المقدسية الرائدة هند الحسيني

رياديات عبر التاريخ

رواد مقدسيون المقدسية الرائدة هند الحسيني (1916 – 1994م)

من رائدات التربية والعمل التطوعي والاجتماعي في فلسطين بقلم : أوس داوود يعقوب*

لا ينسى الفلسطينيون يوم قالت هند الحسيني في 25-4-1948م - تاريخ المجزرة البشرية في قرية «دير ياسين»: «لم يكن في جعبتي يومها سوى (138) جنيهًا فلسطينيًا .. آليت على نفسي أن أعيش بهم والأطفال أو أموت معهم  إذ تصورت وكأن الشعب الفلسطيني سوف يمحى وينقرض....لو مات الأطفال!! وكيف يمحى شعبنا العظيم!؟ .. لا.. وألف لا....! ».

تعد الرائدة التربوية والناشطة الاجتماعية المناضلة هند طاهر الحسيني .. من أبرز السيدات المقدسيَّات اللواتي كرسنَّ حياتهنَّ لخدمة شعبنا الفلسطيني، ورعاية الأيتام والفقراء وأبناء الشهداء، فكانت نموذجاً فريداً للمربية والمعلمة والأم المخلصة لأمتها ووطنها.
وقد قضت (رحمها الله) معظم حياتها في خدمة مؤسسة «دار الطفل العربي»، وعملت جاهدة على توفير كل ما يلزم صمودها وتطورها من دعم ومال بمساعدة أصدقائها والمانحين من شتى أنحاء العالم.

ولما شعرت أنها بحاجة إلى معلومات تربوية واجتماعية أوسع وأحدث لتعينها على حمل مسؤولية الأجيال، التحقت بجامعة «هامبرغ» ـ ألمانيا، ثلاث سنوات متتالية (63، 64، 1965م)، ولمدة أربعة أشهر في كل سنة.
ومع أن السيدة هند الحسيني، أعطت الجانب الاجتماعي الإنساني جلّ اهتمامها، إلا أنها لم تغفل عن مجريات الوقائع المؤسية التي كانت تتالى على فلسطين، فخلال حرب الستة أيام سنة 1967م، وعندما احتلال مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، كانت السيدة (هند) قد حوّلت المدرسة مستوصفًا لعلاج الجرحى، فكانت ترتدي الزي الأبيض، وتضع الصليب الأحمر على ذراعها، وصارت تجول في القرى والبلدات لجمع الأطفال والمسنين.
ولم يسلم مقر مؤسسة «دار الطفل العربي» من اعتداءات العدو الصهيوني، إذا تم قصفه، ودمر نصفه بالكامل، وقام الصليب الأحمر النرويجي بالمساعدة لبنائه.
وعندما سمعت هند الحسيني روايات مفادها أن زوجة الإرهابي موشيه دايان كانت تتجول في القرى وتشتري إنتاجهم التراثي!.. فما كان منها؛ أي (هند)، إلا أن سافرت إلى القرى، واشترت منهم أشغال تطريز وقطع عتيقة، ومن ثم فكرت بإنشاء متحف للتراث الشعبي الفلسطيني.
وكانت (هند) أنموذجًا للمرأة الفلسطينية التي قامت بدورها النهضوي والنضالي، بالإضافة لدورها التقليدي وهي تقوم بتربية بنات وأولاد الجيل الذي سيقوم بمواصلة العمل الوطني، في مرحلة ما بعد النكبة.
يقول الصحفي الأستاذ أحمد جلال: «لعبت المرأة المقدسية دورًا كبيرًا على الصعيدين السياسي والوطني، وحين نتذكر المقدسيات نشاهد أياد بيضاء، ترفع ألوية للعلم خطت عليها كلمتان دخلتا التاريخ من أوسع أبوابه، هما عنوان لمقدسية فاضلة تدعى هند الحسيني، أحد أعمدة وأعلام التربية والتعليم والاجتماع في فلسطين، كرست جل عمرها لخدمة شعبها ورعاية الأيتام، وعرفت كمربية فاضلة يشار إليها بالبنان» .
وفي العام 2010م اختارت المخرجة الفلسطينية ساهرة درباس أن تروي في فيلمها الوثائقي «كان في جعبتي 138 جنيها» قصة عطاء السيدة هند الحسيني بدون حدود في رعاية الأطفال الأيتام.
تقول (درباس): «اخترت هند الحسيني لعمل فيلم عنها لأنها نموذج لامرأة استطاعت أن تقوم بعمل تعجز مؤسسات عن القيام به. لابد من التعريف بها وبما قامت به في خدمة أناس كانوا بأمس الحاجة للمساعدة».
وتلقب السيدة هند الحسني بـ«الأم تيريزا» فلسطين، وتحكي ربى جبرايل، في كتابها «ميرال» عن السيدة (هند) فتقول: «بالفعل، كانت مؤسسة رعاية كاملة» .

الميلاد والنشأة:
ولدت (هند) في مدينة القدس الشريف في 25 نيسان (إبريل) 1916م، وكانت في الثانية من عمرها عندما توفي والدها المرحوم طاهر الحسيني . فجاهدت الأم كثيرًا حتى ربت وعلمت (هند) وإخوتها الذكور الخمس مما زرع في نفس الصغيرة أثرًا كبيرًا انعكس على حياتها العملية بعد ذلك.
درست في مدرسة «البنات الإسلامية» - الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك، وأنهت الدراسة الابتدائية عام 1922م، ومن ثم التحقت في المدرسة الإنجليزية الثانوية للبنات وتخرجت منها في عام 1937 لتعمل بعد ذلك في حقل التعليم.
وفيما بين العامين (1936 – 1939م)، أي خلال الإضراب العام الفلسطيني، والثورة ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والمشروع الصهيوني، حصلت (هند) على منحة دراسية في بريطانيا، ولكن والدتها لم تسمح لها، لأنها كانت فترة حرب. فدرست آداب اللغتين العربية والإنجليزية عام 1938م دراسة خاصة.
عملت (هند) مدرسة في مدرسة «البنات الإسلامية» لمدة سنة دراسية، وتوقفت عن التدريس إثر اندلاع الحرب العالمية الثانية لفترة قصيرة، ثم واصلت التدريس حتى نهاية العام الدراسي 1945م.
وفي العام (1944 – 1945م) كان للنساء الفلسطينيات أن أنشأن حركة تدعى «جمعية الاتحاد العربي النسائي» في القدس، والتي نشرت فروعها في أنحاء فلسطين ووصل عددها (22) فرعًا... فتركت (هند) التعليم، وبدأت مرحلة العمل الاجتماعي التطوعي، وقامت مع مجموعة من النساء بدراسة لأحوال الأطفال في المدن والقرى التي وجدن فيها الأطفال مهملين، فقمن بتنظيم جمعيات محلية، وبساتين أطفال، ومراكز مكافحة أمية، وتعليم خياطة في عدد من مدن وقرى فلسطين.
وبعد التصويت على قرار تقسيم فلسطين، في الأمم المتحدة، قبيل نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1947م، اندلع القتال بين الفلسطينيين والعصابات اليهودية. وحتى عام م1949 كان قد طُرد وشُرِّد (750 ألف) لاجئ فلسطيني من بلدهم، وتقطعت أوصال البلاد، توقفت الجمعيات عن العمل الخيري، وحدث الكثير من المآسي، والتي كان أكثرها وحشية مذبحة «دير ياسين» .
فقامت (هند) وبمساعدة من السيد عدنان أمين التميمي بجمع (55) طفلاًً وطفلة من أيتام دير ياسين، ووضعتهم في غرفتين في سوق الحصر بالبلدة القديمة، ولم يكن في جعبتها يوم ذاك سوى (138) جنيهاً فلسطينياً، وآلت على نفسها أن تعيش بهم أو تموت بهم.
وقالت قولها المأثور: «أقسمت إما أن أعيش معهم أو أموت معهم»، حيث تخيلت أن أولئك الأطفال إن ماتوا فكأنما زال كل المجتمع الفلسطيني «وكيف يباد شعبنا الفلسطيني العظيم، لا وألف لا.. » قالت (هند).
ولما هدأت الأمور نسبيًا إثر اتفاقية الهدنة الثانية، قامت في في الخامس والعشرين نيسان (إبريل) 1948م قررت (هند) تأسيس جمعية خيرية لخدمة الأطفال الأيتام والمحتاجين الفلسطينيين من خلال توفير الرعاية والإقامة والغذاء والترفيه لهم. وأطلقت عليها اسم «مؤسسة دار الطفل العربي» ، وقد تم تسجيلها في السابع من تمّوز (يوليو) عام 1965م في سجلات العمل لوزارة الشؤون الاجتماعية الأردنية برقم (ج 254) كجمعية خيرية. كما تم تسجيلها كجمعية خيرية لدى السلطة الفلسطينية في السادس من كانون الثاني (يناير) 2010م.
يقول رجل سبعيني من الناجين من المجزرة: «لم تعد دير ياسين في الجغرافيا. أكلتها (غيفعات شاوول). هي اليوم ضاحية خاصة لليهود الأرثوذكس، حيث يطيب لهم لعب الكرة وإجراء المباريات»... إنما، على مقربة من المكان، تحوّلت المقبرة إلى مزبلة، إلى مكب كبير للنفايات. وغير بعيد عنها، مستشفى للأمراض العقلية .. وخلف الأسلاك الشائكة هناك، يقع منزلنا. لا يزال المنزل حياً يرزق، غير أن المقيمين فيه مجانين. لقد حوّلوه إلى مأوى للمعتوهين».
ويضيف: «ذات يوم، جاءت «أمنا تيريزا». نحن الفلسطينيين، لدينا «الأم تيريزا». وهي تحمل اسم هند الحسيني. هبطت علينا من السماء، وكأنها ملاك مرسل. حكينا لها رعب المجزرة. ومن يومها لم تتركنا. أخذتنا واعتنت بنا. وأنشأت بعد ذلك، «بيت الطفل العربي» في بيتها. في حي الشيخ الجراح، حيث تعلمت كيف أحيا، مرة أخرى» .
ويروي السيد عدنان عقيل الناجي أيضًا من المجزرة، في كتاب «ميرال»: «عند بوابة حيفا، وضعونا، نحن يتامى المجزرة. كنا حوالي خمسين طفلاً. لا آباء ولا أمهات. داشرون في الأمكنة. طفرنا إلى المجهول، تسوّلنا. طلبنا خبزاً وماءً وكساءً. عضنا البرد القارس. تيبست ثيابنا علينا. شعر رأسنا صار مقرفاً... جعنا ولم نأكل. بكينا ولم يسمعنا أحد... وأشد ما كان يثير فينا الهلع، هو صوت طفل يسأل عن أمه، وآخر يسأل عن أبيه، وآخرون يجهشون حتى النوم عياءً. ولم يكن أحد يجرؤ على كشف مصير الأهل. الكل كان يعرف أنهم قتلوا في المجزرة» .
ولما انتظمت المدارس قامت (هند) بتوزيع الأطفال الذين جمعتهم على الصفوف المناسبة لسنهم لتلقي العلم، ثم وجدت أن الأنسب لهم فتح صفوف دراسية في حرم المنزل الذي يقيمون فيه، فاستخدمت «الكراج»، و«مأوى الخيول»، و«مبيت سكن ساسة الخيول»، كصفوف مؤقتة, ليكون هؤلاء الأطفال تحت إشرافها مباشرة.
ولقد طرقت السيدة هند الحسيني أبواب العديد من الدول والمؤسسات العربية والأجنبية لتجمع التبرعات ونذرت نفسها لخدمة مجتمعها إلى أن تمكنت في عام 1961م من بناء دور التسوية، والطابق الأول من عمارة المدرسة بتبرع من شركة (أرامكو) في الظهران. وفي عام 1965م بني الطابق الثاني للمدرسة بتبرع من (آل الشايع) في الكويت.
وفي عام 1969م تم بناء الطابق الثالث من عمارة المدرسة وصفوفها الابتدائية
والإعدادية والثانوية وقسم المنزل الداخلي حيث يقيم بعض الطالبات اليتيمات.
وفي عام 1970م تم بناء عمارة الأطفال بتبرع من «الكنيسة الألمانية اللوثرية»، وتدرجت «الجمعية» إلى أن أصبحت حيًا بأكمله تملك ست عمارات وتحتوي على الأقسام التالية:
 - الحضانة و الروضة.
 - المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية وقسم الكمبيوتر
   والسكرتارية.
 - القسم الداخلي.
 - قسم الخياطة.
 - متحف التراث الشعبي الفلسطيني: وأنشئ عام 1960م.
وفي عام 1971م تم إنشاء «معهد التربية والخدمة الاجتماعية».
وفي عام 1982م تم بناء «كلية الآداب للبنات» بمساعدة من «منظمة المؤتمر الإسلامي»، وقد انتظمت هي فيها الدراسة بنفس العام بتخصصات ثلاث مدة الدراسة في كل منها أربع سنوات يمنح الطالبة في نهايتها شهادة «البكالوريوس» في الآداب، وهي اللغة العربية وآدابها، اللغة الإنجليزية وآدابها والخدمة الاجتماعية.
وفي عام 1992م تم شراء بيت الأديب الفلسطيني الكبير المرحوم إسعاف عثمان النشاشيبي ، وتم إعداده ليكون «مركزًا للأبحاث الإسلامية»، ويضم المركز الآن العديد من المخطوطات النادرة التي تم تحقيق بعضها.  كما أصدرت مجموعة من الكتب القيمة، وفيه جهاز لتعقيم المخطوطات وقتل الحشرات والديدان القارضة، وهي من الأجهزة الحديثة التي لا يوجد لها نظير في فلسطين.
ويسعى المركز لتحسين أدائه في مضمار فروع ترميم الوثائق والمخطوطات وصيانتها ولذلك يقوم بإرسال الموظفين لتلقي أحدث الطرق والأساليب العلمية لإتقان هذا العمل كما ينوي استقدام خبراء في هذا المضمار .
وفي عام 1991م افتتحت المؤسسة «معهدًا للآثار الإسلامية» يمنح الخريجين درجة «الماجستير» في الآثار، يركز أكثر على الآثار الإسلامية في القدس خاصة، وفي فلسطين عامة. ومن الجدير ذكره أن «كلية الآداب» و«معهد الآثار» و«مركز الأبحاث» ضموا إلى «جامعة القدس» منذ سنة 1994 وتم توحيد جميع كليات «جامعة القدس» إداريًا وأكاديميًا وماليًا سنة 1995م.
وهكذا تدرجت «مؤسسة دار الطفل العربي» حتى أصبحت تشكل حياً تعليماً كاملاً.
وقد كانت «المؤسسة» وما زالت تعتمد في ميزانيتها على تبرعات أهل الخير في الداخل والخارج ولجان دار الطفل الموجودة في (السعودية والأردن وأميركا وألمانيا والسويد).
أما الأقساط المدرسية فهي لا تسد إلا الجزء البسيط من الميزانية، لأن الإعفاء يشمل جميع اليتيمات الداخلي والخارجي، كما يشمل الأولى والثانية من كل صف، وكذلك الحالات الاجتماعية الصعبة، وتعفى بنات الموظفين من نصف القسط. 
 وبالإضافة إلى مسؤوليتها عن دار الطفل العربي، فقد شاركت (هند) في عضوية العديد من الهيئات الاجتماعية والتعليمية، وكانت عضوًا فخريًا لدى عدة مؤسسات تعليمية واجتماعية منها:
  - مجلس إدارة الفتاة اللاجئة.
- مجلس إدارة جمعية المشروع الإنشائي.
- جمعية مجلس إدارة جمعية اليتيم العربي.
- مجلس أمناء  جامعة القدس.
والراحلة هند الحسيني من مؤسسي «جمعية المقاصد الخيرية» في القدس، ورئيسة مجلس أمناء «كلية الآداب للبنات – جامعة القدس», المنبثقة عن «مؤسسة دار الطفل العربي».
ويوم أدرك المجتمع الدولي أهمية تجربة (هند)، بدأ يدعوها لمؤتمراته، فشاركت في عدد من مؤتمرات خبراء التدريب المهني، ودور المرأة في النهوض بالمجتمع، والدراسات الاجتماعية، في لبنان ودمشق وعمان. ومن هذه المؤتمرات:
?مؤتمر خبراء التدريب المهني للشرق الأوسط وعقد عام 1952م في لبنان وقدمت فيه تجربتها «دار الطفل والحقل الاجتماعي».
?حلقة الدراسات الاجتماعية الثالثة للدول العربية وعقد عام 1952م في دمشق بصفة مراقب.
?حلقة الدراسات الاجتماعية للدول العربية في عمان عام 1956م.
?الحلقة الدراسية عن دور المرأة الريفية واشتراكها في برنامج النهوض بالمجتمع الريفي وتنمية المجتمع في العالم العربي عام 1959م.
وقد حصلت السيدة هند الحسيني على عدة أوسمة على نشاطها الاجتماعي الرائد، منها:
?1964م: وسام (البابا بولص الرابع) بمناسبة زيارة القدس.
?1980م: وسام (أديلاي دستوري التقديري الإيطالي) للسيدات الرائدات في العالم.
?1985م: وسام (الكوكب الأردني) للتربية والتعليم.
?1989م: وسام (الدرجة الأولى) من الحكومة الاتحادية الألمانية.

توفيت السيدة هند الحسيني في عام 1994 إثر مرض عضال. رحم الله الفقيدة وأدخلها فسيح جنانه إن شاء الله.
وجاء في كلمة للدكتور حاتم اسحق الحسيني (رحمه الله) في وداعها بتاريخ 4 تشرين الأول (أكتوبر) 1994م: «إن جميع العاملين في «مؤسسة دار الطفل العربي» وعلى رأسهم مجلس الأمناء يحملون الأمانة وسيستمرون في المسيرة التي بدأتها هند الحسيني. فذكراها سوف تبقى حية عبقة من خلال عمل جميع تلامذتها وأصدقائها ومحبيها الذين سيحققون لها كل أهدافها المنشودة»
وتقديرًا لدورها البناء في تعزيز دعائم النهضة التربوية والتعليمية، حملت  إحدى الكليات في قلب مدينة القدس اسم «كلية هند الحسيني للبنات»، وهي التي تم
بناؤها تحت اسم كلية الآداب للبنات في العام 1982 م بمساعدة من منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي العام 1994م حملت الكلية اسم «مؤسسة دار الطفل»، ثم أصبحت تدعى فيما بعد «كلية هند الحسيني للبنات». وفي عام 1995م انضمت فعليًا إلى جامعة القدس لتضم ثلاث دوائر رئيسة هي: «دائرة الخدمة الاجتماعية، ودائرة اللغة العربية وآدابها، ودائرة اللغة الانجليزية وآدابها». كما افتتحت في الكلية دائرتان أكاديميتان هما: «دائرة التاريخ، ودائرة التربية الابتدائية ورياض الأطفال»، فأصبحت بذلك تضم خمس دوائر رئيسة .

?متحف التراث الشعبي الفلسطيني:
عملت السيدة هند الحسيني في أوائل الستينات على جمع الثياب المطرزة القديمة من مناطق مختلفة من فلسطين، ومع مرور الأيام تجمع لديها العديد منها، وبدأت فكرة إنشاء متحف شعبي تراودها، وذلك للحفاظ على تراثنا الشعبي من الضياع والاندثار، وهكذا أفردت للمتحف عمارة قديمة بنيت عام 1780م وعرضت فيها ما جمعته من قطع نادرة بلغ عددها (2200) قطعة في ذلك الوقت، ودأبت على إثراء المتحف، كلما أتيحت لها الفرصة لزيادة مقتنياته. 
ويتميز المتحف ببنائه التراثي العائد إلى القرن الثامن عشر, وبما يحتويه من مجموعة ثمينة ونادرة من الأزياء والحلي الفلسطينية وأدوات الحرف التقليدية والقطع الأثرية. و قد زاره منذ تأسيسه الآلاف من الطلاب والوفود المحلية والأجنبية, ولا زال معلمًا من معالم الشطر الشرقي لمدينة القدس المحتلة.
ويهدف المتحف إلى حفظ التراث الشعبي الفلسطيني من الضياع والنهب والتشويه وعرض هذا التراث بأسلوب يليق به وإبراز الجوانب الحقيقية له التي تتعرض لمحاولات الطمس والسرقة وعرضه بأسلوب علمي حديث يجعل من المتحف صرحًا تربويًا و مرجعًا للباحثين ووسيلة لتعليم الأجيال الصاعدة
وتعريفهم بتراثهم الذي هو هوية انتمائهم لأرضهم.
ونسرد ها هنا فكرة إنشاء المتحف، نصًا كما جاءت في كلمة المرحومة السيدة هند الحسيني في كتاب «مركز التراث الشعبي الفلسطيني»، من تأليف المرحومة السيدة زينب جواد الحسيني, أول من تولت إدارة المتحف:
«حرصت مؤسسة دار الطفل العربي بالقدس منذ تأسيسها عام 1948م إثر مجزرة دير ياسين على الحفاظ على الشعب الفلسطيني من الضياع و ذلك بالحفاظ على أبنائه, كما حرصت على حفظ تراث الشعب الفلسطيني فأخذت تعمل قدر المستطاع منذ البداية على جمع ما أمكن من التراث الشعبي وكان قصدها في ذلك الحين الاحتفاظ بالثياب والألبسة الفلسطينية على اختلاف أنواعها لارتدائها من قبل الأطفال والطالبات في المناسبات والحفلات الشعبية.
 وعليه طفنا مخيمات اللاجئين وبعض مدن فلسطين في الضفة الغربية (ومنهم المغفور لها الحاجة عندليب العمد رئيسة الاتحاد النسائي في نابلس) وفي البلاد المضيفة للاجئين ومنهم السيدة نجوى الحسيني نسيبة على القيام بجمع ما ندر من ثياب و حلي. وإذ بها فجأة وبمرور الزمن تجد خزانة ثياب الحفلات تزخر بروائع التراث الشعبي وخاصة الثياب المطرزة, النادرة التي يرجع تاريخها معظمها لحوالي المئة عام مما حدا بها إلى التوقف عن استعمالها لندرتها وقيمتها التاريخية وعليه بدأنا عام 1962م بفكرة إنشاء مركز شعبي فلسطيني.
وقررنا أن يكون المركز فرعًا هامًا من فروع هذه المؤسسة الاجتماعية التربوية ليطلع عليه أبناء هذه الدار خاصة وباقي أبناء الشعب الفلسطيني عامة ليزدادوا إيمانًا و فخرًا بماضيهم وتاريخهم المتمثل بتراثهم الشعبي الأصيل المنبثق من طبيعة بلدهم فلسطين, كما يكون مدرسة للباحثين من العلماء ممن يهمهم ذلك للوصول بأبحاثهم إلى جذور كل من شعوب الأرض.
انتشرت قصة هذه البادرة فأخذ من وصل إليهم خبرها يتحفنا بما لديه من روائع أثرية حتى اكتظ بها المخزن. وضاق بمحتوياته فاستأجرنا غرفتين من دار مجاورة إلى أن ازدادت مباني دار الطفل وتمكنا من انتقاء إحدى دورها الأثرية القديمة ليكون قسمها الأرضي دار للمركز الشعبي العربي الفلسطيني متوخين بذلك إعطاء صورة حية عن الفلسطيني وحياته في مدينته وقريته ومضارب خيامه منذ مئات السنين وحتى يومنا هذا.
أرجو أن تكون البداية طيبة تليق بتراثنا الأصيل وأن تمكننا أحوال مؤسسة دار الطفل المادية من التوسع مستقبلاً لتصبح تلك الدار القديمة بأكملها خاصة بالمركز الشعبي العربي الفلسطيني سيما وتاريخ بناء تلك الدار يزيد على المئة سنة أيضًا.
... تصنيف محتويات المتحف ضمن التوجيهات التالية:
الأول: الثياب والمجوهرات من مختلف مناطق فلسطين وفق التسلسل الزمني.
الثاني: غرفة الضيافة في البيت المقدسي والأثاث التقليدي.
الثالث: أدوات الزراعة والصناعة والأسلحة.
الرابع: الفخار والنحاس.
الخامس: غرفة عرض لبعض مقتنيات المرحومة هند الحسيني».

?تكريم بصري .. «كان في جعبتي 138 جنيهًا»
أشارت المخرجة ساهرة درباس ، صاحبة «كان في جعبتي 138 جنيهًا فلسطينيًا.. قصة هند الحسيني» لوكالات الأنباء العالمية أن «إنتاج هذا الفيلم، الذي يمتد (20) دقيقة احتاج منها إلى عامين من البحث والتنقيب عن مواد أرشيفية بمساعدة باحثتين من جامعة «بيرغن» النرويجية وهما (إنغا ماريا أوكنهاوغ) و(نفيسة نجيب)».
 ويتضمن الفيلم الذي يسرد حكاية هند ضمن تسلسل تاريخي صورًا بالأبيض والأسود لمجموعة من الأنشطة التي كانت تقوم بها من أجل جمع الأموال اللازمة لإتمام مشروعها الذي بدأته بعد عام 1948م لتوفير مأوى لخمسة وخمسين طفلاً يتيمًا.
ويذكر الفيلم نقلاً عما كتبته (هند) في مذكراتها أنها مرت بمجموعة كبيرة من الأطفال كانوا الناجين من (مذبحة دير ياسين) ولم يكن في جعبتها سوى (138) جنيهًا فلسطينيًا ومع هذا قررت أن تعيش مع خمسة وخمسين طفلاً أكبرهم كان عمره 12 عامًا وأصغرهم سنة واحدة.
وتقدم (درباس) في فيلمها بطريقة مكثفة كيف تسلسلت الأحداث منذ ما قبل عام 1948م مرورًا بالحديث عن النكبة عندما هُجرَّ (750 ألف) فلسطيني من منازلهم قسرًّا في الحرب التي انتهت بالإعلان عن قيام المسماة (إسرائيل).
ويعرض الفيلم صورًا للنازحين الذين غصت بهم مدينة القدس قبل احتلالها عام 1967م مع الإشارة إلى الأعمال التطوعية التي كانت تقوم بها (هند) في مساعدة الجرحى والبحث عن الأطفال وكبار السن الذين لم تبقِ لهم الحرب مأوى.
ويبين الفيلم كيف نجحت (هند) في تحويل منزلها في بداية الأمر إلى دار لرعاية الأيتام لتؤسس لهم بعد ذلك مدرسة يتعلمون فيها ويسكنون ليصل عدد الأطفال فيها بين عامي (1958 و1975م) إلى (350) طفلاً وطفلة من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة يحظون بالرعاية والاهتمام والتعليم.
ويسرد الفيلم كيف أثرت الأحداث السياسية التي شهدتها الأراضي الفلسطينية في تناقص عدد الأطفال المستفيدين من هذا المشروع الإنساني فبعد الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987م بدا الأطفال من غزة يجدون صعوبة في العودة إلى القدس بسبب صعوبة التنقل.
ويوضح الفيلم انه بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000م لم يتمكن أهالي الأطفال من الضفة الغربية من الوصول إلى القدس لزيارة أبنائهم أو أخذهم لتمضية الإجازات لديهم مما كان يضطر المؤسسة التي حملت اسم «دار الطفل العربي الفلسطيني» إلى إيصال الأطفال إلى حواجز قوات الاحتلال الصهيوني من جهة القدس ليكون أقاربهم في الجهة الأخرى من الحاجز لاستلامهم.
ويضيف الفيلم أن «الجدار البشع» الذي أحاطت به سلطات الاحتلال مدينة القدس فصل بين الأطفال وعائلاتهم «لا شيء يمكن أن يفصل بين الأطفال وعائلاتهم سوى هذا الجدار القبيح».
ويعرض الفيلم صورًا لأطفال يبكون لأن أهلهم لم يأتوا الى زيارتهم. وتنتقل كاميرا الفيلم بين غرف الأطفال التي تبدو معظم الأسرة فيها فارغة لتوضح السيدة (هداية الحسيني) المسؤولة في هذه المؤسسة «لا يوجد لدينا اليوم سوى (33) طفلاً لقد كان لدينا (350) طفلاً. هذا بسبب الجدار القبيح».
ويتطرق الفيلم إلى التعايش الإسلامي المسيحي في هذه المدرسة التي كان العدد فيها يكون مناصفة بين الجانبين وتذكر السيدة (هداية): «الأطفال كانوا يحتفلون معا بأعياد الميلاد وبأعياد المسلمين».
يقول الناقد السينمائي بشار إبراهيم: «سيبدو واضحًا أن لدى الفيلم الكثير من المعلومات عن السيدة هند الحسيني. وإن اقتصرت الشهادة الرئيسة، في الفيلم، على السيدة (هداية الحسيني) ، التي عاشت في الدار إلى أن صارت الآن «مديرة القسم الداخلي» فيها. وسيردف الفيلم المعلومات عبر محاولات فنية متعددة، على المستوى البصري، ينال قسطها الأكبر، ما جرى من تصوير في الدار الآن، إضافة إلى الصور الفوتوغرافية، لمواقف ومحطات من حياة لسيدة هند الحسيني، التي عاشت فترة صاخبة من حياة فلسطين، منذ مطالع الثلاثينيات، وحتى منتصف التسعينيات، من القرن العشرين، أي ما بين يقظة فلسطين، ونكبتها، ونكستها، ومن انتفاضتها. قبل أن تحط على شاطئ أوسلو» .

وخير ما نختم به مقالتنا هذه عن السيدة هند الحسيني بعضًا من أبيات من قصيدة بعنوان: «في موكب الأبطال»، للشاعرة الفلسطينية وداد مصطفى، والتي نظمتها للفقيدة (هند):
أقول الشعر فيك و لا أبالي            فإن لديك موفور الخصال
إذا ما سمي الأبطال يوما            مكانك يعتلي صدر المقال
كفاحك خالد بخلود أرضي            و أفعال بتخليد النضال
فدار الطفل تحتضن اليتامى        و تحمي التائهين من الضلال
و صرح العلم إشعاع لهدي        عطاء دائم و بلا زوال