ندين توما تصون "مكان" إملي نصرالله في دارها


جرى اختزال أدبها بوجوده في المنهاج المدرسي

"مجلة جنى" تدمع الكاتبة والناشرة ندين توما، التي أسست، وبالتعاون مع سيفين عريس، "دار قنبز"، عندما تتحدث عن تسليمها أول نسخة من كتاب "المكان" لمؤلفته إميلي نصرالله. جرى هذا اللقاء قبل أربعة أيام من وفاة أديبة "طيور أيلول"، وخلاله، بانت الغبطة عليها، بحيث أنها رأت كتابها، الذي لطالما انتظرته، وقد صدر في تشكيل لافت، أكان من ناحية تصميمه، أو من ناحية إضافة قاموس وخريطة إليه.

فالكتاب، وعلى ما عودت "قنبز" القراء، ليس مبتذل الطباعة، بل يعتمد على إعلائه بالورق والصف ليحض على سلوان الإطلاع، وليكون النص فيه طرزاً بصرياً. من هنا، هو ليس كباقي كتب نصرالله، لا لأنه الأخير بينها فقط، بل لأنه، وأيضاً، جديد بهيئته، التي تبدو في انسجام معه.

فعلياً، هذا الإنسجام، انسجام المكتوب مع هيئته، ينم، بدايةً، عن التقدير الذي تكنه توما لنصرالله. إذ إنها، وفي حديث لـ"المدن"، تجد أن نصرالله، وعلى الرغم من ذيوع اسمها، لم تنل حقها، فقد جرى اختزال أدبها بوجوده في المنهاج المدرسي، وبالتالي، بطريقة معالجته الصفية التلقينية، كما جرى اختزال نقد الأدب إياه بالإنتقاد الذي يوجه إليه بالإنطلاق من تمحوره حول القرية، وما هذا الإنتقاد سوى تحقير له ولموضوعه. نصرالله، بحسب توما، لم تكن شبيهة بغيرها من الراويات في لبنان، كما أن وسط الرواة كان جلفاً ومتعجرفاً حيالها، لذا، لا يمكن التعامل معها فولكلورياً، بل بدرايةٍ، الفعل الأساس، الذي تستلزمه، هو القراءة.

كانت مديرة "قنبز" تبحث مع رفاقها نشر كتب متعلقة بمجموعة من الروائيين المحليين عندما اتصلت بها ابنة نصرالله، مي، طارحةً عليها نشر كتاب "المكان"، وهو عنوان اختارته الدار له. بدت هذه المصادفة كأنها إشارة إلى أن المشروع يسير وفي محله، وذلك، على الرغم من جهد الإنشغال به. فلأن "المكان" كتاب شبه أوتو-بيوغرافي عن عيش نصرالله في بلدة نشأتها، الكفير، وعن الهجرة منها، بالفضل عن زمنها، مطلع القرن العشرين، وفي النتيجة، بعداه التاريخي والجغرافي واضحان، كان لا بد من إبداء محتواه الأرشيفي. وهكذا، ضاعفته "قنبز" برسوم إنفوغرافية، وبتخريطه، وبزيادة الصور عليه، وبالتوازي مع هذا، معجمته، أي استخلاص معجمه، الذي يضم عددا من العبارات المذكورة على ألسنة الكفيريين لتدل على طبيعتهم وعلى اجتماعهم.

بالنسبة إلى توما، وجدت "قنبز" كتاب "المكان" مرتبطاً، ومن تلقائه، بإهتمامها، فمع أن صيتها يفيد بتخصصها في الأدب المرسوم  للأطفال أو للناشئة، إلا أنها تصدر كتباً تخص الجميع أيضاً. لم تكن "قنبز" مجرد دار لنشر "المكان"، بل إن توما ورفاقها، وطوال أربعة أشهر، ألموا بحياة نصرالله، كما أنهم، ومع وفاتها، ألم الحزن بهم كما لو أنهم كانوا آخر أصحابها في خاتمة مشوارها. فلم يكن نشر كتابها سوى صونٍ لـ"مكانـ"ها، وإنباء لها بأنه في الحفظ والصون.

في الخامس من أيلول المقبل، وفي الجامعة الأميركية، ستطلق دار "قنبز" الكتاب بعد ندوة عنه، وهي تضم، إلى جانب توما، مترجم إميلي نصرالله إلى الألمانية، هارتموت فندريش، والمؤرخة طفول أبو حديب التي ستتحدث عن زمن "المكان"، مستهل القرن المنصرم. وفي معرض الندوة ذاتها، سيبث مقاطع صوتية لنصرالله أثناء قراءتها من كتابها، كما سيعوض عن غيابها بختم "مكانـ"ها بتوقيعها.

وفي الثامن والتاسع من أيلول، ستطلق "قنبز" الكتاب في "بيت طيور أيلول"، في الكفير، أو في "المكان"، حيث تحول منزل نصرالله إلى مكتبة ومركز ثقافي، يتيح الإلتقاء والإقامة الكتابية فيه، هادفاً إلى "الإحاطة بأدب الهجرة توثيقاً واختصاصاً ومساحةً مفتوحةً لعوالهما"، لا سيما أنها طالت كل البلاد.

من الكتاب:

المصدر: المدن