أوّل قرية صديقة للبيئة بتقنيات متطورة

تجربة هولندية للاكتفاء من موارد المياه والطاقة واستخدام السيارات الكهربائية

"مجلة جنى" تعتزم قرية «ريجين ReGen» في هولندا جمع وتخزين مياهها وطاقتها، وإنتاج غذائها، ومعالجة كثير من مخلفاتها... ودون سيارات.
وفي إطار مشروع جديد، ستشهد مزرعة تقع على مسافة نصف ساعة من العاصمة الهولندية أمستردام، عملية تحوّل إلى نوع جديد من الأحياء السكنية، التي ستعمل فيها المزارع العمودية، إلى جانب الحقول التقليدية والبساتين المحيطة بالمنازل، على تأمين حاجات سكانها الغذائية. وفيها أيضاً، ستتحوّل مخلّفات الطعام إلى غذاء للأسماك لزراعة مائية قائمة في المشروع نفسه. كما ستقع على عاتق منازلها مهمّة تصفية مياه المتساقطات من الأمطار أو قطرات الماء من الجو، ولكنها لن تتضمّن طرقا للسيارات. ووفقا للمخطّط فإن القرية ستعتمد منصة تقنية «لنظام تشغيل القرية» على الذكاء الاصطناعي لإدارة أنظمة الطاقة المتجددة، وإنتاج الغذاء، وتوفير المياه، ومعالجة المخلفات في وقت واحد.

قرية بيئية
تعود فكرة بناء هذا الحي الذي يمتدّ على مساحة 50 أكراً (الأكر نحو 4000 متر مربع)، ويتميّز بالاكتفاء الذاتي ويتولّى جمع وتخزين مياهه وطاقته، وينبت طعامه، ويعالج القسم الأكبر من مخلّفاته، إلى عام 2017. وقد واجه المطوّرون الذين يعرفون باسم «ريجين فيلادجز» المتاعب جرّاء صرامة القوانين، إذ كانت هذه المنطقة في الماضي تقع على قطعة من الأرض مغمورة بالمياه، ليعاد استصلاحها في الستينيات بعد بناء سور بحري. وهذا ما زاد في صعوبة قيام أي جهة غير المالكين بإقامة أي مشروعات، على أراضٍ يستخدم معظمها اليوم في الزراعة. ولكن بعد حصول هذا المشروع أخيرا على ترخيص الحكومة الشهر الماضي، أصبح المطوّرون جاهزون للقيام بالخطوات التالية.
يقول جيمس إيرليتش، مؤسس «ريجين فيلادجز»: «يمكننا أن نصل حيّا سكنيا بالطريقة نفسها التي يجب أن يتصل فيها، أي عبر المصادر الطبيعية». وفي حال نجح المشروع في جمع التمويل الأخير المطلوب للانطلاق بعملية البناء، سيتحوّل ما هو اليوم عبارة عن حقل بسيط إلى مساحة بأقنية ومناطق رطبة جديدة، ومستنقعات صالحة لتجميع مياه الأعاصير (تقع المنطقة على انخفاض 7 أمتار من سطح البحر، وهي معرّضة لخطر الفيضانات)، جاذبة للطيور المهاجرة.

مزارع عمودية
سيتمّ زرع الأرض بالأشجار والحدائق والغابات الغذائية. وستعمل حدائق عمودية موجودة في داخل دفيئات زراعية على إنتاج الطعام ببصمة صغيرة. وستؤمن 203 منازل جديدة، تتراوح بين المنازل الصغيرة والمباني السكنية والفيلات، السكن المطلوب في منطقة قد تشهد ارتفاع عدد سكانها إلى الضعف في السنوات الـ15 المقبلة. وتتراوح أسعار المنازل بين 200000 و850000 يورو.
ويعتقد إيرليتش في حديث له لموقع «فاست كومباني» الإلكتروني، أنّ هذا النوع من البناء سيصبح أكثر شيوعا مع تزايد ارتفاع الأسعار والازدحام في المدن. هذا بالإضافة إلى ضرورة التفكير بتشييد بنى تحتية أكثر فعالية وبصمة بيئية أقلّ.
يهتمّ البناء الجديد بكلّ هذه الأمور من الكهرباء إلى الصرف الصحي، على شكل نظام متصل داخليا وبرامج إلكترونية تصل بعض الأقسام ببعض. وتستطيع السيارات الكهربائية التي ستبقى مركونة على أطراف الحي للحفاظ على أفضلية السير في شوارعه، تخزين طاقة إضافية من الألواح الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة.
يعمل هذا الحي بشكل مختلف عن غالبية الأحياء التي تشبهه. إذ تمّ تصميم منازله دون أماكن مخصصة لركن السيارات في ظلّ التوقعات بانتشار السيارات الذاتية القيادة في السنوات المقبلة، ولتشجيع السكان على السير وركوب الدراجة. ويستطيع السكّان الانتقال إلى العاصمة أو إلى بلدة ألميرة بحافلة تتحرّك على امتداد الحدود الخارجية للحيّ، مع ممرّ مخصص لها. أما المياه، فسيكون مصدرها الرئيسي من جمع المتساقطات. وستركّز المزارع القائمة والمختصة بتربية الدواجن والأسماك، على تأمين جزء كبير من حاجات السكان الغذائية. وفي حال فكّر بعض الجيران بالتطوّع للاهتمام بالحدائق أو تعليم اليوغا أو العناية بكبار السن مثلاً، فسيعمد هذا التجمع السكني إلى استخدام مصرف يتعامل بالعملة الرقمية، على متابعة ساعات عملهم ومنحهم حسومات على رسوم لجنة السكن مقابل جهودهم.

تصاميم عالمية
وتستطيع «آلة الحياة»، وهي نظام يستخدم النباتات والأشجار لتنقية مياه الصرف الصحي، إضافة إلى نظام هاضم لا هوائي منفصل لمعالجة الصرف الصحي، وتأمين المياه للري أو للاستخدام في أنظمة الطاقة. وسيعتمد نظام معالجة مخلفات الطعام والحيوانات على نوع من الحشرات الطائرة والديدان المائية لهضم المخلفات وإنتاج غذاء للأسماك الدواجن. أمّا بالنسبة للمخلّفات المنزلية التقليدية كالزجاج والعلب، فسيقع أمر معالجتها على عاتق نظام إعادة التدوير الخاص بالبلدية، ولو في الفترة على الأقل.
ويرى إيرليتش أنّ هذا التصميم سيكون فعالا في أي مكان آخر في العالم. وتوجد أحياء سكنية أخرى صديقة للبيئة تتضمن مزارع في مناطق أخرى كـ«كويلي لاني» في هاواي، تستخدم أيضا مصادر متجددة للطاقة وتجميع مياه المتساقطات.
وتملك الشركة أيضا خططا لبناء مشروعات مستقبلية بالقرب من مدن مثل لوند في السويد وليجري هفالسو في الدنمارك، وتأمل أخيرا بالنجاح في بناء نسخة أقلّ كلفة من هذه الأحياء في الدول النامية.
ويقول إيرليتش: «يمكننا أن نتخيّل الوصول بهذه الأحياء إلى المناطق الريفية في الهند، وشبه الصحراء الأفريقية، أي المناطق التي نعرف أنها ستشهد ولادة ملياري أو 3 مليارات شخص جديد على هذا الكوكب، وحيث نعلم أيضا أن مئات ملايين الأشخاص فيها يصبحون من أبناء الطبقة المتوسطة. نحن نريد أن نصل سريعا إلى هذه المناطق لنتمكّن من توفير أشكال جديدة من الضواحي والأحياء السكنية».