جائزة محمود درويش لكمال بلاطة وصنع الله إبراهيم وأمجد ناصر

"مجلة جنى" أعلنت مؤسسة محمود درويش، أمس، عن فوز كل من الفنان التشكيلي الفلسطيني كمال بلاطة، والروائي والأديب المصري صنع الله إبراهيم، والشاعر الأردني أمجد ناصر، بجائزة محمود دوريش للإبداع في دورتها العاشرة، وذلك في حفل نظم في متحف الشاعر، بحضور نخبة من الشخصيات الثقافية والسياسية وممثلي المؤسسات الثقافية والفنية، وعدد كبير من المهتمين.

وأشار د. زياد أبو عمرو، رئيس مجلس إدارة المؤسسة، في حفل الاعلان عن النتائج، في يوم الثقافة الفلسطينية، الذي يتزامن مع تاريخ ميلاد درويش، إلى دور المؤسسة في مدّ جسور الإبداع بمجالاته المختلفة بين فلسطين والعالم بأسره، حيث كرّمت المؤسسة مبدعين من مختلف الدول، وستكمل مسيرتها في هذا الاتجاه، وفي مجالات أخرى.

وأكد أبو عمرو، الذي استعرض نشاطات المؤسسة في العام الماضي، على أن "الإبداع والثقافة لا يعرفان حدوداً، فنحن نكرّم المبدعين في كل مكان، ليس فقط تقديراً للإبداع، ولكن أيضاً لأننا نعتبر ذلك ساحة من ساحات كفاح شعبنا المشروع من أجل الحرية والاستقلال".

وقد سلّم الجوائز إلى جانب أبو عمرو كل من عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد، ووزير الثقافة د.. إيهاب بسيسو، وهي عبارة عن درع تكريمية ومبلغ 12000 دولار لكل فائز، تسلمها عنهم عدد من المثقفين، لصعوبة حضور الفائزين الثلاثة لحفل التكريم، فيما قدمت فرقة فيكس سوينج مجموعة من الأغاني من كلمات الشاعر وألحان الفنان سميح شقير.

كمال بلاطة
وألقى عضو لجنة الجائزة رياض كامل بياناً نيابة عن اللجنة جاء فيه ان منح الجائزة للفنان كمال بلاطة، لأن "مسيرته ومنجــزاته في مجال الإبداع والتـأْريخ للـفن الفلسطيني، تُـجسّـد وعـيـاً عميقاً بأهمية خـوْض تـجربة الحداثة على أساسٍ من الـفهم والـتـمــثـّـل والحرص على الإضافة من منظورٍ كـونيّ، لا ينقادُ للـسهولةِ والتّـكـرار. لذلك جاءت لـوحاته متدثــرة بأبعاد جمالية تجمع بين الشكل الهندسي الخـــلاب، والألوان المـنــسابة في شــرايـيـن الخطوط التي تكتسب حضوراً يصعب على الكلمات أن تـصفه. وكــأنّ كمال، في تجـربتـه التـشكيلية الـغنية والمتنوعة، يـستـوحي قـولَ دوستـويـفسكي بـأن الجمال وحـده يُـنـقذ العالــم".

وأضاف بيان اللجنة: لا شك أن وَلـَـعَ كمال بلاطة بالأدب والكتابة والترجمات التي أنجزها إلى الإنجليزية، هي تـأكيد للوشائج القوية التي جعلته يهتم بأشعار محمود درويش، حيث قام سنة 1976 بـنـشـر قصيدة " أحمد الـزعـتر" مترجمة إلى الإنجليزية من لدن رنـا قـباني، في طبعةٍ خاصة مع رسوم وضعها كمال. وفي سنة 1979، بادر إلى تنـظيم أول قـراءة شعرية لمحمود درويش في الولايات المتحدة.

وقال بلاطة في كلمة مسجلة: كنت أتمنى أن أكون بينكم في هذه المناسبة الخاصة، وهنا لا يسعني إلا أن أعبر عن سعادتي بمشاركتي إياكم بالاحتفاء بذكرى مولد هذا الشاعر الذي جسّد فلسطين، وكان من أوائل من طبع اسمها على خريطة الشعر العالي، معرباً عن أسى لأمنية لم تتحقق بلقاء درويش، ولو لمرة واحدة، على أرض الوطن، متحدثاً عن لقاءاته المتعددة في عدة عواصم بمن حملت الجائزة التي منحت له اسمه.

صنع الله إبراهيم
وفي مسوغات فوز الروائي والأديب المصري صنع الله إبراهيم بالجائزة، جاء في البيان: يعد صنع الله إبراهيم كاتباً طليعياً سباقاً، يحسب في مصاف الكتاب الذين انشغلوا بقضايا الحرية والعدالة، وقضايا الإنسان العربي الجوهرية والمصيرية، والبحث عن الشكل الجمالي المناسب للتعبير عن هذه الرؤية.

وجاء في بيان اللجنة: يتميز صنع الله إبراهيم بغزارة الإنتاج الروائي، وتنوع كتاباته التي تجمع بين الطاقة التخييلية، والتوثيق التاريخي، والنقد الاجتماعي والسياسي، والجرأة الفنية. كما إنه يعد من أهم كتاب جيل الستينيات الذين سعوا إلى تطوير الرواية العربية عن طريق التجريب والتجديد، والبحث عن شكل أدبي يوائم الواقع العربي المعيش، وكشف تناقضاته، كما التزم في أعماله كلها بمناوأة الإمبريالية في أشكالها كافة، والدعوة إلى التحرر من التبعية.

وأضاف: يعد صنع الله إبراهيم ظاهرة أدبية خاصة في واقعنا الأدبي، فهو من أكثر الكتاب استقلالاً، وبعدا عن الدوائر والمؤسسات الرسمية ككاتب ومثقف، كما أنه من أكثر الكتاب إخلاصا للكتابة وتفرغا لها، وسعيا إلى تحقيق إضافة نوعية في مجال الرواية، فقد عمد إلى كسر قواعد المنظور الروائي السائدة في الرواية الواقعية التقليدية، وتغيير تراتب أهمية التيمات والأحداث، وابتكر تقنية " الكولاج" الروائي الذي يُوَلّف بين عناصر متباينة، تتراوح بين التسجيلي والتخييلي، بالإضافة إلى دقة رسم المشاهد بلغة تداولية دالة، وخالية من الزخرف البلاغي، وذلك من خلال الجمل القصيرة الواصفة لتفاصيل الحياة اليومية العادية التي تبدو عابرة، لكن لها مدلولها التوثيقي، فيما يصنع تراكمها حالة معرفية أو إدراكاً جديداً للواقع الذي يصوره.

ومما جاء في كلمة صنع الله إبراهيم المسجلة: من الرائع أن يرتبط اسمي باسم محمود درويش الذي عبرت مسيرته المهيبة عن أشواق ومعاناة الشعب الفلسطيني العظيم، بل والشعوب العربية جمعاء وكافة المضطهدين والمستغلين في العالم.

وأضاف: لقد فارقنا محمود درويش مبكراً. وإني لأتساءل إذا لم يكن محظوظاً في هذا الفراق المبكر كي لا يشهد ما وصلت إليه أمورنا الآن؟ .. القدس وقد أصبحت عاصمة للمحتل.. اليمنيون تذبحهم طائرات التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات بدعم أميركي .. المغتصب التاريخي لشعوبنا يصبح حليفاً (...) هذا بعض من كل (...) دوام الحال من المحال ولكل مغتصب وقاهر، ولكل سلطان، دائماً نهاية، ولو بعد حين.. أشكركم وأتطلع إلى رؤياكم في وطن حر.

أمجد ناصر
وجاء في مسوغات اختيار الشاعر الأردني أمجد ناصر، أنه شاعرٌ غمسَ نصوصه في مياه "التجربة" بوجوهها المتعددة، تجربة حياة عاشها، وما يزال، غير هَيَّاب من أعدائها كافةً؛ فكانت موقفاً نضالياً نبيلاً لا لبسَ فيه. وتجربة الاشتغال الواعي على تخليق قصيدة لا تشبه سواها، بقدر ما تماثلُ شاعرَها، وروحه التائقة إلى حُريّةٍ يبثها فيها رَسْماً، ولغةً، وبوحاً رائقاً عنه وعنّا، في الوقت نفسه.

وأضاف بيان اللجنة: لم يفصل أمجد ناصر مغامرةَ حياته المترحلّة بين المدن والقارّات، شرقاً وغرباً، عن مغامرة كتابته الذاهبة نحو آفاقٍ وأركان تتلبسها إنسانيةٌ فَصيحةٌ ذات أبعادٍ ثلاثة: الجمال البائن، والبساطة السلسة، والعُمق الدافئ.

ووصفه البيان بأنه ناشط وصاحب تأثير ثقافي وسع الخريطة العربية، من خلال إشرافه على عدد من الصفحات الثقافية في غير مجلة وصحيفة، وآخرها الموقع واسع المقروئية "ضفة ثالثة".. وهو إنسانٌ واجهَ تحديات ما تُسمّى "الحياة كسردٍ متقطِّع" (عنوان أحد نصوصه الطويلة) وأحيائها بسلاح الصِدق غير المجامل، وما يزال "منذ جلعاد يصعد الجبل" (عنوان مجموعته الثانية) على "سُنَّة" هذا الصعود بلا توقف.

ومما قاله أمجد ناصر في كلمة مسجلة له: لم أسمع خبراً سعيداً في هذه الفترة الصعبة في حياتي مثل الشرف الذي أسبغته علي مؤسسة محمود درويش بوضعها هذا الوسام المرموق على صدري وفي طليعة سيرتي الذاتية. فشكراً جزيلاً.

وأضاف: ليس صعباً التحدث عن هذه الجائزة، يكفي أنها تحمل اسم محمود درويش الذي يختصر في اسمه وشعره كل معاني الأرض والإنسان والجمال والحياة والحرية غير المشروطة.

وأكد صديق درويش: كان يمكن لمحمود درويش أن يطمئن الى منجزه الشعري الذي صنع شهرته الجماهيرية ولكنه لم يفعل. كان يمكن له أن يكتفي بفلسطين رافعة لشعره ولكنه، أيضا، لم يفعل.. لماذا؟ .. لأنه شاعر حقيقي.. منذ البدء كان محمود درويش شاعراً حقيقياً، كان يمكن تمييزه، بلا صعوبة، وسط كوكبة شعراء فلسطين المحتلة العام 1948 الذين وصلتنا أصواتهم في أواسط ستينات القرن الماضي، وأعطاها التلقي العربي المباغت بهؤلاء الشعراء اسم "شعر المقاومة". كان واضحاً، مذاك، تفلّت شعر درويش نحو التحقق الفني، الى جانب التحقق "الوظيفي "، بل ربما قبل هذا الأخير.