قصة قصيرة لغدير أبو سنينة

"مجلة جنى" قصّة قصيرة جداً
غدير أبو سنينة

ملاحظة عند الصفحة 50
تبدو الكتابة غريبة بعض الشيء، الأصوات تداخلت فجأة ولم أعد أميّز المتحدثين، أكرّر القراءة بتركيز أكثر. ما الذي تخفينه في الصفحات القادمة؟ هل أنتم، عفواً، أنتنَّ الكاتبات تحاولن اصطناع الغموض كي تجذبن القارئ. ربما أنك محقة في هذا الجانب فقط، نحن مشدودون بالفطرة للغموض، للأشياء المخفية. هكذا كنت أقرؤك كما أقرأ روايتك. ربما بدأت تتضحين لي في اليوم الخامس للقاء، اليوم الواحد مقابل عشر صفحات.

ملاحظة عند الصفحة 55
يذوب الثلج عن جبال روايتك ولا تذوبين.. تهاوت البطلة بعد فراق حبيبها وأنت لا تضعفين. توقفتُ عن القراءة حين التقيتك منذ يومين، فارقت الرواية بعد صفحتها الخمسين كي أظل قريباً منك. وحينما قرّرتِ معاقبتي بسبب تأخري غير المقصود في الاتصال بك اليوم، عدت للقراءة، وقرّرت أن أرضى بالحكم الصادر عليّ.. ربما كنت تحثينني بعقابك هذا على العودة لما أنجبت يداك. حسناً، ها أنا منصاع لحكمك، أرضي غرورك بالاتصال بك وقبول الرفض الذي تستقبلين به مكالماتي. أعود خانعاً للرواية، حيث "يوشك أن يذوب الثلج".. أرجو ألا تغضبي إن قلت لك إن هذا محض كليشيه، لا بدّ أن الثلج سيذوب وأن الأحداث ستتوضّح خلال ذوبانه، لكن ماذا عنك؟ متى ستغفرين لي زلّتي؟ متى ستذوبين وتذيبين الثلج عنك؟ يومان دون رد.

ملاحظة عند الصفحة 70
هكذا أنت إذاً، أوشك الثلج على الذوبان لكنه لم يذب، جاءت عاصفة ثلجية أخرى وزادت على ما كان، في الصفحة 65 تحديداً، شعرتُ بالبرد، أقفلت النافذة وارتديت سترة ثقيلة. هل وصل الثلج قلبك وتراكم عليه؟ بودي لو أقفز عبر صفحات الرواية وأرى في أي منها سأجد الشمس، وإن كنت أشك بذلك، لكن رغبتي في انقشاع الغيوم قائمة، لا بأس لو كان انقشاعها في صفحة واحدة فقط. أجواء الرواية رمادية، إذا كان ذلك انعكاساً للغبش المحيط بشخصياتك، فقد أفلحتِ في ذلك.

ملاحظة خارج النص
حينما وصفتِها بغلالتها الشفافة، تخيلتها أنتِ لكنك لم تصبغي الغلالة بأي لون. ألمحتُ إليك أنني أفضّل الأسود الشفاف، الأحمر يأتي في الدرجة التالية، لونان يتناسقان مع الرمادي الذي تهوين.. حسناً فعلت في أنك لم تصف اللون.. لا نفع لغير الرمادي في روايتك.. كان هناك سروال بنّي اللون.. الشيء الوحيد الملوّن..

ملاحظة عند الصفحة 100
تأخرتِ في كشف الأحداث.. هل تظنين أن كلّ القراء لديهم نَفَسٌ طويل مثلي؟ تذكري أني لست قارئاً عادياً، وأنني أقرأ بروح نهمة لأمرين: أنني أقرأ لحبيبة رمادية، وأن هذا الرمادي من طلب مني ذلك. أحاول أن أراك في كلّ شخصية، تُظهرين كل التناقضات، تكذبين وتصدقين، تستسلمين وتقاومين.. دققت في صفات الرجال الذين جعلت منهم أبطالاً، أحدهما، فرَّ من وصاية أمه وآخر متعلق بها، وكلاهما متعلّقٌ بالآخر.. تنادين النقيضين وتلاقيهما في خط سير واحد رغم أن كلاً منهما قادم من نقطة مختلفة..

ملاحظة عند الصفحة 200
توقّفت عن البحث عنك في الرواية عند هذه الصفحة، أنت لا تشبهينهم ولا تشبهينهنَّ ولا تشبهينني. أقضي مع الرواية وقتاً أطول مما أقضيه معك. لا يكون لونك رمادياً في لقاءاتنا. ترتدين من الألوان أجملها. تضحكين بصوت مرتفع فأطيل النكتة، لكني أتوقف حين أشعر أن تقديري كان خاطئاً. تغضبين أحياناً من عفويّتي، تضايقك بعض كلماتي، وحين أستبدلها، تنفعلين بحجة أنني بدأت التصنّع وأنني لم أعد على طبيعتي. أفهمك أنني سأختار ما يرضيك فتفهمين أني أفعل ذلك لتعامليني بالمثل. اليوم هو اليوم العشرون لمعرفتي بك، مسرور لأن أحاديثنا بدأت تطول، لكنك تخرجين من غبش وتدخلين في ضباب وأنا ضجرت (مسحت هذه الجملة في ما بعد).

ملاحظة عند الصفحة 203
تنصبين الفخاخ لي، أقصد للقارئ، تسمحين له بالفهم في الوقت الذي ترغبين، وحين يعتقد أنه وصل النهاية، تبدئين قصة جديدة بلسان جديد، لكنه مربوط بالحبل الذي شُنقت به المسكينة، ولربما الحبل ذاته الذي ستشنقين به الرواية.

ملاحظة عند الصفحة 250
شارفت الرواية على الانتهاء، الأحداث باتت أكثر انسيابية لكنها لم تتخلّ عن اللون الرمادي وتدرجاته. لا أعلم إن كان الحزن الذي ألمّ بي ناتجاً عن شخصياتك الروائية أم عن لقائك الأخير أو كلماتك المقتضبة التي ألقيتها لي عبر رسائل الهاتف ثم سكوتك المطبق.. تتمادين في الرواية لأنك تتجنّبين قول الأشياء كما هي.. تسعين ليكتشف القارئ ذلك، أو أن طبيعتك مجبولة على الكتمان، لم أصل للنهاية بعد لأكتشف إن كانت مفتوحة، لكن بداياتك كلها مفتوحة على التأويل، تروين بلسان الراوي الذي يراقب من خلف ستار نافذة فلا يرى الأحداث جميعها ويتركنا نروي التتمات.. لن أطرح عليكِ أسئلة بشأنها، لو كنت ترغبين لقلتها بشكل كامل، لكنك امرأة الإشارات والرموز، وعلى من يخاطبك أن يكون مطلعاً على علمهما.. بالمناسبة، المونولوجات التي تنهين بها كل فصل من الرواية، بدت لي قصائد. لابد أنك تكتبين الشعر، ربما تخفين ذلك كما تخفين أشياء كثيرة..

ملاحظة في فراغ الصفحة الأخيرة
اليوم هو الثلاثون منذ اللقاء الأول.. أنا أنهيتُ الرواية وأنت أنهيتِ القصة.. قصتنا القصيرة جداً.