لاعبة كرة سلة خمسينية في غزة.. تساند والديها رغم إعاقتها

"مجلة جنى" لا تبالي أمام إعاقتها التي رافقتها منذ عامها الأول في الحياة، فهي تواظب على التنقل أسبوعيا بين المستوصفات الطبية لتعالج والديها، وتقف أيضا منذ الصباح في دكانها الصغير في حي الزيتون بغزة، وفي المساء تلعب كرة السلة التي تحبها على كرسيها المتحرك.

منى رضوان خطاب (50 عاما) من مواليد عام 1968 في حي الزيتون شرق مدينة غزة، أصيبت بعد عام من ولادتها بالحمى، لكنها عندما عولجت منها في إحدى عيادات مدينة غزة القديمة، حُقنت بطريقة خاطئة مما أصابها بشلل نصفي طولي، عطل الأعضاء الطولية اليمنى من جسدها.

دعم الأسرة

تلقت خطاب منذ طفولتها علاجا مكثفا في مستشفيات القدس والضفة الغربية على نفقة والدها الذي أصر على أن تتحسن وتعيش حياتها كأي طفلة طبيعية، وتدخل المدرسة وتنخرط في المجتمع دون أن تتأثر بإعاقتها، لكن حتى السن السابعة عشرة كانت يدها اليمنى متلاصقة مع ركبتها اليمنى.

تقول "كان والدي يرافقني في رحلة علاجي وللمدرسة وشجعني للاستمرار، وفي نفس الوقت يبحث بين الأطباء ليجد العلاج مناسب حتى أعود للمشي، وأجريت عملية كبيرة في بيت لحم وأنا في عمر 17 عاما، واستطعت من خلال هذه العملية رفع يدي عن منطقة ركبتي اليمنى".

كانت لمنى صديقة تدعى عايدة الراعي، رافقتها طوال الدراسة في المدرسة، لكنها تركتها في الصف الأول الثانوي بعد أن تزوجت، ولذلك تركت منى المدرسة لأنها لم تجد أحدا يرافقها على صفوف الدراسة وفي حمل الحقيبة.

قصة نجاح رياضية

يعود السبب الأساسي في حب منى لكرة السلة والرياضة في هذه السن، إلى أنها حرمت من حصة الرياضة في المدرسة، وكانت مدرّسة الرياضة تطلب منها الجلوس في آخر الساحة لأنها من ذوات الإعاقة ولا تناسبها الرياضة ولن تتمكن من اللعب.

وتقول "كنت وقتها أقول يا إلهي لو أنني لم أخلق عرجاء، ولماذا أنا هكذا، وكنت أتحسر وأريد اللعب والرياضة، رغم أني كنت أتلقى دعما من والدي، وكنت أنظر للناس الذين كانوا يقولون لي عرجاء بصورة قوية. كنت أتأثر من حصة الرياضة".

كانت تشارك في حصة التدبير المنزلي بشكل فعال وتعدّ الطعام مع الزميلات وتتقن كل المأكولات، وكانت تتعلم من والدتها الخياطة وتساندها في عملها في المنزل، وأكسبتها شخصية اجتماعية منذ فترة المراهقة، ويحاول والدها تحفيزها للتنقل مع والدتها ومرافقتها ومرافقة شقيقاتها خلال التنقل للعيادات الصحية.

بدأ نشاط منى في قضايا ذوي الإعاقة في غزة منذ عام 1992، عندما تأسست جمعية المعاقين حركيا في غزة، لكنها بعد عام مرض والدها وأصيب بجلطة دماغية عطلته عن العمل، ومن هنا أصبحت تساند والدها وترافقه كما رافقها وهي صغيرة في علاجه بين المستشفيات.

بدأت تلعب الرياضة عام 1995، وتشجعت عندما زارتهم وفود أجنبية ونصحتهم بالدخول والمشاركة في الألعاب الرياضية المختلفة، وبالفعل بدأت تلعب تنس الطاولة، وكانت أول بطولة تشارك فيها هي بطولة سهى عرفات زوجة الرئيس الراحل ياسر عرفات في نهاية عام 1995، وحصلت على المركز الرابع في اللعبة على مستوى قطاع غزة.

لاعبة كرة سلة

عادت منى لتلعب كرة السلة التي كانت تحبها وهي في المدرسة، وحققت حلمها قبل خمس سنوات، واستطاعت أن تشارك في تأسيس أول فريق كرة سلة لذوات الإعاقة في قطاع غزة مع نادي السلام الرياضي المختص بذوي الإعاقة، وبالفعل أسست الفريق بعد أن اقنعت شابات من ذوات الإعاقة بالتدرب معها وتأسيسه.

أصبحت منى قائدة الفريق، وتتدرب مع الفريق مرتين في الأسبوع، وقد شاركن على مدار أربعة أعوام في بطولات على مستوى قطاع غزة، وعلى مدار السنوات الأربع حققن المراكز الأولى في كرة السلة على فرق ذوات الإعاقة.

تقول خطاب "في الصباح أبيع في محل البقالة، وأعد الحليب لأمي ووالدي وأساعدهما في تناول علاجهما، ورافقت والدي في علاجه على مدار أكثر من عشرين عاما، ورافقته في عملياته في مدينة القدس، كما رافقني وأنا طفلة مريضة وأخرجني من وحل الإعاقة والمجتمع الذي كان لا يمنحني حقوقي بالكامل".

وتشير زميلتها رئيسة الديري (35 عاما) إلى أن منى هي العنصر المرح والقوي في فريقهم، كما أنها الأم الكبرى لهم، ولا يقتصر دورها على كونها قائدة الفريق، بل كان لها فضل كبير عليها في الانخراط في رياضة كرة السلة والتمتع بلعبها.

وتضيف الديري "ذوات الإعاقة الناشطات في الأنشطة المجتمعية والرياضية في غزة، جميعهن قصص نجاح، يكسرن قيودا كثيرة بدءا من المنزل وحتى المكان الذي تسعى له، في ظل أننا نعيش في مجتمع يفتقد للكثير من الحاجيات لنا، لكن منى خطاب ساهمت في إخراج العديد من ذوات الإعاقة من حدود منازلهن، وأحيت فينا حب الرياضة كأسلوب حياة".

ذوو الإعاقة في غزة

لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد ذوي الإعاقة في قطاع غزة في ظل تفاقم أعداد الإعاقات مع استمرار مسيرات العودة، لكن بحسب نظام إدارة بيانات ذوي الإعاقة التابع لوزارة التنمية الاجتماعية ومؤسسات التأهيل في قطاع غزة حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول، بلغ عدد ذوي الإعاقة في محافظات غزة 50,795 شخصا، منهم 28,226 من الذكور و22,569 من الإناث، وهو ما نسبته 2.5% من إجمالي السكان في القطاع.

من جهتها تشير الناشطة والعاملة في حقوق ذوي الإعاقة حنين السماك، إلى أنه منذ سبع سنوات وإلى الآن، تنشط حركة تأسيس فرق نسوية لذوات الإعاقة في غزة على غير العادة، رغم قلة الدعم والتمويل لمشاريعهن في الفترات الأخيرة.

وتوضح حنين أن ذوات الإعاقة في غزة ينشطن في رياضات مثل تنس الطاولة وكرة الطائرة وألعاب القوى مثل رمي الجلة ورمي الرمح إلى جانب الشطرنج، وتقول إن "ذوات الإعاقة ينظرن إلى أن فرصة تشغيلهن شبه صعبة وفي منازلهن قيود من الأسرة والمجتمع، لذا فإن الرياضة أصبحت حاجة ملحة لهن، وأصبحن يحققن بطولات ولهن حضور في المجتمع أكثر من أي وقت مضى".