بأي معـيار يـتـم اخـتـيـار الـفـائـزيـن بـجائزة نوبل ؟

"مجلة جنى" تثار كل عام ضجة كبيرة حول جائزة نوبل للآداب . 

ولعل السبب يعود إلى أن الجائزة تـفـتـقـد في الأساس إلى العـدل والـنـبـل،  

فقد بدأت حياتها ، بظلم أكبر روائيين وهما لـيـو تولستوي الروسي وإميل زولا الفرنسي ، والسبب يعود إلى أن مذهـبهما الأدبي ونظرتهما الفكرية تختلف عن المبادئ التي من اجلها وضعت الجائزة .

لقد أعطيت الجائزة لكثيرين يستحقونها ، وحرمت أيضا عن كثيرين،

استحقوها ولكنهم اضطهدوا أدبياً بسبب عدم انتمائهم إلى الثقافة المثالية الأوروبية،  

أو بسبب ابتعادهم عن أساليب التفكير السائدة في أوروبا .

تـشـيـر وثائق الأكاديمية السويدية إلى أن إميل زولا هو أول اسم قـُدم في العام 1901 بواسطة الكيميائي الشهير بيار بيرتولو. 

ولكن اميل زولا كان مكروهاً من قبل الفـرد نوبل ، فهذا الذي اخترع الديناميت لم يكن يحـب مادية زولا في الأدب ، ولذلك أعطيت الجائزة لأول مرة لسولي برودوم الحالم شعراً وعاطفة . 

وعندما أعلنت النتيجة فجع العالم الأدبي بهذا الاختيار .

وظنَّ الكثيرون إن اللجنة سـتـُـصَحح اختيارها الأول فـتـتوج تولستوي في العام 1902 ، 

وإذا بها تمنح الجائزة لمؤرخ يدعى مومسن على كتابه "تاريخ روما" ... 

يومها كان رئيس اللجنة ويرسن يكره أدب تولستوي، فخاض معركة حامية جـنـَّد لها كل طاقاته لتحطيم تولستوي .

إلى جانب هذا الانحياز الثقافي كان هناك انحياز سياسي تـُوج مراراً بمنحها للمنشقين ، 

فكلما سنحت الفرصة أمام اللجنة ، افـتعـلت شخصاً ذا مكانة أدبية ما ، لتمنحه جائزتها على أمل توظيفها سياسياً في مشروع المناوأة الدائم، لكل ما لا ينتمي لـ "العالم الحر"... 

وأغـرب ما شهدته هذه الجائزة انه في العام 1966 اختارت صهيونيين اثنين، (كأن واحداً لا يكفي!!) ، لمنحهما الجائزة ، 

وهكذا صار شـموئيل يوسف أغنون الإسرائيلي المقيم في القدس ، 

ونللي ساكس الإسرائيلية المهاجرة إلى السويد ، عضوين في نادي نوبل ، 

وجاء في حيثيات منح الـجـائزة أنـهـمـا ، "يمثلان لنا ، كل واحد منهما بأسلوبه الخاص ،

الرسالة التي تحملها إسرائيل لعصرنا الحاضر" .

في العاشر من كانون الأول من كل عام تخرج الأكاديمية السـويـديـة  عن صمتها ،

لتضع في قائمة الخالدين ، احد كبار الشعراء أو الأدباء الأحياء ، وذلك بمنحه جائزة نوبل . 

ويقوم الملك كارل غوستاف السادس عشر ، ملك السويد ، بتسليم الشاعر أو الأديب الفائز بجائزته ميدالية ذهبية ، ومبلغ مليون كراون سويدي ، في حفل يقام في ستوكهولم،

في ذكرى وفاة مؤسس الجائزة،الفريد نوبل ( 1822 ـ 1896 ) .

وبذلك تقطع "الأكاديمية السويدية" كل حبال الصمت ، محدثة فورة من الكلام الغاضب حينا والمادح حينا أخر ، لهذا الاسم أو ذلك الذي يفوز برضى اللجنة المشرفة على الجائزة . 

وأعضاء اللجنة لا يقيمون وزناً لكل التوقعات بشان من سيفوز بالجائزة ، فلهم في ذلك تقديرهم الخاص لمن يستحق فعلا أن يكون خالداً إلى الأبد .

عندما منحت الجائزة للروائي البولندي سيشلاف ميلوش عام 1980 ،

وهو اسم لم يسمع به احد من قبل ذلك التاريخ ، تساءلت صحيفة "الصنداي تايمز" اللندنية ....:

"هل صارت جائزة نوبل تمنح ألان للمجهولين والنكرات في دنيا الأدب،  

وليس للمشاهير والمعـروفين من الشعراء والروائيين والنقاد ؟، هل أقـفـرت دنيا الإبداع وخـلـت  من العباقـرة ...؟!"

لا يحتاج المرء إلى عبقرية فذة أو ذكاء خارق ، ليدرك السبب "الوجيه" الذي كان وراء اختيار ميلوش لنيل الجائزة في عام 1980 ، ففي الوقت الذي كانت فيه أجهزة الإعلام في "العالم الحر" ، تردد اسمه باعتباره "كشفاً خطيراً" في عالم الشعر والأدب ، 

كانت الأجهزة والأبواق نفسها تـنـقـل (بل وتـُضخـّم )الأحداث التي وقعت في مرفأ غـدانسك ، والتي أثـقـلت كاهل السلطات البولندية ، 

وهو السبب  ذاته الذي أحاط من قـبل بفوز الشاعـر السوفـييـتي بوريس باسترناك عام 1958، والروائي السوفـيـيـتي الكسندر سولجـنـتـسـيـن (عام 1970 ) بالجائزة .

ربما لا يستطيع احد أن يطعـن في القيمة الأدبية ، لفائزين من (أمثال بوريس باسترناك  (الدكتور جيفاكو) ، والكسندر سولجـنـتـسـيـن (يوم في حياة ايفان دينيسوفـيتـش) ، وسيشلاف ميلوش (أجراس الشـتاء) ،

أو قد يقال ـ على الأقـل ـ أن الآراء تختلف، وأن المسالة قابلة للتناقش ، 

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو : 

بأي معيار يتم اختيار أمثال هؤلاء المجهولين ، في الوقت الذي تجاهـلت فـيه اللجنة المشرفة على الجائزة ، منذ إنشائها،  عشرات بل مئات الأسماء اللامعة وذوي القيمة الأدبية المعترف بها ؟!

إن استعراض تاريخ جائزة نوبل يؤكد ، بما لا يدع مجالا للشك ، ضيق أفق اللجنة المشرفة على الجائزة ، ففي الوقـت الذي مـُـنحت فيه الجائزة لأدباء سوفـيـيـت منشقين ، وصهاينة عـنصرين وآخرين لم يسمع بهم احد حتى أبناء جلدتهم، فقد تغاضت اللجنة عن عـدد كبير من أدباء الغرب نفسه ، ومن أعلى الهامات الأدبية في تاريخه المعاصر،  وما ليو تولستوي وانطوان تشيخوف وجيمس جويس ، ومارسيل بروست وروبرت مازيل وبيتر فايس ، وبيرتولت بريشت وتوماس هاردي وغـراهام غـرين وغيرهم، إلا امثلة قليلة من عشرات الكتاب الذين لم يفـوزوا بالجائزة .

وحتى الذين فازوا بالجائزة من الانجليز كان احدهم سياسياً ، وهو ونستون تشرتشل، والأخر فيلسوفاً وهو بـرتراند راسل ، والثالث واحد من أساطين الاستعمار البريطاني وهو روديارد كيبلنغ ،أما الرابع وليم غولـدنغ ، فان قدرته على الكتابة تكمن في استخدامه للأسطورة ، 

ويجمع النقاد على القـول انه لم يكتب سوى رواية واحدة مهمة،

تعود إلى الخمسينات هي "ملك الذباب" .

وخير دليل على انحياز اللجنة المشرفة على منح الجائزة، في الأكاديمية السويدية منذ تأسيسها هو ما صرح به اوغـست سترندبيرغ ، أحد أشهر الأدباء السويديين ، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق ، في تظاهرة كبيرة أمام مبنى الأكاديمية عام 1901 حيث قال: 

"....إن أعضاء لجنة نوبل خيول رديئة هـزيلة ، إنهم منافقون وهواة أدب" ،  وذلك احتجاجاً على تجاهل الأكاديمية السويدية لاسم ليو تولستوي ، الروائي الروسي الشهير مؤلف "الحرب والسلام" و "أنـَّـا كارانينا" وغيرها ، وحجب الجائزة عـنه بحجج واهـية وأعـذار لا يقبلها عـقـل ولا يـُقـرّها منطق ، في الوقت الذي مـُنحت فيه الجائزة للمليونير الفرنسي رينية ـ سوللي برودوم ، الذي لم يكن من ذلك الرهـط الذي ترك وراءه ذكرى لا تمحى أو أثراً أدبياً لا ينسى ، على حد تعبير د. شل اسبمارك ، عضو الأكاديمية السويدية والأديب المعروف .

العالم الثالث

لقد تجاهلت اللجنة المشرفة على الجائزة  تجاهلا تاما ،جميع الأدباء والشعـراء والمفكرين في العالم الثالث ، فلم يفز بالجائزة سوى 8 أشخاص هم :

1 ـ رابـنـدرانات طاغـور ، الهند ، عام 1913 .

2 ـ  غابرئيلا سيترال ، تشيلي ، عام 1945.

3 ـ ميغـويل استورباس ،غواتيمالا،عام 1967.

4 ـ ياسوتاري كاواباتا ، اليابان ، عام 1968.

5 ـ بابلو نيرودا ،تشيلي ، عام 1971 .

6 ـ غابربيل غارسيا ماركيز ،كولوميا ، عام 1982 .

7 ـ وول سوينكا ، نيجيريا ، عام 1986.

8 ـ نـجـيـب مـحـفـوظ ، مـصـر ، 1988

وكـأنَّ التفوق الأدبي يجب أن يكون وقفاً على أبناء الحضارة الصناعية الغربية ...

وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن اليابان ، وهي الدولة الآسيوية الوحيدة (بعد الهند) ،

التي فاز احد أبنائها بالجائزة (ياسوناري كاواباتا ) ، قد انضمت كذلك إلى هذا "النادي الحضاري" ".

وعلى الرغم من أن وول سوينكا إفريقي ، إلا انه في رأي الكثيرين أوروبي  "مُدجـَّن" ،

فهو يتنقـل بين بريطانيا ونيجيريا منذ أكثر من ثلاثين عاما ، وهو يكتب باللغة الانجليزية فقط، وثقافته أوروبية بحتة ، وهو كما يقول الروائي البريطاني ، غـراهام غـرين ، 

"يمتاز بالمواصفات التي يمتاز بها أدباء الغـرب " ، وربما تجاوزهم في بعض مواقفه العنصرية والعدائية .

وهـا هي مجلة "دير شبيـغـل " الألمانية تؤكد أن جائزة نوبل هي ، "حكر على الكتاب ذوي الثقافات الأوروبية" ، وأن سوينكا "ليس استثناء لهذه القاعـدة"  ، "فهو لم يترجم يوروبيدس إلى لغته الإفريقية (اليوربا) ،بل ترجمه إلى اللغة  الانجليزية".  وتضيف المجلة قائلة :

"ومهما كان قـدرة سوينكا كرجل مسرح ، ومهما كانت أصالة اسلوبه ، فان الطابع الأوروبي لشخصيته ، هو الذي حـسم عملية التحكيم للفوز بالجائزة" .

لجنة التحكيم

ولكن من هم هؤلاء  السادة الأفاضل أعضاء لجنة التحكيم،  

وكيف يتسنى لهم اختيار الشاعـر أو الأديب الذي يضعونه في قائمة الخالدين ؟.

تضم لجنة التحكيم لجائزة نوبل في الأكاديمية السويدية ، ستة أعضاء من النقاد والشعراء والأدباء السويديين . وبرأس اللجنة البروفيسور لارش يلنستين ، الأمين العام للأكاديمية السويدية.

في الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر كل خميس ، وعلى مدار السنة ، 

يجتمع هؤلاء في مكتبة الأكاديمية السويدية خلف القصر الملكي ،في المدينة القديمة،

من ستوكهولم ، حيث توحي قاعات المطالعة الفسيحة بأجواء القرن الثامن عشر ... 

يجتمع اعضاء لجنة التحكيم لمدة ثلاثة ساعات ، يتناقشون خلالها بشان من يستحق الجائزة لهذا العام.

فإذا ما انتهوا من مداولاتهم الأسبوعـية ، التي يحقـقـون خلالها تقدما بطيئا أسبوعاً بعد أسبوع ، 

خرجوا في الساعة السابعة والنصف إلى مطعم Gyllene freden (السلام الذهبي ) ،

المجاور الذي يحمل أجواء القرون الوسطى ، 

حيث ينبذون تماما أي تكلف للرسمية ويخاطب احدهم الأخر بعبارة (du) أنت،

بدلا من Ni التي تستخدم للمخاطبة الرسمية . 

ويتبادلون الطرائف والنكات حول مائدة عامرة بما لذ وطاب، من اللحوم المقددة والكافيار والنبيذ المعتق .

إن مهمتهم هي اختيار خمسة أشخاص من قائمة تضم 150 اسماً ، من المرشحين لجائزة نوبل (السلام ، الفيزياء ، الكيمياء ، الطب ، الأدب ) للعام .

ثم يقدمون قائمتهم إلى الأكاديمية السويدية في مطلع الخريف . 

وعلى الرغم من ان اختيارهم غير ملزم ، نظرياً ، لمجلس أمناء الأكاديمية ، 

إلا أن الفائز نادراً ما لا يكون من بين هذه الأسماء الخمسة ، وغالبا ما يكون المرشح الأول فيها .

أما القائمة التي تضم 150 اسماً فتقوم بإعدادها الأجهزة الإدارية في الأكاديمية السويدية .

ففي مطلع شهر تشرين الثاني من كل عام ، ترسل للاكاديمية السويدية آلاف الرسائل،

إلى الأكاديميات والجامعات والأندية الأدبية واتحادات الأدباء والنقاد، والمثقفين في كافة أرجاء العالم،  طالبة ترشيح أشخاص للفوز بالجائزة... 

ثم يقوم عدد كبير من الخبراء السويديين والأجانب (لقاء مكافآت مجزية ) ، بإعداد قوائم المرشحين . وأحيانا يقوم بعض أعضاء الأكاديمية أنفسهم،بزيارات إلى الخارج لاكتشاف المرشحين .

فإذا كان المرشح يكتب بغير واحدة من اللغات العالمية الثلاث ، الانجليزية ، الفرنسية ، الألمانية ، فيجب ترجمة كتابه إلى لغة واحدة على الأقل ، وأعضاء لجنة التحكيم  يجيدون لغتين أو ثلاث على الأقل ، من اللغات العالمية إلى جانب اللغة السويدية بالطبع .

إن قائمة المرشحين للجائزة تزداد اتساعاً ، وقائمة المناوئين لهم تماثلها في الاتساع ، 

واللهث من اجلها يشتد اضطراماً ، وأساليب الترشيح تتنوع وتتغير . 

ولعل العرب كانوا وما زالوا من أكثر شعوب العالم ،إثارة للكلام في الجائزة ومن أكثرها إدانة لها ، وذلك لشعورهم بان بعض أدبائهم جديرون للفوز بها ، ولشعورهم بان اللجنة المشرفة على الجائزة كانت دائما متواطئة ضدهم .

المصدر: قاب قوسين