صورة المرأة المصرية... مسرحياً

نبيل بهجت يرصد ملامحها في «تناقضات الخطاب والنص»

"مجلة جنى" عن الهيئة المصرية للكتاب؛ صدر للناقد المسرحي نبيل بهجت كتاب جديد بعنوان «تناقضات الخطاب والنص»، يرصد فيه صورة المرأة في الأعمال المسرحية المنشورة في الصحف المصرية في الفترة من 1923 إلى 1952.
وتسعى هذه الدراسة للتعرف على صورة المرأة في الأعمال الدرامية التي نشرت في الصحف المصرية، حيث اهتم عدد كبير من الكتاب بنشر أعمالهم الدرامية والقصصية في الصحف والدوريات المصرية، ما أدى إلى انتشارها وذيوعها في تلك الفترة وأصبحت لوناً أدبياً مألوفاً آنذاك. وتنوعت هذه الأعمال بين الحواريات والأشكال المسرحية، التي استخدمت الحواريات وسيلة للنقد الاجتماعي والسياسي في بداية القرن الماضي. كما ارتبط العنوان الرئيسي لتلك الأعمال المنشورة بموضوع العمل بشكل مباشر، وصاحب أغلب الأعمال رسم لأحد المشاهد المسرحية، ويبدأ العمل غالباً بوصف المنظر من خلال إرشاد وينتهي بعضها بكلمة «ستار» في محاولة لمسرحة العمل، وتميزت هذه الأعمال بالتكثيف، والانتقال السريع للأحداث وصولاً للنهايات، واعتمدت على الشخصيات التي كانت تُستدعى من مخزون الدراما وغيرها من الشخصيات النمطية، خاصة التي تزخر بها المخيلة التراثية والذاكرة الشعبية، وكانت الرسائل واضحة ومباشرة وخطابية، معتمدة على الأحكام الأخلاقية لإبراز ماهية النص وإقناع القراء بوجهة نظر المؤلف.
يقول مؤلف الكتاب الدكتور نبيل بهجت، رئيس قسم المسرح بكلية الآداب بجامعة حلوان المصرية: «قمتُ بمراجعة عدد كبير من الدوريات في الفترة ما بين 1915 وحتى 1970. ولاحظت انتشار هذا اللون من الكتابة الذي بدأ يختفي تدريجياً منذ سبعينات القرن الماضي، وتسعى الدراسة إلى إلقاء الضوء على تلك الأعمال الدرامية التي نشرت في الصحف المصرية في تلك الفترة، ولم تلق اهتماماً من الدارسين والباحثين لصعوبة الحصول عليها، إذ إن أغلبها متفرق في دوريات مختلفة ونشرت على فترات زمنية متباعدة، وهو ما يحتاج إلى مزيد من الجهد والوقت كذلك أصبح من المتعذر الوصول لبعضها الآن».
تلقي الدراسة الضوء على نماذج لكتاب أمثال توفيق الحكيم، وعبد العزيز البشري، وزكي طليمات، وأحمد رشدي صالح، وسعد مكاوي، وحسين مؤنس، وسعيد عبده، وأحمد محفوظ، وأمين يوسف غراب، ويوسف جوهر، وإسماعيل الحبروك، ومحمد عبد القادر المازني، وسيد بدير، وإبراهيم الورداني، وأنور عبد الملك، ومحمد خورشيد، ووليم باسيلي وغيرهم، ممن اهتموا بهذا اللون من الكتابة، ما أدى إلى انتشارها وذيوعها في تلك الفترة وأصبحت لوناً أدبياً مألوفاً آنذاك.
يتابع بهجت: «تميزت هذه الأعمال بالتكثيف، حيث ارتبطت بمساحات أعدت لها سلفاً داخل الصحف، وكذلك الانتقال السريع للأحداث وصولاً للنهايات واعتمدت على الشخصيات التي كانت تستدعى من مخزون الدراما مثل الخادمة، والبخيل، والغانية وغيرها من الشخصيات النمطية المعروفة سلفاً، إذ إن آلية العرض لا تسمح بتطور نمو الشخصيات، ورغم أن معظم تلك الأعمال لم تكتب للمسرح وإنما للنشر في الصحف، فإنه التزم المفاهيم والمصطلحات المسرحية، مما يجعلنا نقر أنها لون من الأعمال الدرامية التي التمست من الصحف مسرحاً لعرضها، معتمدة على مخيلة القارئ لخلقها وتجسيدها».
أما عن مضمون الأعمال، وعبر قرابة الخمسين نصا، فترى الدراسة أن عددا من الكتّاب استمدوا الأفكار المشكلة لصورة المرأة العصرية أو الحديثة من كتابي قاسم أمين «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة»، وناقشوا قضايا الحجاب والاختلاط وغيرها من الأفكار، إلا أن الصورة العامة التي قدمتها تلك الأعمال لدعاة المدنية وللمرأة الحديثة لم تتسم بالإيجابية، حيث ناقشت هذه الأعمال الموقف من تحرير المرأة والتزمت الرأي المحافظ الذي طرحه طلعت حرب في كتابه في معظم القضايا، عدا مسألة الاختلاط من أجل الزواج لما سيعود بالنفع على الرجل.
ويرى صاحب الدراسة أنه تم تغييب النموذج الفاعل فلم تظهر المرأة خارج مؤسسة الأسرة والزواج، حيث لم نشاهدها تقتحم مجالات العمل المختلفة لتدافع عن حقوقها المتنوعة وحصرت همومها في مسألة الزواج وآليات الاختيار الحر المؤسس على معرفة متكاملة بالطرف الآخر كسلوك الفتاة العصرية.
اهتمت كذلك هذه الأعمال بجسد المرأة، وناقش بعض منها الضوابط الاجتماعية التي يجب أن تلتزم بها المرأة تجاه جسدها، واستمدت مفاهيم الشرف والفضيلة من موقف الشخصيات تجاه جسدها، ولم يختلف هذا الموقف باختلاف نوع المؤلف وإنما التزمت معظم الأعمال التصور الذكوري المنطلق من أن جسد المرأة هو المعادل الموضوعي للشرف وقدمت بعض الأعمال المرأة جسدا خالصا من خلال التركيز على صفاتها الجسدية، وجاءت النهايات المأساوية لبعض الأعمال كعقاب للتفريط في الجسد، كما هيمنت شروط الوعي الذكوري إذ تم التركيز على قضايا بعينها وتهميش قضايا أخرى وإغفال بعض الموضوعات.

المصدر: الشرق الأوسط