بالصور: "عيد الفضة".. موسم الجمال والقوة في الجزائر

المهرجان يستقطب أكثر من 50 ألف زائر سنوياً

"مجلة جنى" تحولت قرية "بني يني" الجزائرية، على مدار 15 عاماً، إلى قبلة لمحبي الفضة؛ للمشاركة في مهرجان سنوي احتفاء بالحُلي التي اعتادتها المرأة الأمازيغية في زينتها منذ عقود خلت.

وبشكل سنوي تستقبل القرية (آيث يني بالأمازيغي) الواقعة في ولاية "تيزي وزو"، آلاف الزوار من مختلف مناطق البلاد وخارجها في مشهد يعزز الصورة الثقافية الجزائرية.

والمهرجان الذي انطلق قبل أيام، في نسخته للعام الحالي، ويطلق عليه "عيد الفضة"، يستقطب أكثر من 50 ألفاً ينتظرونه سنوياً على أحر من الجمر.

ونجحت الفعالية في لم شمل الحرفيين وصنّاع الحلي والمجوهرات المحلية في الجزائر؛ لإبراز وتسويق آخر إبداعاتهم في عالم صناعة الفضة.

ولأهميته اقترحت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية سابقاً تمويل نشاطات المهرجان وفعالياته، وهو الاقتراح الذي يدخل ضمن برنامج الأمم المتحدة لتطوير الصناعات الحرفية، بحسب غرفة الصناعة التقليدية والحرف الجزائرية.

وعلى مدار عقود بات اسم "بني يني" مرتبطاً بشكل وثيق بالحلي الفضية الأصلية التي صمدت وأبت الزوال رغم موجات الحداثة والتطور التي عرفتها المرأة الجزائرية عموماً، والقبائلية خصوصاً.

وعن أصلها ونشأتها تباينت الروايات، فقد ذكرت المحافظة السامية للأمازيغية (حكومية تهتم بتطوير اللغة والثقافة الأمازيغية) أن أصل الحلي يرجع إلى سنة 1492.

وتضيف الرواية أن هذه الحلي وصلت إلى الجزائر "عندما طردت ملكة إسبانيا من مملكتها أولئك الذين رفضوا اعتناق الكاثوليكية من اليهود والمسلمين ليتم نفيهم بالقوة إلى دول المغرب العربي".

و"بعض الحرفيين اليهود الذين حلّوا آنذاك على بجاية (مدينة جزائرية ساحلية) حاملين معهم هذه الصناعة التقليدية، حرصوا فيما بعد على تلقينها تدريجياً للسكان المحليين"، حسب الرواية.

في تلك الفترة  كانت المنطقة  تشتهر بإنتاجها للنقود المزيّفة، وبتداولها في الأسواق المحلية بغرض زعزعة الإمبراطورية العثمانية المهيمنة، ويقال إن ذلك توقف فور اكتشافها، ما دفع السكان إلى التوجه نحو صناعة الحلي الفضية.

- رمز للقوة والجمال

الباحث في التراث الأمازيغي، معمري نسيم، كشف لــ"الخليج أونلاين" أسرار تمسك المرأة الأمازيغية بحلي الفضة وعشقها لها منذ سنوات كثيرة مضت، إذ يذكر أنها "عاشت مراحل طويلة من حياتها منعزلة في القرى المتناثرة على سفوح الجبل، وحرصت على الاهتمام بجمالها وزينتها رغم ظروف الحرمان والفقر".

ويستطرد: "لذلك كانت الفضة ملاذها للتجمل والزينة، ومع مرور الزمن تفنن الصائغون في صياغتها حتى باتت منافساً ندياً للذهب، وباتت الفضة رمزاً لصلابة وأناقة المرأة الأمازيغية".

ولم تشهد تقنيات صهر الفضة ووضعها في القوالب التي تعود إلى العصور القديمة تغيرات هامة، حيث لا تزال تقليدية وتنجز بواسطة سندان صغير، في حين يعتمد الطلاء بالمينا على تحديد دقيق للأجزاء.

وتتطلب حلي الفضة المصنوعة من 3 مواد هي الفضة والمرجان والمينا، الكثير من الدقة والمهارة لدى الشخص، وهي معايير أساسية حتى يصنع بأنامله جواهر دقيقة التصميم بخطوط فضة متشابكة مزينة بأحجار المرجان الجميلة.

هذه الأحجار آتية من أعماق البحر الأبيض المتوسط، أما الفضة فتستخرج في الجزائر، وتتم معالجتها في فرنسا قبل أن يعاد استيرادها، في حين تستورد المينا من مدينة ليموج الفرنسية.

- وظيفة اجتماعية

وإلى جانب طابعها الجمالي، فإن للفضة بعداً رمزياً ووظيفة اجتماعية بالغة الأهمية، إذ يشير الباحث في الثقافة الأمازيغية، محمود عليان، لــ"الخليج أونلاين" إلى أن "الفضة ارتبطت بشكل كبير بهوية المرأة الأمازيغية".

ويوضح عليان ذلك قائلاً: "تعتقد الأمهات بضرورة امتلاكها وتضمنيها ضمن جهاز العروس، ما يتطلب العمل طيلة سنوات لاقتنائها وتملكها، ولو دفعهن ذلك إلى الاستدانة".

وأهم ما يميز حلي "بني يني" الفضية سمكها وثقلها، وأجمل ما تمتاز به هو أشكالها الهندسية التي تطغى عليها المثلثات والمربعات والدوائر من كل حجم، وهي العلامات التي لها ارتباط ودلالات نشأت مع الثقافة الأمازيغية على مر العقود.

كما تضم رموزاً تظهر في مستلزمات الحياة اليومية للأمازيغ؛ مثل أواني الأكل الفخارية، ومختلف الألبسة التقليدية، غير أن اللافت أن هذه الحلي لا تخلو من الرموز الإسلامية، وبشكل خاص الأهلية وقباب المساجد وصوامعها.

ورغم هذا التاريخ والارتباط بالمرأة القبائلية فإن صناعة الفضة تواجه الكثير من التحديات، ما تسبب في تراجع عدد الصائغين والمشترين، وبشكل خاص الفئات المحدودة اجتماعياً التي تعد الفئة الأكثر إقبالاً على اقتنائها.

والسبب- حسب ما ذكره الصائغ العمري حمودة لــ "الخليج أونلاين"- هو "ندرة المادة الأولية، التي باتت تباع في الأسواق السوداء بأسعار جد مرتفعة، ما يؤثر على السعر النهائي للحلي، وهو ما قد يسبب عزوف الناس عنها".