“كومبارس” يستعيد بريق المسرح في نابلس

"مجلة جنى" يصفّق الجمهور مطوّلاً مع نهاية عرض “لا تكن كومبارساً في هذه المسرحية”، في مشهد لافت بمدينة نابلس التي يندر فيها تقديم هذا النوع من الفن.

المسرحية التي قدمتها فرقة “رسائل” التابعة لجمعية زهرة الشمال للثقافة والفنون، على مسرح الأمير تركي في جامعة النجاح الوطنية، ضمن مهرجان نابلس للسياحة والثقافة والفنون، أظهرت شغف الجمهور المحلي وتعطشه للمسرح المعبّر عن قضاياه وهمومه.

تتناول المسرحية حكايات لشخصيات تعكس كلٌ منها قضية إنسانية واجتماعية عامة، لا يخلو بعضها من أبعاد سياسية. وتمزج فرقة “رسائل” في أدائها بين الجاد والكوميدي لتوصل رسالتها للجمهور للعب دور البطولة، وعدم القبول بالأدوار الهامشية التي يجسدها “الكومبارس“.

يُفتح الستار على مشهد قصير يُظهر شخصية “الكومبارس” أثناء قيامه بالعمل الشاق، بينما يتعرض لسخرية الشخوص الذين يكتفون بالنقد والسلبية ولا يمارسون أي دور في المجتمع، لينتقل بعد ذلك إلى عرض الحكايات بشكل متسلسل، بدءاً من الممثل السابق الذي يعيش على أطلال الماضي أسيراً للذكريات، ثم عاشقة المسرح المفعمة بالحيوية، والتي ينظر لها المجتمع المحيط كفتاة لا يحق لها العمل كما الرجل، فتتحدى المجتمع وتنتصر لذاتها، مروراً بالفتاة “نقاء” المتهالكة أسيرة الذات، وصولاً للمهرج الذي يسخر من كل شيء وحتى من ذاته، وبرغم الابتسامة الدائمة المرتسمة على وجهه إلا أنه يحمل هموماً كبيرة لا يراها الآخرون، وأخيراً الثائر الذي يتواجد في العتمة ويرفض العيش على الهامش.

عُرِف الفن المسرحي في فلسطين خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وازدهر بعد الحرب العالمية الأولى، حين كانت الفرق المسرحية تقدم عروضها في المقاهي والمدارس والأندية، متجولةً في مختلف أنحاء فلسطين والأردن.

لكنه تراجع عقب النكبة عام 1948، وبرزت بعد ذلك محاولات عدة لإحيائه، كان من أبرزها تأسيس “جمعية المسرح الفلسطيني” في دمشق عام 1966، وفرقة “الحكواتي” في القدس عام 1977، إضافةً للعديد من الفِرَق التي قدّمت الأعمال المسرحية بقالب محلي يحاكي البيئة التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وصموده على أرضه.

وتعاني معظم المحافظات الفلسطينية من ندرة المسارح ودور العرض، ما يشكّل تحدياً كبيراً أمام الفِرَق المحلية، والتي يغلب عليها طابع المبادرات الفردية، للوصول إلى الجمهور وعرض إبداعاتهم وأعمالهم الفنية. كما أن رعاية المؤسسات والشركات الاقتصادية للأنشطة الثقافية ضمن المسؤولية الاجتماعية للقطاع الاقتصادي ما يزال محدوداً، ومن شأنه في حال زيادته أن يخلق حالة ثقافية، وحافزاً للفِرَق الناشئة لتعزيز النشاط الثقافي والفني في المجتمع الفلسطيني.

قدّمت فرقة “رسائل” مسرحيتها، واستطاع “الكومبارس” الذي جسّده المخرج عدنان البوبلي أن يستعيد دور المسرح في نابلس، باعتباره عنصراً ثقافياً أساسياً يعكس حال المجتمعات والشعوب، بشكل صريح تارةً، وبالإيحاء غالباً، ليبقى الجمهور بانتظار أعمالٍ جديدة تُعيد للمسرح الفلسطيني بريقه.