دور الأسرة في الحفاظ على البيئة

" مجله جنى " من المعروف ان الأسرة تمثل الجماعة الإنسانية الأولى التي يتعامل معها الطفل، والتي يعيش معها السنوات التشكيلية الأولى من عمره، هذه السنوات التي لها -كما يؤكد علماء التربية وعلم النفس -أكبر الأثر في تشكيل شخصية الطفل تشكيلا يبقى معه بشكل من الأشكال وعلى مدى طويل.

والمعروف أيضا ان عملية التطبيع الاجتماعي Socialization للطفل تتم من خلال كل مؤسسات المجتمع التي يتفاعل معها، إلا ان أكثر هذه المؤسسات تأثيرا هي مؤسسة الأسرة. وتتضح أهمية الأسرة في تشكيل شخصية الطفل إذا ما تذكرنا المبدأ البيولوجي العام الذي يقول بإزدياد قابلية التشكيل او ازدياد المطاوعة كلما كان الكائن صغيرا. والأسرة هي المسؤولة، خصوصا في السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل، عن كثير مما يرد للطفل من مؤثرات. كما أنها هي البيئة الاجتماعية الأولى التي يبدأ فيها الطفل بتكوين ذاته والتعرف على نفسه، عن طريق عملية التفاعل الاجتماعي المتمثلة في الأخذ والعطاء، والتعامل بينه وبين أعضاء الأسرة الآخرين. وفي هذه البيئة الاجتماعية يتلقى الطفل أول إحساس بما يجب القيام به، بالأعمال التي إذا قام بها حضي بالمديح والثناء، والأعمال الأخرى التي تلقى الذم والعقاب.

لقد تعارف المربون على أن الأسرة تقوم بثلاث وظائف أساسية هامة في المجتمع ، وهي :

  • إنتاج الأطفال وإمدادهم بالبيئة الصالحة لتحقيق حاجاتهم البيولوجية والاجتماعية.
  • إعدادهم للمشاركة في حياة المجتمع وفي التعرف الى قيمه وعاداته وتقاليده.
  • تزويدهم بالوسائل التي تهيئ لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع.

ومن هنا تتضح خطورة الدور الذي تؤديه الأسرة تجاه الأبناء، والمنبثق أصلا عن كونها البيئة الاجتماعية الأولى التي يتعامل معها الطفل، وتمثل له مصدر الأمن والطمأنينة والاستقرار وإشباع معظم حاجاته. وتأسيسا على ما سبق، تصبح الأسرة أهم مؤسسات المجتمع في تهيئة الأفراد للحفاظ على البيئة، وحمايتها من كل مكروه، وبناء الاستعداد لديهم للنهوض بها، ودرء المخاطر عنها، واستيعاب وتمثل قيم النظافة، وترشيد الاستهلاك، والتعاون، وغيرها مما ينعكس إيجابياُ على البيئة. ولعل خير ما يوضح دور الأسرة في حماية البيئة ، ولو بشكل رمزي ، هو دورها في التصدي لمشكلات البيئة الرئيسية الثلاث : الانفجار السكاني ، والتلوث ، وإستنزاف موارد البيئة .

على أن ما ينبغي التذكير به هو أن دور الأسرة ، كغيرها من مؤسسات المجتمع الأخرى ، يتضمن بعدين رئيسيين :

  • البعد الوقائي (بهدف الحيلولة دون وقوع المشكلات البيئية).
  • البعد العلاجي (بهدف تخفيف حدة المشكلات البيئية والتصدي لها ومقاومتها)، وذلك على النحو التالي:

دور الأسرة في التصدي لمشكلة الانفجار السكاني:

درسنا في الفصل المنصرم مشكلة الانفجار السكاني بوصفها واحدة من المشاكل البيئية المعاصرة في العالم. ومن هنا لن نكرر ما درسناه، ونكتفي بالإشارة الى أن من أهم أسباب مشكلة الانفجار السكاني هي: الجهل المعرفي، او نقص المعرفة، والجهل الديني، وعقدة الولد الذكر، التي تجعل بعض الأزواج يستمرون في الإنجاب إذا كان المولود أنثى حتى يطل المولود الذكر، بالإضافة الى العادات والتقاليد، وضعف التنظيم الأسري، وغير ذلك. من هنا نقول إن الأسرة تعد عمليا نقطة الأرتكاز في معالجة قضايا البيئة وفي مقدمتها التصدي لمشكلة الانفجار السكاني، وذلك من خلال القيام ببعض النشاطات، مثل:

  • تنظيم الحمل
  • إطالة فترة الرضاعة، وتشجيع الرضاعة الطبيعية.
  • توعية الأبناء بخطورة مشكلة الانفجار السكاني، ومناقشة هذه القضية معهم.
  • محاربة الزواج المبكر، وبالذات لدى الاناث.
  • تشجيع التعليم، وتسهيل فرصه، وبالذات للإناث، مما يقلل من فرص الزواج المبكر.

دور الأسرة في التصدي لمشكلة التلوث:

يكتسب الأبناء كثيرا من سلوكياتهم من خلال تعايشهم اليومي مع أسرهم، وبالذات مع أمهاتهم، وتتشكل كثيرا من إتجاهاتهم من خلال مشاهداتهم اليومية لممارسات الوالدين، والأخوة الكبار، وغيرهم من أفراد الأسرة الذين يقطنون معهم. وتكاد تكون التربية بالتقليد من أهم وسائل التربية التي يمكن أن تلجأ إليها الأسرة لبناء إتجاهات إيجابية عند الأبناء نحو البيئة، وتعزيز قيم المحافظة عليها. وإذا كان دور الأسرة في وقاية البيئة من الأخطار التي تتهددها أساسا، فان دورها في معالجة ما إعترى البيئة من مشكلات لا يقل أهمية عن دورها الوقائي. وفي مجال التصدي لمشكلة التلوث بكافة أشكالها : تلوث الهواء ، والماء ، و التربة ، والغذاء ، والتلوث الكهرومغناطيسي ، والتلوث السمعي ، فان للأسرة دور هام .

ونورد فيما يلي بعض الأساليب التي يمكن للأسرة إستخدامها في سبيل بث الوعي البيئي لدى الأطفال حيال قضايا المياه والتصدي لمشكلة تلوث المياه ، على سبيل المثال :

  • أن يتعامل الأبوان مع المياه بإيجابية، فلا يسرفان، ولا يلوثان، وبالتالي فانه من غير المعقول ان ينهيان أبناءهما عن خلق الإسراف بالماء وتلويثه ويأتيان بمثله.
  • ألا يمل الأبوان من النصح والرشاد الى مواطن الخلل في قضايا المياه، وأن يدلان الأبناء على مصادر تلوث المياه، ويوجهانهم الى سبل التصدي لذلك.
  • أن يغرس الأبوان في نفوس الأبناء قيمة النظافة في كل شيء، ومنها نظافة الماء حيثما وجد.
  • أن يُذَكِر الآباء الأبناء بان الإنسان هو مشكلة الماء، ذلك ان الإنسان قد إنحرف عن المنهج السليم في التعامل مع الماء، فأسرف ولوث وإستنزف، ولن يكون هناك حل لقضايا الماء إلا من خلال الإنسان نفسه.
  • أن يشرك الأبوان الأبناء في عمليات تنظيف خزانات مياه الشرب وتعقيم المياه، ولو كان ذلك من خلال المشاهدة، إن تعذر ممارسة الفعل عمليا.
  • أن يشرك الآباء الأبناء في عمليات تفقد شبكة المياه المنزلية وفحص العدادات ومراقبة التسرب ومعالجته.
  • أن يشرك الأبوان الأبناء في عملية إبلاغ سلطة المياه عن أي تسرب للمياه من شبكة المياه الرئيسية.
  • تقليل حجم خزان المرحاض، بوضع زجاجة ماء ممتلئة ومغلقة سعة لتر داخل الخزان، وإعلام الأبناء عن الحكمة من ذلك.
  • إستخدام الدلو (20 لترا) لغسل السيارة، بدلا من الخرطوم (الصوندة)، وشرح الحكمة من ذلك.
  • تنظيم ري نباتات الحديقة المنزلية، وتصغير حجم حفائرها، وإستخدام طريقة الري بالتنقيط، وشرح هذه الإجراءات للأطفال.

دور الأسرة في التصدي لمشكلة إستنزاف موارد البيئة:

تمثل موارد البيئة بانواعها ينابيع خير ليحصل الإنسان منها على مقومات حياته. غير ان تعامل الإنسان غير العقلاني مع هذه الموارد البيئية قد أفسد بعضها، ولوث مجموعة أخرى، وتسبب في إنقراض بعض أنواع الكائنات الحية، وقلل من العمر الإفتراضي لكثير من مصادر الطاقة والمعادن. وليس من شك أن للأسرة دور كبير في التصدي لمشكلة استنزاف موارد البيئة بكافة إشكالها: الدائمة، والمتجددة، وغير المتجددة. فالأسرة تسهم في بناء إتجاهات إيجابية عند أطفالها نحو البيئة ومكوناتها، وتدعم قيم النظافة، والمشاركة والتعاون، وترشيد الإستهلاك، وغيرها، ذلك ان الأسرة تعتبر مفتاح عملية التعلم لدى الأطفال.

والمنزل يعتبر من الأماكن المثالية للتطبيق العملي لمفاهيم البيئة . وعندما تمارس إحدى الأسس البيئية في نطاق الأسرة فانها ترتبط بعد ذلك بإسلوب حياة الفرد، وثمة كثير من مفاهيم التربية البيئية تعلم في المنزل. فعندما يوضح الآباء للأبناء كيفية التخلص من النفايات الصلبة، ومكافحة الحرائق (الهواء مورد دائم)، أو الإعتناء بنباتات الحديقة، او بالحيوانات الأليفة (موارد متجددة)، أو الحفاظ على الطاقة الكهربائية (موارد غير متجددة)، فهم بذلك يقدمون لأبنائهم قيما بيئية تستهدف حماية موارد البيئة.