فوتوغرافيا مع الغياب

غريبانِ في مانهاتن

تمشي - ليس لِوحْدها - في مانهاتن، 
ترى بعيون أخرى تلك الشوارعٙ 
التي يجب أن تجُوبها رُفقتهْ.

يُحاصِرها الشاعرُ، 
ويُداعبها 
كأنها هي قلبُ 
هذا الشّق مِن العالم. 
يُطوّقُها 
فتتحاشاهُ، 
ليس هنالك مِن مفرّ.

يُسيطرُ على خُطاها 
ما لا يمكنُ تفسيرُه 
لِيُسْلِكها طرقاً ممنوعة. 
تُحيط بهما النظراتُ المتفحِّصة 
من محيطٍ كلاهما يجهله.

هي من تسعى للتموقع نحو الجنوب أكثر، 
ليس هنالك من تفسير، 
تسْحبُها قوةٌ ما، 
تُعذّبها.

لا يُهدِّئُهما 
ولا يُحرّرُهما 
سوى لحظةُ المشيِ هاتهِ 
كأنّهما غريبان.

في صْمتٍ تامٍّ يتحاوران، 
ينتقلُ صداهما 
فيُسمع عبر أبواق قطاراتِ الأنفاقِ الضاجّة 
ويُفضٙحانْ، 
ثم يتحوّلُ المنظر.

باذِخةٌ هي مانهاتن 
هذه الشريكةُ المرهوبةُ لكائنيْن التقيا ذاتٙ شهر أيّار، 
وعلى طريقِ ما لا يمكنُ فهمُهُ 
يٙحكُمان على نفسيهما 
ثم يُجرّمان بعضهما، 
لا يحتملان حرارةٙ جسديْهما حين الانفصال 
ولكنّ برْد المدينةِ 
يُنوّمُ أفكارٙهما 
فيٙعودان إلى أشغالهما حالاً، 
إلى أدبهما الشخصيّ 
ولقائِهما مع ما لا يمكن وصفُه.

هذا امتيازٌ يُعجِب امرأةً أخرى 
أما ذاك الذي بينها وبينه فبديهيّ. 
تلك الأخرى 
لا تعْرفُ وزنٙ الحبِّ 
ولا تٙعلم عنِ الثلج إذْ يغمُرهما 
ولا عن الفلفل الذي يُنوّم حنكهما 
حتى يستمرّ تسكينُ 
القلقِ والشبقِ 
والغُربةِ التامّة.

■ ■ ■

أنا أكتبُ...

عن نعومةِ شٙعره المسترسلِ 
عن لحظة انعكاس نٙظرتهِ في نظْرتي 
عن صوته المُقلقِ 
عن أريجٍ يتركهُ على بشْرتي 
عن يومِ صمْتِ الموسيقى 
عن كوباه هو وعن كوباي أنا 
عن موتاه، وهم موتاي أيضاً 
عن تاريخه الذي هو تاريخي 
عن عديدِ القرون التي انتظرنا فيها بعضٙنا

أنا أكتبُ لأن هذا الذي أضحى ماضياً 
يٙشهد أنّ الموسيقى والصمتٙ 
مِن نصيبنا.

■ ■ ■

ليالي آذار

في منتصف الليلِ 
حين يُظهِر الحزنُ خِناقٙهُ 
وتُخفي القصيدةُ لُهاثها 
أتذٙكّرُ خاطوفٙ عيونِكٙ 
ويُتْمٙ أكاذيبها 
وطٙعْمٙ رسائلك 
وأنا ممزوجةٌ بعناقٍ مِن وعودكٙ 
في ليالي آذار هاته 
في صمتٍ أُناديكٙ 
بحلاوةِ تابوتٍ 
ولُطفِ امرأةٍ ميّتة.

■ ■ ■

وحدك فقط

اليومٙ ستائري المسجونةُ 
ترفضُ التحاور مع العالٙم 
لأنكٙ وحدكٙ فقط من يهُزُّ الورقة الفارغة، 
وحدك فقط من يُشعل هذا السِّرب من الصّورِ 
وهمْهمةٙ الحروفِ هاته، 
وحدك فقط من يُبدع قِصّتي 
وحدك فقط من يُشعل الموسيقى في قصرِ مسامّي 
وحدك فقط من يهُزُّ ثماريٙ النّاضجة. 
وحدك فقط من يضع الصّندلٙ والمُرّٙ في السلالم المُظلمةِ 
من حيثُ تٙصعدُ أجسادُنا.

■ ■ ■

صورة فوتوغرافية مع الغياب

حين ينقضي الغياب 
حين يتوقّف الضِّيق 
حين تعُود أخيراً 
حين أسعدُ بجعلكٙ مِلْكاً لي 
حين يكون غيابُكٙ جسدياً فقط 
حين تحتاجُ إليّ أخيراً 
وأٙكثرٙ قليلاً، 
حين لا تذبلُ الأزهارُ في غرفتي 
حين ترقصُ العصافيرُ وهي جٙذْلٙى 
وتبقى على السّجادة بقعُ الحبِّ 
حينها سأتوقّف عن الحلم بكٙ 
مِثل دمعة.


*كارلا كوريّاس شاعرة ومصوّرة فوتوغرافية من مواليد السلفادور عام 1972 وتقيم في مدينة نيويورك. من أعمالها الشعرية: "مساء في مانهاتن" (في طبعتين: 2008) و"مثل غريبين مثاليين" (2014).
** ترجمة عن الإسبانية: علي بونوا