قلق في الأرجاء

تتعاضد التساؤلات وتتكاثر،
لا تكف الحيرة عن بث القلق في الأرجاء،
لأنها من كائنٍ سويّ يخاف الله في الآخرين،

لمَ كل هذا التعديّ!
يسأل نفسه ويلومها ويعود ليواجه حقيقة انعدام الأسباب الوجيهة، وأن التعدي والسوء برمته يعد أحد دعامات هذا الوجود غير المنطقية،يصوّبه كائن نحو آخر ببساطة،
فيبدأ الذي أَلمّ به الأذى في رحلة طويلة من الاستفهامات،
ووحده الله العارف بعذابات مخاض الحيرة في دوامة من الجهالة والألم،
يفهم الآخر بأن هنالك خطباً،
لكنه لا يتفهم ولا يلبث إلا قليلًا ثم ينهال بسهام أخرى يوجهها كلها دون رادع،

ألهذا الحد تُفسدنا الغلاظة!
تتخللنا وتنخر أرواحنا ونتزعزع بين أشياء كثيرة وجب أن نُباريها في  الوقت ذاته.. 

أمتثِل لمراعاة هجمات كثيرة، 
وفي حينها أعمد لمصادقة الأخف إيلامًا ريثما أتجنّد لمنازلة ما تبقّى..

يظل الصوم عن الوجود أحيانًا هو الأقرب ملائمةً للصواب عن غيره من ردود الفعل المتاحة،
تتصادم رقة الكائن بغلاظة الوجود، فتنتج فجوة كبيرة من الاستفهامات يتضرر منها ذاك الكائن المغمور، 
يدور لدواعٍ ذوقية في دوامة من الخيارات المتاحة لكل أحد إلا له ولدواعٍ ذوقية كذلك،
يعاني من الانقسامات بين ما يتعين فعله، وبين ما لا يجوز انتهاكه وبين المنطق والعاطفة،
فيتوه بعيدًا عن حوائط الوجود، ويغرق في مأزق الحيرة والتيه
بينما يظل الوجود مثلما هو ، ودون أن يُحدِث غياب الكائن السامي أي فرق!

تكشف بعض السلوكيات البشرية الكثير من الستار على عقليات أصحابها، ولن أتطرق لمفردة الذوق هنا،
فمن البديهي  أن للذوق وجهٌ واحد متعارف عليه من قِبل البشرية كلها،
فالرُقي والرقة والرهافة والتقدير والكلمة الطيبة أمور ذوقية فطرية في كينونة كل شخص، ويتربى العقل على استيعابها كسلوكيات منطقية لاتقبل التبدل إلا وفق قرارات معينة تنبع من فكرة في عقلية كل شخص..

بشكل أو بآخر وليس عن طريق النقاشات الحادة وإنما عن طريق التلطخ المستمر،
والإقامة في حافة الوجود يضمن للموجود ألا تتعداه أي سَوءة،
حتمًا ستخدشه الكثير من العبارات، وتُدميه تعديات متفاوتة بين قلبه ومنزلته وبين إنسانيته وكينونته،
بينما هو مُطالب دائمًا من منابع روحه وفطرته بالارتقاء نحو فضيلة الصمـت والغياب،
يستميت في جهاد الإبقاء على ذاته سامية
رغم وجوب الصراخ لزحزحة الكثير من الأغبرة، ولرد اعتبارات كثيرة مُغيّبة عن الآخر..

أفتش الآن عن إجابة ونفسي تبحث عن كفّارة لكل هذا التسامي العدميّ في ظل هذا الوجود المعتل،
أوكلما توسمتُ الوداعة في وجهٍ لكلمة،
انهالت عليّ من اللكمات ما لا تدفعه كلمة!

أمعنتُ مطولًا في هذا الوجود الضاري،
تنقلتُ بين الواقع فيه والافتراضي، 
حواسي وهنِت من دفع الأشواك بلا صوتٍ وعُدّة،
وكل ما في روحـي من السوءات صحيح ومغالطته ليست ممكنة، وتأويله غير متاح،
وتجاوزه بغير الارتقاء يعد انتهاكًا لإيماني بذاتي..

ماعادت قواي قادرة، 
متعثرة الآن بين نفسي الأمارة بأشياء لا تمثلني، وأخرى يعز عليها أن تنسلخ عن سموها،
كلما تغافلت عن الاستفهامات والناس والوجود برمته، تعثرتُ بأشباحٍ لملامحي في طرقات الحياة عندما انتهكتها كلمة وَخدش رقتها سلوكٌ جائر!

أحاول بآخر ما أملك من قوى ألا تلتهمني فكرة قاتمة عن الوجود كله، وأن أستعيد وصايا لأمـي الطيبة ، وأهرب في حِجر نقاءٍ لا ينضب من الإحسان والرهافة والصفاء،
منفصلةٌ عن الوجود البائس كلـه، وفي قلبي أمنية واحدة:
ليت الوجود كأمي، وللأسئلة وجهٌ واحد كوجهها ،
والكلمات ليتها كانت مثل تهويدات أمي مُلهِمات.

بقلم: أروى الزهراني وهي كاتبة من السعودية