محمد الجولاني يغادر مرسمه


من أعمال محمد الجولاني الأخيرة

"مجلة جنى" خيّم الحزن على الوسط الفني والثقافي الفلسطيني برحيل الفنان الفلسطيني محمد الجولاني (1983 - 2020) أول من أمس الجمعة بعد مرض لم يمهله طويلاً. قدّم الجولاني العديد من المشاريع واللوحات الفنية التي تنوّعت حالاتها بين التهكّم والغضب والتأمُّل، مستكشفاً فكرة عزل الدول والمدن والأفراد، مشاركاً بها في عدّة برامج ومعارض دولية. 

كان التهويد وتخريب تاريخ المكان الذي تنتهجه حكومة الاحتلال على مدينته القدس، واحداً من القضايا الأساسية التي كانت تشغل أعمال الجولاني، ومنها مشروعه الفنّي "عَ السطوح" (2018) الذي ترك من خلاله لمسة فنية على أسطح منازل في القدس القديمة برسم أوراق شجر الزيتون عليها، بالإضافة إلى مشاركته في "متحف الشارع" الذي نفّذته "مؤسّسة الرؤيا الفلسطينية" بعرض مجموعة من لوحات الجولاني في البلدة القديمة، وباب الساهرة، وشارع صلاح الدين، والشيخ جرّاح، وبلدتي الطور، وبيت حنينا، وهي أماكن يزاحم فيها المستوطنون المستعمِرون أهل القدس الأصليّين. 

عمل الجولاني كفنانٍ ومدرّب فنّي في العديد من المؤسّسات الثقافية، وحصل على "جائزة إسماعيل شموط للفنون الجميلة" (2016)، و"جائزة التعليم العالي" (2007). وشارك في عدّة معارض محلية ودولية من بينها "بينالي الفنّانين الشباب" في ألبانيا (2017). وفي الجانب الأكاديمي، تخرّج الجولاني من "جامعة القدس" بدرجة بكالوريوس في الفنون الجميلة (2009)، وقام بتدريس الفنون البصرية في ذات الجامعة (2011 - 2013)، كما قام بالتدريس في "مدرسة الفرندز للبنين" بين عامَي (2016 - 2018).

رسم في أحد مشاريعه أوراق الزيتون على أسطح منازل القدس القديمة

في عام 2018 حصل على إقامة فنية في "مدينة الفنون العالمية" في باريس، وهناك التقى بالرسّام الفلسطيني هاني زعرب الذي يقول: "كانت باريس المنفى هي مكان لقائي الأول بمحمد الجولاني وبالجيل الجديد من الفنّانين الفلسطينيين، أحببت حضوره الجميل وابتسامته الدافئة، والتي لا يمكن لك أن تفصلها عن ملامح روحه ووعيه. كان دائم الشغف بالبحث عن نفسه من خلال بحثه في الآخرين، كان حقيقياً بذلك، وكان يشي بتجربة فنية وإنسانية خاصة. إنه فعلاً رحيل مُفجع ومؤلم، يُضاف إلى القهر والخُسران الفلسطيني المنتشر عبر أصقاع الأرض".

المخرج والممثل المسرحي إسماعيل الدبّاغ، مؤسس "فرقة الرواة" المقدسية، يقول: "محمد جولاني بدأ من الصفر ولم يتأثر بالسائد فلسطينياً، بل تمرّد عليه، واستطاع خلال سنوات عمره القصير أن يقول ما يريد بابتسامته الفريدة، وأصبح اسمه لافتاً ومصدرَ قلقٍ لدى بعض الأسماء التي ما زالت تؤمن أنها فراعنة الفن التشكيلي. وفي آخر أعماله كان يعكس مدى أن تكون وحيداً ومُكمّماً، ومصاباً في القدس".

ويعبّر الدبّاغ عن أسفه لرحيل فنان تشكيلي مثل محمد، في ظِلّ غياب العديد من الأسماء التي لم تعد بارزة وفاعلة بعد رحيلها من القدس إلى رام الله مع اتفاقية "أوسلو"، ومحاولة معظم تلك الأسماء ملاءمة فنّها مع أسواق الفن المعولمة والاندماج في بيئة المؤسسات، ما أدى إلى فقدان الفنّ عفويته وعمقه اللذين اكتسبهما من تجربة وتاريخ الشعب الفلسطيني.

أمّا الفنّان التشكيلي منذر جوابرة، الذي جمعته صداقة مع الفنّان الراحل، فيقول: "تختلط علينا المشاعر بهذا الغياب الذي لا نريد تصديقه، هكذا اعتدنا على تجاربه بين التأويل والسخرية، في لوحاته التي تتنقّل من تجربة لأخرى باحثةً عن مشهدية وتأمل راسخ للهوية الفنية، عبر تساؤلات مفاهيمية ومعالجات تقنية، وانتقالات أخرى خارج إطار الفن الحديث من لوحاته إلى حراك فنّي اجتماعي تفاعلي أحياناً، كما حصل في مشروعه تزيين أسطح بيوت القدس القديمة".

وتفاعل أصدقاء الفنان الراحل على موقع التواصل الاجتماعي، بإعادة تداول عمل فنّي له نشره على حسابه قبل ثلاثة أعوام، ويبدو في اللوحة ظهر الفنان وهو يهم خارجاً من باب مَرسمه، مرفقاً بنَص كتبه وقتها: "ها أنا ذا أخرج من عملي لأكتب عنه. أبتعد وأنظر إلى شبحي يدير ظهره لورشته اليومية، فأرتبك. أرتبك وأمدّ يدي إلى اللوحة لأعيدني إليها، دون أن أدري ما الذي أريده بالضبط؛ هل هو وصف الشكّ حين كان فكرة أم وصف الشكّ حين اكتمل وصار شكلاً. هل أحاول في هذا العمل إحياء التوازن بين الواقع والخيال أم أحاول قتله وتحطيمه. أم أن ديغاس كان محقاً حين قال: يرى الشخص ما يرغب برؤيته، وهذا الزيف هو ما يشكّل الفن؟".

المصدر: العربي الجديد