جدار الفصل العنصري... كيف عكسه الكتاب الفلسطينيون والإسرائيليون؟

دراسة مقارنة للمصرية داليا سعيد عزام

"مجلة جنى" يسعى كتاب «جدار العار... جدار الفصل العنصري وانعكاساته في الأدب العبري والفلسطيني المعاصر» إلى تقديم دراسة مقارنة تنصب على الآثار التي تركها هذا الجدار، الذي بدأت إسرائيل في بنائه بالضفة الغربية المحتلة في يونيو (حزيران) عام 2002 على الأدبين الفلسطيني والعبري، وكيف نظر إليه الشعراء والمسرحيون العرب واليهود المستوطنون، وتعاملوا مع قضية وجوده من خلال إبداعاتهم نثراً وشعراً.
الكتاب الذي صدر حديثاً ضمن مطبوعات الهيئة المصرية العامة للكتاب، تأليف الباحثة المصرية الدكتورة داليا سعيد عزام، يتضمن بابين وخاتمة، الأول «جدار الفصل العنصري وانعكاساته في الأدب العبري المعاصر»، ويضم فصلين، والثاني «جدار الفصل العنصري وانعكاساته في الأدب الفلسطيني المعاصر»، ويحتوي على ثلاثة فصول.
حاولت عزام إبراز السمات الخاصة لكل من الأدبين، وذلك في تصديهما لتلك القضية، ولفتت إلى أن الأدب العبري موجه في معظمه لخدمة الآيدلوجية الصهيونية، ويسعى إلى ربط الشخصية الإسرائيلية بالأراضي المحتلة، وهو ما يتضح في التشديد على الادعاء بأهمية الجدار العازل، وسيلة للدفاع المشروع عن الدولة، في مواجهة هجمات أصحاب الأرض، أما بالنسبة للشعر الفلسطيني فأشارت الباحثة إلى أنه يأتي بوصفه استمرارية لحالة ثقافية لها وزنها النوعي عربياً، ميزتها المقاومة، وبها استطاع الأديب الفلسطيني مواجهة الاحتلال بكل وطأته ومخلفاته وكوراثه.
صفة المقاومة هذه جعلت من الشعر، من وجهة نظر عزام، وسيلة لفضح مخططات إسرائيل من بناء الجدار، كما ركز على إذكاء الروح الوطنية، والقومية وخاطب الإنسانية، وهو ما يبدو في تصويره لمعاناة الفلسطينيين اليومية التي نجمت عن بنائه، وما يحدث لهم من كوارث تصل إلى حدود الموت على أسواره في انتظار العلاج والدواء، فضلاً عن معاناتهم بحثاً عن لقمة العيش، وقد رسم المبدعون صوراً وأشكالاً لمقاومة تلك العذابات، بدت في اتجاهات ثلاثة هي «الاتجاه الوجداني» الذي تغذى بنزعات الشعر الغربي الحديث و«الواقعية الحديثة»، وقد سعى الشاعر الفلسطيني من خلالها إلى بناء واقع موازٍ متأثراً بما يعانيه يومياً، ويتميز هذا الاتجاه بأن القصيدة تأخذ عناصرها من الحياة، لتقوم بتشكيل صورة عنها، حيث يجعل المبدع المعاناة وإفرازاتها مادة للشعر ومحفزاً لكتابته.
ورأت عزام أن شعر المقاومة الفلسطينية الذي يتصدى لقضية الجدار لا يمكن للباحث أن يبتعد عند مقاربته عن قراءة مساحة تأثير وانعكاس الواقع المعيش عليه، فالقصيدة في هذه الحالة قريبة من نبض الحياة اليومية، والشاعر لا ينقل الصورة الواقعة في ساحة الخيال أو المرجو والمتصور، بقدر ما ينقل واقعاً له تأثيره، يلمسه ويغرق فيه، ويعيش تفاصيله وجزئياته، وهو ما يبدو عند الشاعر عبد الكريم العسولي.
أما الشاعر عبد البديع عراق، فيصور حالة التشتت والقهر المدمر التي يعيش تحت وطأتها أهل فلسطين، حيث تُنتهك أبسط علاقاتهم الإنسانية نتيجة بناء الجدار، ولا يلجأ عراق عبر قصيدته «للبكاء أو الشكوى، لكنه يخفي جرحه وآلامه من أجل طمأنة من يخاطبهم من أهله على الجانب الآخر من السور».
ولم تتوقف الباحثة عند الشعر، بل قامت بدراسة الآثار نفسها على القصة القصيرة، واستقصت معاناة أهل فلسطين من خلال مقاربتها لكتابات القاص سمير الجندي، ومجموعتيه «باب العامود»، و«درج الطابونة»، وروايات كل من بسام سليمان «ثقب في الجدار»، وعلاء مفيد مهنا «مقدسية أنا»، وسمير الجندي «خلود»، وأشارت عزام إلى المسرح ودوره في قضية مقاومة الجدار، لافتة إلى أن المسرح الوطني الفلسطيني عرض على خشبته مسرحية «طار الحمار» تأليف عزام أبو السعود، وإخراج مكرم خوري، وتفضح أحداثها جانباً من الجرائم الكثيرة التي يرتكبها المحتل الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني عامة، والمقدسيين بصفة خاصة الذين يبتلع الجدار العازل مدينتهم، ويفصلها عن امتدادها الطبيعي، ويبقي أهلها سجناء لا ملاذ لهم غير السماء.
من جهة أخرى، يتمحور الباب الخاص بانعكاسات الجدار العازل على الأدب العبري حول عدة قضايا؛ منها آثاره الاجتماعية والنفسية في الإبداعات الشعرية والقصصية والمسرحية، وقالت الباحثة إن هذه الفنون جميعها جسدت أفكاراً صهيونية، لأن كتابها ببساطة يؤمنون بها، وبالتالي لا يمكن دراستها بعيداً عن توجهات الدولة والقناعات الشخصية للكُتَّاب.
ولفتت عزام إلى أن الشعر العبري عكس نوعاً من الصمت تجاه الظلم الواقع على الفلسطينيين جراء الجدار العازل، وهو ما يتضح في قصيدة مرحاف يشورون «العهد الجديد»، أما قصيدة «على حاجز حوارة» فينتقد الشاعر إيتان كلينسكي الممارسات التي تحدث ضد النساء الفلسطينيات اللواتي على وشك الولادة، مشيراً إلى أن ذلك يحفز الطفل الوليد ليكون نواة لفدائي مقاوم، ويجعل كلينسكي «المولود» محزماً ببندقية وحربة، كارهاً للوجود الإسرائيلي وما فعله الجنود به وبأمه.
وذكرت عزام أن كثيراً من القصائد العبرية ساوت بين معاناة الإسرائيليين والفلسطينيين، جراء بناء الجدار، من آلام العزلة والخوف، كما كشف بعضها عن عدم رغبة إسرائيل في السلام، كما عكست صوراً لما تسبب فيه السور من تجريف للطبيعة، واقتلاع الأشجار، وتمزيق التلال، فضلاً عن الظلم والتعسف الذي يحدث ضد أهل فلسطين عند عبور الحواجز.

المصدر: الشرق الأوسط