شارل أزنافور لن يتقاعد... رغم الرحيل

"مجلة جنى" توفي شارل أزنافور آخر عمالقة الأغنية الفرنسية، عن 94 عاماً ليل الأحد الاثنين في منزله في منطقة ألبيل في جنوب فرنسا. أطلق عليه معجبوه لقب "فرانك سيناترا فرنسا"، لأنه اشتهر بصوته العميق والفريد من نوعه. له تاريخ حافل بالأغاني الناجحة، وتمكّن بصوته العميق وشخصيّته الفريدة من الوصول إلى العديد من الأجيال.

أزنافور فنان متعدد المواهب، ألّف حوالي 1200 أغنية، لم يكتبها بالفرنسية فقط بل بثماني لغاتٍ أخرى أيضًا. وعلى الرغم من كونه مغنيًا وكاتب أغانٍ موهوباً، حاول الدخول في مجال التمثيل والأعمال الدبلوماسية.

ولد في باريس بعد أن هاجر والداه الأرمنيان إلى فرنسا. أدرك مبكرًا حبّه للغناء، بعد اعتلائه خشبة المسرح لأوّل مرة عن عمر 3 أعوام. حضر دروساً للدراما لكنه ترك المدرسة لمتابعة شغفه آملاً بتحقيق حلمه. ناضل خلال أعوامه الأولى لكنه تمكّن سريعاً من اثبات نفسه في الساحة الفنية الفرنسية والعالمية كمغنٍّ وكاتب للعديد من الأغاني الشهيرة.

حصلَ على جائزة "Golden Lion Honorary Award" في مهرجان البندقيّة السينمائي عن النسخة الإيطالية لأغنية "Mourir d'aimer" في عام 1971. وعيِّنَ سفيرًا للنوايا الحسنة ومندوبًا دائمًا لأرمينيا لدى اليونيسكو. كما أُدرج اسمه في قاعة مشاهير كتبة الأغاني في عام 1996. وكرّمته "MIDEM" بجائزة "Life time Achievement" عام 2009 .

بقامة لم يزد طولها عن متر و65 سنتيمتراً، رفع أزنافور على مدى ستين عاما الأغنية الفرنسية على أهم المسارح في العالم كلّه، قبل أن يفارق الحياة في باريس ليل الأحد الاثنين عن 94 عاما.

حين استعرض أزنافور في الآونة الأخيرة مسيرته الفنية، قال "لقد عشت مسيرة فنيّة لم تكن متوقّعة، لكنها كانت نموذجية... إنه الحظّ".

لكن في حقيقة الأمر، لم يكن الحظّ وحده ما أوصله إلى هذه المراتب العليا وجعل منه رمزا من رموز فرنسا، بل هي الموهبة وكذلك الإرادة.

فهو اقتحم عالما كان يُعيب الكثيرون فيه عليه قصر قامته وصوته المحدود في طاقاته، لكنه تحدّى كلّ ذلك وصار عملاق الأغنية الفرنسية.

في البدء، كان يرغب باحتراف التمثيل ودخل فعلا عالم المسرح والسينما.

بعد ذلك، انطلق أزنافور في الغناء مع بيار روش في بداية الأربعينيات، وفي العام 1946 التقى شارل ترينيه وإديت بياف التي أطلق عليه لقب "العبقري الأحمق" ودفعته إلى تغيير مظهره وتحسين شكل أنفه.

لكنه في ذلك الوقت لم يحقّق أي شهرة كبرى كمغنّ بل كان يؤلف الغاني للاخرين مثل بياف وجولييت غريكو.

وظلّت أموره على هذا النحو إلى منتصف القرن العشرين، حين حقّقت أغنية "سور ما في" (1954) نجاحا كبيرا، واعتلى من بعدها مسرح الأولمبيا.

في العام 1960، صوّر فيلما سينمائيا مع فرنسوا تروفو بعنوان "تيريه سور لو بيانيست" ، ثمّ أصدر أغنية "جو مونفواييه ديجا"، والتي صارت واحدة من أشهر ما غنّى.

في العام 1963، حقّق نجاحا كبيرا في "كارنيغي هول" في نيويورك، وصار نجما عالميا، وشرع في جولة عالمية، وزار أرمينيا للمرّة الأولى.

بعد عامين، أنجز أوبريت "موسيو كرنافال" وكانت "لا بوهيم" واحدة من أغانيها، وفي العام 1968 تزوّج للمرّة الثالثة من السويدية أولا تورسيل.

في السبعينيات، تطرّق إلى بعض القضايا الاجتماعية في أغنية "مورير ديميه" المستقاة من فليم بالاسم نفسه يروي قصّة انتحار مدرّسة في العام 1969 بعدما ربطتها علاقة بتلميذ لها.

انتشرت أغانية بشكل واسع، حتى أن كبار الفنانين في ذلك الزمن استعادوا عددا منها، كما فعل راي تشارلز مع أغنية "لاماما" وفريد أستير (لي بليزير ديموديه) وبينغ كروسبي (إيير أنكور).

وواصل أزنافور رحلته في السينما أيضا، وصوّر أفلاما منها "لو تامبور" في العام 1979 من اخراج فولكر شلوندورف ، و"لي فانتوم دو شابولييه" لكلود شابرول في العام 1982.

في العام 1988 ذهب إلى أرمينيا لتقديم يد العون بعدما ضربها زلزال مدمّر، وأسس لجنة "أزنافور من أجل أرمينيا"، وكتب أغنية "من أجلك أرمينيا".

في العام 1991، قدّم عروضا مشتركة مع صديقته ليزا مينيلي، وفي العام 1995 اشترى دار النشر الموسيقية راول بروتون.

وفيما كان كثيرون من أبناء جيله أو حتى من هم أصغر يفكّرون بالتقاعد، كان هو يواصل إصدار الأسطوانات والكتب ويقدّم العروض في مختلف أنحاء العالم.

وفي العام 2011، قال قبل شروعه في عرض في الأولمبيا وهو في سن 87 عاما "لم أقل قطّ كلمة وداعا".