الرقص، الرسم، اللعب، الدراما... أدوات لمعالجة الأمراض النفسيّة

"مجلة جنى" يشكّل العلاج النفسي بالفن أحد أنواع العلاج النفسي. ويرتكز  على المبادئ العلميّة والأخلاق المهنية ذاتها التي يتمحور حولها العلاج النفسي. ويشمل العلاج النفسي بالفن العلاج بالرسم، بالرقص، بالدراما، باللعب أو غيرها. ويمكن للأشخاص، من مختلف الفئات العمريّة، والذين يعانون اضطرابات نفسيّة من اكتئاب، أو قلق، أو فصام أو غيرها من الحالات النفسيّة أن يستفيدوا من العلاج النفسي بالفن.  

تشرح المعالجة النفسية بالفن ومؤسسة "ارضي شوكي استديو" ميرا سعد ان العلاج النفسي بالفن لا يهدف الى التعبير الجمالي، ولا يهتم بجمالية المنتج أو العمل الفني بل يركّز على أن يكون الفن أداة لفهم الذات ولتطويرها ولمواجهة المشاكل النفسيّة.

العلاج بالرسم

فعلى سبيل المثال، تتمكن سعد من خلال مراقبة الرسوم التي يقوم بها الفرد ان تفهم حالته النفسيّة وتطورها، وبالتالي أن تطرح عليه التساؤلات اللازمة لكي يفهم الشخص أكثر ما يمرّ به، وأن يفسّر تصرفاته وردات فعله. توضّح سعد ان العلاج النفسي بالفن لا يهدف الى أن يعبّر الشخص عن نفسه فحسب، فهو أكثر من مجرد "فشة خلق" بل يرتكز على عناصر التفكير، والشعور، والسلوكيات. لذا يساعد العلاج النفسي بالفن الشخص على فهم ذاته أكثر، وعلى بلورة السبل الصحيّة لمواجهة ما يعانيه من اضطرابات نفسيّة.

تجد سعد ان العلاج النفسي بالفن في لبنان لا تصبغه الوصمة الاجتماعية ذاتها التي يواجهها العلاج النفسي بشكل عام، ما يشكّل نقطة ايجابية في هذا المجال. في المقابل، يستخف البعض بهذا الاختصاص ويعتبرونه من دون قيمة، وتسود الفوضى في تنظيم المهنة ومراقبتها. اذ يتعدى بعض الأشخاص غير المهنييّن وغير المتمرّسين على الاختصاص، ما يهدّد الصدقية والمهنية.

تشرح المتخصصة الكندية بالعلاج النفسي بالفن غابرييل جينغراس ان بعض الأشخاص، الذين يعانون حالات نفسيّة معينة كتعرّضهم لصدمة، لا يجدون الكلمات للتعبير عن حالتهم. فيحبسون مشاعرهم في دواخلهم، وفي نظامهم العصبي، ما يجعل علاج هؤلاء الأشخاص صعباً. لذا تعتبر تجربة العلاج النفسي بالفن مريحة، ممتعة، تعزّز الثقة بالنفس، وتساعد على تشخيص المشكلة وإيجاد الحلول لها.

العلاج بالرقص

تلفت المتخصصة بالعلاج النفسي بالرقص اماندا جل ان الاختصاص بدأ في الأربعينيات مع المعالجة النفسية ماريان شيك (1896-1970) عندما قررت أن ترقص للمرضى في مستشفى أميركي. غير انه ما زال من الصعب عالميّا ايجاد الجامعات التي توفّر هذا الاختصاص. يرتكز العلاج بالرقص على حركة الجسد في تحديد المشكلة ومصدرها والتعامل معها. فمن خلال الرقص وتحريك الجسد، يعمل الدماغ على بلورة آليات جديدة لتعزيز السلوكيات الصحيّة، والتواصل مع الآخرين، والشعور بالأمان.

من جهة أخرى، يصعب على بعض الأشخاص، وفق غيل، التكّلم او التعبير عبر الكلمات ومنهم الذين يعانون التوحد، أو لديهم متلازمة داون فتشكّل الحركة بديلا لتطوير الثقة بالنفس، ولتمكين العلاقة مع الآخر.

العلاج النفسي باللعب

يساعد العلاج النفسي من خلال اللعب، وفق الدكتورة جوليا بايرز، الأشخاص على فهم أفضل للعالم، وعلى ايجاد سبل جديدة للتأقلم مع المشاكل النفسيّة. فعند الأطفال، يسمح العلاج النفسي باللعب بالتعبير بشكل أفضل عما يحصل معهم خصوصا في حال التعرّض لمشاكل عائلية، فيعبّرون عن مخاوفهم، وعن قلقهم ويجدون طرقاً افضل للتعامل مع المشاكل. أما الكبار، فيجدون في العلاج النفسي باللعب وسيلة لفهم ما يحدث لهم، وما يعيق حياتهم محاولين تطوير أنظمة جديدة للتأقلم. تظهر الدراسات العلمية، وفق بايرز، ان الأشخاص الذين يعبّرون عما يحصل معهم هم أكثر قدرة على مواجهة المشاكل النفسيّة والتمتع بحياة أفضل.

العلاج النفسي بالدراما

يشارك الأفراد، الذين يريدون الاستفادة من العلاج النفسي بالدراما، في لعب الأدوارالتمثيلية، وفي وضع السيناريوات المرتجلة او التي يتم العمل عليها مسبقاً ما يساعد الشخص على فهم ذاته ومخاوفه ومواجهة تحدياته. يشرح المتخصص بالعلاج النفسي بالدراما وسام قطيط أن العلاج بالدراما يكشف للشخص عن مكنوناته التي لا يعرفها ربمّا، أو التي لم يفكر فيها، ويجعله يعيش تجربة احاسيس وشخصيات مختلفة تترجم نظرته للأمور وللحياة. يقول قطيط ان هذا المجال ما زال محصورا في لبنان ببعض فئات النخبة من دون أن يتمكن الأشخاص من جميع الفئات الاجتماعية الاستفادة منه، كما انه ما زال يعاني، أسوة بقطاع العلاج النفسي في لبنان، نقصا في التنظيم وقلة في الرقابة.

* يشار الى ان "دار النمر للفن والثقافة" و"ارضي شوكي استديو" نظّما، نهار الخميس، ندوة حول التحول الابداعي للصدمة. وركزت الندوة على الفوائد العلاجية للعملية الابداعية وشارك فيها متخصّصون لبنانيون وأجانب في العلاج النفسي بالفن.