«أكثـر من حيــاة».. سحر بن علي تثير قضايا إنسانية واقعية

مجموعة من 22 قصة قصيرة ثرية بالمواقف الحياتية والمشاعر الحية والصياغة الإبداعية

"مجلة جنى" «كن قويا جدا إلى الحد الذي لا تغادر هذه الحياة إلا مرة واحدة..»بهذه الكلمات المعبرة ختمت الكاتبة الكويتية المتميزة سحر بن علي مجموعتها القصصية «أكثر من حياة» ربما لتلخص من خلالها إحدى الأفكار المهمة التي أرادت إيصالها عبر 22 قصة قصيرة شملتها المجموعة التي أهدتها إلى «كل أديب سخر قلمه وقلبه لانتشال العالم من الغرق».

استعرضت بن علي في مؤلفها، الصادر عن «ذات السلاسل»، قصصا قصيرة أبطالها شخصيات غالبيتهم من النساء أو الفتيات اللاتي عاشت كل منهن حياة تحفها الأحداث والمواقف الخاصة التي تقود باتجاه تحولات مهمة، في تناول لقضايا إنسانية تموج بالمشاعر الحياتية الحية التي نقابلها في حياتنا اليومية من حولنا وهو ما يصبغها بصبغة الواقعية وإن لم تكن بالضرورة مأخوذة من مواقف حدثت بالفعل.

في إصدارها السابع تركز بن علي كما يتضح من كتابات سابقة لها في الأغلب على قضايا المرأة والأسرة والمجتمع، حيث يربط بين غالبية القصص القصيرة وجود البطلة، امرأة كانت أو فتاة، المرحة القوية التي تأبى القيود وتثور على ما يفرض عليها ولا ترضاه مادام يخالف الصواب ويجافي تطلعاتها التي تأتي الحرية في القلب منها.

كما وصل بين المجموعة القصصية أسلوب الكتابة الشائق السلس الذي يتميز بلغة أدبية جميلة تتناسب مع الشخصيات والأحداث التي اتسمت بالإيقاع السريع الذي يقود كل القصص نحو نهايات تكون أحيانا غير متوقعة للقارئ، وكذلك النقلات المفاجئة في مجريات الأحداث والمرور السلس عبر الزمن بما يتناسب مع بنية القصة القصيرة دون إخلال أو إشعار للقارئ بأن هناك ما فاته دون جسر قوي بين الأحداث.

نستعرض هنا بعضا من هذه الجوانب من حيث الأفكار التي انطوت عليها بعض القصص القصيرة في المجموعة، حيث الطرح الإبداعي الذي يطبق نظرية الفن للحياة مع تركيز على القضايا المجتمعية دونما إغفال أو إهمال لجانب الإبداع والإمتاع الفني.

ففي قصة «قلب واحد وجسدان» تقارب بن علي كيف أن الحب لا يعترف بالحدود والقيود أسرية كانت أو اجتماعية وكيف التقى الحبيبان في عش الزوجية في النهاية رغم كل المعوقات بعد أن ناضلت البطلة الشابة للزواج بمكتبي مثقف ولكنه مقعد رغم اعتراض العائلة.

أما «على البحر» فتعرض بأسلوب رقيق منمنم قضايا وهواجس تخص المرأة والفتاة العربية في مجتمع يغلب على الكثيرين فيه فكر الذكورة والتي يتبين كثيرا أنها غير مبنية على حقائق أو أساس متين.

في «الغرفة 10» تعرض قصة «ضحى» مشكلة الوحدة التي تعانيها البطلة بعد فقد الأهل وكيف تحاول الخلاص منها وكذلك من أسئلة الآخرين المحرجة والمحاصرة لها، وذلك عبر الزواج من شخص يكبرها ابنه بعامين لينتهي بها الحال بمأساة.

وفي قصة «الضحية نور» تخلط بن علي بين الواقع والكابوس الذي يسيطر على فكر البطلة حيث يتم خلاله اغتصاب نور الفتاة المرحة التي تمثل وأختها أمل أبيها في الحياة.

وتنطوي القصة على رسالة تدافع عن الفتيات اللاتي يتعرض للتحرش بلا ذنب منهن أو خطأ. عبدالله وسارة يجملان في «حب لا يشبه آخر» كيف يكون أحد طرفي الحب وسيما جميل الشكل والخلق فيما الطرف الآخر أقل منه بكثير من منظور الجمال ولكن جمعهما الحب الذي لا يرى هذه الفروق، حتى إن إحدى الشخصيات في القصة تقول إنها عندما تراهما تذكر قصة «الجميلة والوحش».

الزواج التقليدي الذي لا يبنى على حب تظهر إحدى مشكلاته مع رهف التي لم يكن لظروف حياتها من اسمها نصيب، حيث تتزوج من رجل بخيل للغاية يتعدى عليها بالضرب ما يزيدها شعورا بالمهانة على ما تعانيه من تعاسة، والقصة كاملة تبدو وكأنها محاولة للإجابة عن التساؤل «هل يسرق العمر؟».

وفيما تناولت الكاتبة إمكانية أن يحط المرض رحاله على ضحاياه «على غفلة» ودون سابق إنذار، كان للحب الذي تقتله الخيانة ذكر في قصة «بلا صوت».

أما «سؤالان غريبان» فقصة تناقش موضوعا اجتماعيا مهما يتناول مسألة الحسب والنسب وأهميتها في إتمام الزيجات في مجتمعاتنا الشرقية، بينما تعرض «تحت المطر» قصة منى المصورة الصحافية التي تبدلت حياتها بعد زيارة ذات جانب إنساني إلى الهند وذلك بعدما غيرت أيضا حياة الطفل الهندي بوجا وعائلته.

«لحظة خاصة».. مساحة من الخصوصية والهدوء

تختم بن علي مجموعتها القصصية الرائعة بقصة «لحظة خاصة» التي قالت في أحد اللقاءات التلفزيونية إن لها مكانة خاصة لديها وإنها تمثلها بشكل ما. تركز الفكرة الأساسية للقصة على شخص محب للهدوء مهتم بالتفاصيل كاره للزحام والضوضاء يبحث دائما عن حماية مساحة الخصوصية المحيطة به والتي يبدو له أن الآخرين ما فتئوا يحاولون الولوج إليها لا لشيء إلا ربما لإخراجه من عالمه الخاص. شعور قد ينطبق على الكثيرين في أحايين لا تحصى. وهكذا تبرهن أن مؤلفها تضمن بين دفتيه فعلا «أكثر من حياة».

مقتطفات من القصص القصيرة

● «يتصفح أخوها الصحيفة.. يلفت انتباهه خبر يتحدث عن اغتصاب فتاة عشرينية، فيعلق قائلا: لو كانت محتشمة وعفيفة لما أثارت غريزة الرجال. فيجيبه أبوها: وماذا عن الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء والتحرش؟.. نزلت تلك الكلمات كالندى على أذن نور، فأزاحت بعض الوجع من صدرها..».

● «أخوها الذي يصغرها بعامين، ولأنه صبي لن يتعرض للإيذاء، هكذا أخبرها الجميع».

● «لا تسخر منه لأنه لم يكمل تعليمه ولم يحصل على شهادات عليا.. إنما هي بشوشة فرحة وهو يريها وطنه الكويت».

● «كانت رهف كأي فتاة تتمنى رجلا صالحا، يتحمل مسؤولية أسرة، لكنها لم تضع في الحسبان أن يكون هذا الرجل بخيلا، بخلا شديدا أحال حياتها إلى ما يشبه حياة البؤساء والمعوزين».

● «تنظر إليه واقفا مشدود القامة، يحمل تسع وردات حمراء، وفي عينيه لمعة تشبه نظرته في اليوم الأول من لقائهما، لكنها لم تكن لها هذه المرة».

● «أريد حياة تشبه حياة الآخرين، أريد حياة طبيعية، لا أعلم أشعر بالحزن فحسب.

- أخبريني لم كل ذلك؟

- أجابت بصوت مختنق: أمي ترفض أن تشتري لي حقيبة شانيل».

المصدر: الأنباء