​النابلسية الفلسطينية تشقّ طريقها في إسطنبول

"مجلة جنى" إن كتب لك القدر زيارةً إلى العاصمة الاقتصادية لتركيا فربما ستكون أكثر سعادة حينما تزور منطقة الفاتح، التي تتفرع في سمائها مآذن واحد من أشهر المساجد العريقة في إسطنبول، لكن قبل رحيلك عن المنطقة لا تنسَ أن تستكشف مذاق حلوياتٍ فلسطينية، تشق نكهتها بعزيمة ورويّة وسط حديقة من أطايب الطعام لا تعد ولا تحصى أسماؤها.

منذ ثلاثة أشهر تقريبًا تنتصب في محيط مسجد الفاتح لافتة عربية تشير كلماتها إلى حلويات "النابلسية" الأشهر في فلسطين؛ فأحمد غراب من هنا "وضع قدميه على أول الطريق"، ويطمح إلى المسير أبعد من ذلك.

نجح هذا الشاب الذي قدم من غزة في الربع الأخير من العام الماضي في إضافة ما يصفه بـ"مذاق غريب ومختلف" إلى العرب عمومًا والأتراك خصوصًا، حتى إن بعضهم صار لا يعود إلى بيته قبل أن يتذوق من النابلسية "شبه يومي"، حسبما أفاد لموفد صحيفة فلسطين إلى إسطنبول.

ولذي الـ34 عامًا لم تكن صناعة النابلسية وتسويقها في إسطنبول عملية سهلة على الإطلاق، إذ إن مدينة كبيرة كهذه تحوي بخلاف قطاع غزة مئات الأصناف للشيء الواحد، ما يجعل مهمة كهذه "كمن يبحث عن سمكة في بحر"، كما يقول.

ويبين أن التحدي الأكبر كان قبل المضي في مشروعه الواعد "أن تثبت وجودك بين أجود أنواعك الحلويات" التي يشتهر بصناعتها المواطنون الأتراك، فضلًا عن السوريين الذين يوجدون هنا بأعداد كبيرة.

وما دفع غراب إلى هذه المهنة دون سواها خبرته في صناعة النابلسية، إذ إنه صاحب محل في مدينة رفح لا يزال يعمل إلى اليوم منذ 9 سنوات، ويديره مع شريكه بغزة عن بعد، كما يقول.

ولذلك اختار طالب الهندسة المدنية "قصر النابلسية الفلسطينية" اسمًا ليكون عنوانًا دائمًا لمحله، الذي افتتحه منذ 3 أشهر فقط في إسطنبول.

وقبل أن يخرج إلى الجمهور "بسقف معين" لسلعته الجديدة أشار غراب إلى أنه أجرى ما وصفها بـ"تجارب مكوكية" لا تقل عن 3 أشهر يطلب فيها رأي زوجته وأصحابه في تركيا.

ويتمنى لو يتمكن من جلب الخامات اللازمة للنابلسية من قطاع غزة التي تعوّد صنعها منها منذ أن سلك طريق المهنة، لكن ما أسماها "نصيحة أخوية" من مستوردٍ سوريٍّ قادته إلى ضرورة التقيد بما هو متاح من مواد خام من داخل تركيا فقط.

وبعد تفكير عميق استقر غراب على رأي الرجل، الذي شدد على أهمية تفادي عوائق الاستيراد التي قد تحدث في يوم ما، ولأن الزبون حينما يألف "طعمًا معينًا" ثم يختلف عليه لاحقًا -ولو بنسبة قليلة- سيشعر حينها بحالة من الاستخفاف به.

واليوم بعد 3 أشهر من انطلاقة المحل ينبه غراب إلى أن زبائنه في ازدياد وهم من الجنسيات العربية المختلفة، بخلاف أصحاب البلد، لافتًا إلى أن اسم "النابلسية الفلسطينية" ساعده كثيرًا على الترويج لسلعته، خصوصًا أن "النابلسية" مرتبطة ذهنيًّا بفلسطين وبراعة أهلها في إعدادها.

ويرى أنه فعل شيئًا كبيرًا وأصبح صاحب محل يدر عليه دخلًا، "لكن طموح المذاق والجودة لا يزال أكبر من ذلك".

ويضيف: "إن المشوار لا يزال طويلًا رغم صيت المحل الحسن بين الأتراك، خلال عمره الزمني القصير".

وينسب الفضل في تخطي ما وصفها بـ"التجربة القاسية" إلى دعاء الوالدين بالتوفيق، ثم زوجته التي كانت كما يؤكد "عاملًا أساسيًّا في نجاح هذا المشروع، ودعمتْ تجاربه واحدة تلو الأخرى، وتشجعت للفكرة منذ البداية".

ويجزم أن المعيار الأول قبل ذلك "توفيق الله (عز وجل)، والعمل بأسباب النجاح".

ولذلك يشدد على ضرورة أن يعمل الإنسان بـ"ذمة وضمير"، قائلًا: "فما تستطيبه نفسك عليك أن تقدمه لزبائنك".

ويوصي كل راغب في العمل والاستثمار في تركيا بـ"الصبر على حصاد زرعه"، فالنجاح في قطاع غزة وفق تقديره أسهل منه في إسطنبول بحكم المساحة والتعداد السكاني وتعدد الثقافات واللغات.

وكان الدافع "الأول والأخير" الذي جاء بغراب قبل عام ونصف العام إلى تركيا هو الوقوف إلى جانب زوجته في مهمة إسناد والدتها، التي جاءت مرافقة لها للعلاج في المستشفيات التركية.

وقتها لم يكن لدى غراب مقصد سوى "المكوث مدة شهر واحد ثم العودة إلى غزة، فأهله ومصالحه ومدارس أبنائه هناك، كما يقول، غير أن ظروف إغلاق معبر رفح ونصائح الوالد والأصدقاء والمقربين قادته إلى البقاء في تركيا.

ولدى غراب 3 من البنين والبنات، وكان في مراحله الأخيرة من دراسة الهندسة المدنية بغزة قبل أن يحط رحاله في تركيا، لكنه عازم على مواصلة مشوار الشهادة الجامعية.