غزة.. أنامل ناعمة تصنع من الخشب ألعابا لأطفال أوروبا

"مجلة جنى" بقلم رصاص ترسم الفلسطينية "أم محمد"، خطوطا ومنحنيات دقيقة على قطعة خشب بحجم الكف، قبل أن تنقلها لمنشار كهربائي، وتمرر أسنانه الحادة بحذر شديد على الخطوط، لتخرج بهيكل خشبي للعبة جديدة.

وتعمل "أم محمد" (39 عاما) مع 23 امرأة أخرى في منجرة ومخيطة لإنتاج ألعاب الأطفال تحت إشراف جمعية "زينة" التعاونية (أهلية)، ضمن مشروع ممول من مؤسسات أممية، لتمكين المرأة اجتماعيا واقتصاديا في قرية "أم النصر"، شمالي قطاع غزة المحاصر منذ نحو 12 عاما.

وبعد قص الهيكل الخشبي للعبة تبدأ "أم محمد" بتصميم هيكل جديد، وتتسلم مساعدة لها الشكل الجاهز لتدخله في مرحلة "الصنفرة" عبر آلة صغيرة تسمى "الدبابة" وذلك لتشابهها الكبير مع المدرعات العسكرية، وتحتوي قاعدتها على عجلات معدنية يربط بينها ورق "صنفرة" خشن.

وبعد اكتمال "الصنفرة"، تنتقل اللعبة إلى مرحلة النقش، فتتسلمها شابة أخرى، وتبدأ بحفر تفاصيل الوجه الدقيقة عليها ليظهر في النهاية شكل "جمل" صغير، تتضح ملامحه أكثر بعد أن يتم طلائه ومن ثم تزيينه بقطع قماش مطرزة باللونين الأحمر والأسود تحمل الطابع البدوي صنعتها شابات بمعمل الخياطة.

للنساء فقط 

المنجرة التي تعمل فيها "أم محمد"، مع 6 شابات، ومعمل الخياطة المرفق، الذي تعمل فيه 16 شابة أخرى ينتجان يوميا نحو 10 ألعاب يتم بيعها لمؤسسات ورياض أطفال بقطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، أو لمؤسسات وناشطين من أوروبا وآسيا يزورون الجمعية التي تضم المنجرة والمعمل.

ويعمل مصنع الألعاب 6 أيام أسبوعيا منذ العام 2015، ووصل إنتاجه إلى عدد كبير من الدول الأوروبية خاصة سويسرا وإيطاليا، إضافة للولايات المتحدة.

ولعل أكثر ما يبعث على الغرابة في هذا المصنع، عمل النساء في مهنة النجارة التي من المعتاد أن يحتكرها الرجال نظرا لقسوة ومخاطر العمل بها وما تتطلبه من قدرات عضلية.

إلا أن هذه المعايير لا تعني شيئا للعاملات في قسم النجارة، بمصنع الألعاب؛ فهن أحببن عملهن الذي يوفر لهن دخلا ماديا، حتى وإن كان زهيدا، وسمح لهن بتعلم مهارات جديدة والتعرف على أشخاص جدد.

وتقول "أم محمد" (فضلت عدم ذكر كامل اسمها)، إنها تعمل في المنجرة منذ سنوات، وقد أتقنت مهنتها بشكل كامل ولم تعد بحاجة إلى مشرف أو مدرب.

وتضيف: "العمل هنا يعتبر متنفس بالنسبة لي أكثر مما هو مصدر دخل؛ فالأجر الذي نحصل عليه زهيد (نحو 80 دولارا شهريا)، إضافة إلى أني اكتسبت مهارات كثيرة بالنجارة كان من المستحيل أن اكتسبها بدون هذا المشروع".

وتتمنى الشابة الفلسطينية أن يتطور المشروع ويتوسع ليحقق للعاملات فيه دخلا أكبر ويستوعب المزيد من النساء في قرية "أم النصر".

ولا يسمح مصنع الألعاب في جمعية "زينة" إلا لنساء قرية "أم النصر" بالعمل فيه لأنه أسس خصيصا لـ"تمكين"، نساء القرية اقتصاديا واجتماعيا، بحسب ما قالت لمراسل الأناضول المديرة التنفيذية للجمعية، "حنين السماك".

وتعاني قرية "أم النصر"، المعروفة محليا باسم "القرية البدوية"، من أوضاع اقتصادية صعبة، وتتفشى البطالة في صفوف سكانها.

ألعاب غزة بأوروبا

إضافة إلى الألعاب فإن المنجرة ومعمل الخياطة ينتجان، وفق "السماك"، وسائل تعليمية لرياض الأطفال مثل "العدادات" ومجسمات لحروف اللغة العربية.

وتقول "السماك": "تمكنا من إيصال منتجاتنا لدول أوروبية وآسيوية وقد افتتحنا معرضا في سويسرا وإيطاليا، والجميع أشاد بجودة الإنتاج وبالفكرة، خاصة أنها تهدف إلى تمكين النساء وإخراجهم من حالة العزلة المنزلية وتخفيف ضغوط الحياة عنهم".

وتطمح مديرة جمعية "زينة" إلى توسيع مشروعهم ليستوعب أعداد أخرى من النساء وبأن تتمكن الجمعية من افتتاح معارض لمنتجات المصنع في الدول العربية، وبأن يتم تصدير الألعاب إلى دول العالم بشكل واسع.

وتشير إلى أنه يتم إيصال منتجات المصنع النسائي إلى خارج القطاع من خلال زوار الجمعية الأجانب الذين يحملون كميات قليلة منها، ولا يتم تصديرها بكميات كبيرة عبر المعبر التجاري لغزة بسبب القيود الإسرائيلية.

وتفرض (إسرائيل) حصارا على سكان غزة منذ فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية، يناير/كانون الثاني 2006، وشدّدته منتصف يونيو/حزيران 2007.