات الرواية، «لميس جداوي»، «قمر قصمنجي»، «سديم الحريملي»، و«مشاعل العبدالله».

دبي هي الحل

بعد أن ضاقت السعودية والولايات المتحدة بـ«مشاعل» وأسرتها يتخذ الأب قرار السفر لأكثر المدن العربية تفتحا، بحسب الرواية، دبي، وهناك تجد «مشاعل» غرضها من الحياة، تستكمل دراسة الحاسب الآلي، وتتعرف إلى «جمانة» نجلة صاحب إحدى المحطات الفضائية، تعمل بها في الصيف وتتعلق من جديد بالشاب الذي يخرج برنامجها الأسبوعي، وتبدو حياتها واعدة من جديد بعد فشلها في تجربتين عاطفتين والإقامة في دولتين إحدهما تمثل مسقط رأس أبيها (السعودية)، والثانية تمثل مسقط رأس الأم (الولايات المتحدة).

«سديم الحريملي»

أخرنا تناول شخصية «سديم الحريملي» لأنها أكثر الشخصيات الأربع تناولا في الرواية، وقربا من خيبات أمل تقع فيها فتيات بخاصة في مجتمعاتنا العربية عن غير قصد، ويغرمن ويدفعن مقابلها الكثير من جهدهن وحياتهن.

غير أن الخط الأوضح الذي يخص «سديم» هو الفلتات الروائية المباشرة التي مرت من بين يدي «الصانع» مثبتة أنها تتحدث عن نفسها خلالها، من زيارتها لدار «الساقي» للنشر، ناشرة الرواية نفسها وإعجابها بكتابات الراحل «غازي القصيبي»، وقد قام الأخير لاحقا بتقديم الرواية لها.

كانت «الصانع» تحب أن تكون، على الورق، مكان «لميس جداوي» أنجح فتيات روايتها، فمنحتها مهنتها الطب، وتركها بلادها لإكمال التعليم في الغرب، وهو ما ينطبق تماما على المؤلفة، إلا ان فيض الكتابة بعاطفية وشجن واضح عند تناول «سديم» يجعل القارئ المدقق فضلا عن الناقد يتأكدان أنها تتناول طرفا من سيرتها الذاتية مع حرص على تعميتها وتنكيرها.

التقت «سديم» في بداية حياتها بـ«وليد»، ولأنه الشاب الأول الذي تعرفه فقد منحتها عواطفها لأبعد الحدود، وعقب عقد قرآنهما وقبل الزفاف الرسمي ملكته نفسها في غياب الأسرة، وهو ما دفع «وليد» للتخلي بالكلية عنها وتطليقها.

لملمت «سديم» جراحها وأغراضها تاركة عاصمة الغبار (قاصدة الرياض!)، إلى عاصمة الضباب لندن، وهناك عملت في بنك دولي، وتعرفت إلى «طاهر» زميلها، وصديقه السعودي «فراس» الذي مثل بابا ثانيا لآلمها الكبرى.

أحبت «سديم» «فراس» بعمق، بخاصة بعد عودته للمملكة وتوليه منصب مستشار في الديوان الملكي، حتى أنها صارحته بكبوتها مع «وليد» التي خبأتها وأخفتها حتى عن الأهل، فبدأ يتغير من ناحيتها.

لم يعد ذلك الذي يطوف شوارع الرياض بحثا عن بيتها قبيل الفجر ليهاتفها مؤكدا محبته لها، وشعرت به وكأن بداخله بركان يكاد يعصف به، فهو رجل شرقي أعزب يرفض تماما رغم حياته في الغرب، أن يتزوج من امرأة تم الدخول بها وطلاقها قبل الزفاف.

ولأن «سديم» يتيمة الأم صدمها بشدة وفاة الأب، وصدمها أكثر أنه «بعد سنين من سعيها وراء الكمال الذي لا يليق برجل مثل فراس سواه، ركل فراس كمالها بقدمه والتفت إلى العادية»، فقد قرر «فراس» الارتباط بعد 3 سنوات من تعلقها به حتى أن «مجرد اتصاله كان كافيا لتطلق العنان لدموعها وتبكي» صـ137.

وكرد فعل على الفشل العاطفي الشديد لمرتين متعاقبتين، تحاول قطع علاقتها بـ«فراس»، ولم يخبرها الأخير بخطوبته إلا بعد انتهاء اختباراتها، فتتخذ أشجع قرارات حياتها، تنبذ العلاقات العاطفية وتقرر الارتباط بنجل خالها «طارق» المقيم في الخبر والدارس لطب الأسنان، «زواج صالونات» هذه المرة، لكنها حرصت على العمل بالمثل القائل: «خذي من يحبك ويحافظ عليك ولا تأخذي من تحبينه ويهينك».

ومع عملها في مجال تنسيق حفلات الزفاف تؤخر إبلاغ نجل خالها بقبولها له حتى يتصل «فراس» ليطلبها كزوجة ثانية له، فأقفلت الخط بوجه «فراس» لما شعرت أنه يعتبرها ملكا خاصا له، رغم زيارته وتعليمه في الغرب كان يراها متاعا خاصا به يتركه متى أحب ويأتي إليه متى تغير شعوره!

رواية إلا قليلا

رغم أن أقسام الرواية سبقتها مقدمة نثرية لا تخلو من مباشرة شديدة، ومخاطبة للقارئ بلهجة محلية وأحيانا لبنانية، وضمها هذا الجزء إلى مقدمة فصول الرواية، مما أضعف الأخيرة شكليا وأضر ببنيتها الظاهرية، ورغم أن الكاتبة قست على مجتمعها في غير مرة، مركزة ومكثفة من أخطائه من السماح بشرب الخمر سرا أحيانا، والتغاضي عن الأخطاء والخطايا إذا صدرت عن الأقوياء، والتجني وظلم الفتاة في مقابل التغاضي ونسيان أخطاء الفتى تماما أحيانا أخرى، بالإضافة إلى التظاهر بتطبيق الشريعة مع احتواء المجتمع على بلايا مخبئة في داخله.

كل ما سبق لا ينفي أن الكاتبة أجادت في السرد الروائي، وتصوير الظلم الواقع على الفتاة، ورغبة الأخيرة في العثور على إنسان يحتويها، وفق المواصفات التي يحبها ويفضلها المجتمع، ولو أن الروائية تخففت من بعض المبالغات (التوابل الروائية)، ونزعة حب رصد أخطاء المجتمع مكتملة في الرواية، وحتى بداية من التعميم في الاسم لكانت الرواية أكثر جاذبية وتوفيقا، وربما قدر لصاحبتها الاستمرار في التأليف الروائي فيما بعد، وإن قل احتفاء الغرب عندها بها.

أما قول «الصانع» ـالمؤلفة-: «ما الذي يجبرني على الكتابة عنهن (الصديقات الأربع) إن لم أكن مؤمنة بهن؟ أنا كل واحدة من صديقاتي، وقصتي هي قصصهن، وإذا كنت قد امتنعت عن الإفصاح عن هويتي حاليا لأسباب خاصة، فقد أفصح عنها في يوم ما عندما تزول هذه الأسباب، وأسرد لكم حينها قصتي –أنا- كاملة، كما تتوقون لسماعها، بصدق وشفافية» ص140. فهو واحد من أكثر مناطق الرواية النصية مراوغة وشفافية في نفس الوقت، إذ تقر الكاتبة أنها موجودة في الشخصيات الأربع لكن في كل منهن (!) وفي نفس الوقت تعلن أن لها هوية خاصة بها وحدها بينهن ستفصح أو احتمال أن تفصح عنها لاحقا، وهو ما لم يحدث رغم صدور الرواية في عام 2006، بل إن الروائية لم تكتب عملا إبداعيا بعدها.