«سوق عكاظ»... تجمع حضاري تاريخي يحتفل بالمرأة

خصص حياً للعرب واحتفى بشعراء المعلقات

"مجلة جنى" يلحظ المتجول في سوق عكاظ أن مناشط السوق لا تغفل فئة عن أخرى، فمعظم الأنشطة تلبي احتياجات الجميع، وتتيح الفرصة أمامهم للتفاعل والمشاركة في الفعاليات للاستفادة والتعلم من هذا الإرث التاريخي الذي يقدمه السوق. وكانت المرأة، بوصفها أحد أهم أعمدة المجتمعات، حاضرة بقوة، إذ كان لها نصيب وافر من الاهتمام في جميع أنشطة السوق.

ويلحظ الزوار ذلك الاهتمام الذي تحظى به المرأة في الفعاليات. ويعلق الكويتي حسن راضي السبتي، عضو لجنة تنمية الموارد المالية بالاتحاد العربي لرواد الكشافة والمرشدات، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» على ذلك بالقول: «سوق عكاظ تجمع حضاري تاريخي، بما فيه من أنشطة وفعاليات، وزاد هذا التجمع مكانة باهتمامه بكل الفئات، بما فيهم الطفل، وكذلك المرأة المعروفة بدورها منذ العهد الأول للإسلام».

القائمون على سوق عكاظ، بالإضافة إلى التمكين الكبير الذي أتاحوه للمرأة في السوق، حرصوا على تخصيص يوم ثقافي متكامل للمرأة، إذ نُظمت ندوتان ثقافيتان تحت إشراف اللجنة الثقافية بسوق عكاظ، برئاسة جامعة الطائف. وتناولت الندوة الأولى دراسة نقدية عن الشاعرة العربية ليلى الأخيلية، بينما تناولت الندوة الثانية دور المرأة في تشكيل الهويات الثقافية.

وفي تفاصيل الندوة الأولى، تم الاحتفاء بالشاعرة ليلى الأخيلية، بتناول شعرها وحياتها ودورها السياسي في عصرها، وأدارت الندوة الدكتورة سامية حمدي.

وجاءت البداية مع الدكتور أحمد درويش، أستاذ النقد الأدبي بجامعة القاهرة، الذي اعتبر الأخيلية التي عاشت في القرن الأول الهجري أنموذجاً للمرأة العربية المؤثرة في الأحداث بإيجابية، وبين أنه «مع محافظتها على تقاليد الدين والمجتمع، فهي من الملهمات في الشعر العذري، إلى جوار بثينة وعزة وليلى العامرية».

أما الدكتور أيمن ميدان، وكيل كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، فقد انتقد قلة ما وصلنا من أشعار ليلى الأخيلية، من خلال ورقة بحثية بعنوان «شعر ليلى الأخيلية.. مقاربة نقدية»، كما أبرز الدكتور ميدان الفرق بين الشاعرتين الخنساء وليلى الأخيلية في فن الرثاء، مشيراً إلى أن رثاء ليلى لمحبوبها توبة تجربة إنسانية ثرية. وعرض الدكتور أحمد نبوي، الأستاذ بكلية الآداب جامعة الطائف، بحثاً بعنوان: «جماليات التكرار في شعر ليلى الأخيلية».

واختتمت الندوة الأولى بحديث الدكتورة ندى يسري، أستاذ الأدب المقارن بجامعة الإسكندرية، التي عالجت الأغراض الثلاثة الأهم في شعر ليلى الأخيلية (المديح - الرثاء - الحب).

أما عن المرأة عموماً، فقد كان المحور الرئيسي في الندوة الثانية التي جاءت بعنوان «المرأة وتشكيل الهويات الثقافية»، وأدارتها الدكتورة منى المالكي. وتحدث في ذلك الدكتور حسن النعمي، أستاذ السرديات بجامعة الملك عبد العزيز. ويرى النعمي أن «الثقافة الذكورية العنصرية المهيمنة هي التي ولدت احتياج الآخر (المرأة) لإثبات ذاته أمام ثقافته، وهو ما يفسر وجود مصطلح (هوية المرأة)، وغياب مصطلح (هوية الرجل)».

وفي الإطار ذاته، رفضت الدكتورة مروة مختار، أستاذ تحليل الخطاب، الفصل بين المرأة والرجل، وشددت على أن النظر إلى المرأة يجب أن يكون باعتبارها إنساناً، له الحقوق نفسها وعليه الواجبات ذاتها. واختتمت الندوة الروائية السعودية الدكتورة زينب الخضيري، الكاتبة بجريدة الرياض، بالحديث عن تمكين المرأة، مؤكدة أن «فكرة التمكين في جوهرها تأتي من حرية المرأة في اتخاذ قرارها، واعتمادها على نفسها بهدف قيادة المجتمع لإحداث نهضة وتنمية حقيقية».

وما إن يذكر «سوق عكاظ» حتى يتبادر إلى الذهن الشعر العربي الأصيل. ويشهد مسرح «الفوانيس» بالسوق مسرحية بعنوان «شعراء المعلقات»، تحكي عن عمالقة الشعر العربي، ومنهم النابغة الذبياني وامرؤ القيس وقيس بن أبي سلمى والأعشى ولبيب بن ربيعة وعنترة بن شداد، وجميع شعراء المعلقات. ويبلغ عدد الممثلين بالمسرحية ما يقرب من 80، ما بين ممثلين وفرسان، وما يقرب من 20 فارساً، بالإضافة للمحاربين والعشرة الشعراء الرئيسيين المشاركين.

وذكر المخرج المسرحي خليل كريم أن المسرح يعرض بالإضافة إلى ذلك مسرحيتين، هما: «أيام العرب»، وتحكي مقتطفات من الأحداث التاريخية البارزة في تاريخ «سوق عكاظ»؛ و«أرض الشمس»، وتتطرق للحياة الاقتصادية سابقاً في «سوق عكاظ»، وبين أن عدد المشاركين في أعمال المسرحيات ما يقارب 250 ممثلاً.

وفي الإطار العام لـ«سوق عكاظ»، يستطيع الزائر ملاحظة أن القائمين على السوق يعملون على جمع كل ما من شأنه أن يعيد أجواء التاريخ العربي القديم. وقد خُصص موقع معين للنتاج الفكري والثقافي للدول العربية الأخرى، ويشارك في هذا الموسم 3 دول عربية، هي: مصر، وهي ضيف الشرف، والإمارات وعمان. وتشهد منطقة «حي العرب» بالسوق مشاركات متنوعة من الدول الثلاث، تجسد الثقافة والأصالة العربية المشتركة، وتسهم في نقل المخزون الثقافي والتراثي العربي المشترك، من أفكار وحرف يدوية وغيرها.

ولكونه منبراً للثقافة والفن، لم يغب المتحف عنه، وهذه المرة بتطويع وتطوير التقنية في المجالات الخاصة بالسياحة والتراث الوطني. ووجه الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، بالعمل على تنفيذ المتحف الافتراضي لمعرض روائع آثار المملكة، من خلال تطبيق خاصية الواقع المعزز والواقع الافتراضي، حيث يتم استعراض القطع الأثرية داخل المتحف الافتراضي، وكذلك من خلال تحميل التطبيق من المتجر الإلكتروني، ويتم بعد الاستمتاع بمشاهدة القطع الأثرية بعروض حية.