بذكرى وفاته.. أمل دنقل شاعر تغنى المتظاهرون بقصائده

مجلة جنى -  قال إن ظهور أحمد عدوية "يمثل انحطاطاً للأغنية ويعبر عن العصر الذي نعيش فيه"

لا تصالح
ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى

هذه أبيات شعرية من قصيدة الشاعر المصري أمل دنقل، والتي كانت بعنوان لا_تصالح أطلقها كصرخة قبل زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس وخطابه في الكنيست وأصبحت أنشودة المصريين الرافضين للتطبيع، كما صارت عنوانا لتظاهراتهم طيلة عهد السادات.

امس الأحد حلت الذكرى الـ34 لرحيل الشاعر الكبير أمل دنقل، والتي صادفت 21 مايو/أيار عام 1983.

اسمه بالكامل محمد أمل فهيم محارب دنقل، ولد عام 1940 في قرية القلعة مركز قفط بمحافظة قنا جنوب مصر، وسمي بهذا الاسم، لأنه ولد بنفس السنة التي حصل فيها والده على شهرة عالمية، فسماه "أمل" تيمنا بالنجاح الذي حققه.

انتمى دنقل طيلة حياته للفكر القومي العربي ونشأ وشب على أفكار جمال عبد الناصر و الثورة المصرية والتخلص من الاستعمار ومقاومته وتحرر البلاد العربية منه. ورث عن والده موهبة الشعر حيث كان والده يكتب الشعر العمودي، كما ورث عنه مكتبة ضخمة. وقد توفي الوالد عندما كان أمل في العاشرة من عمره، مما أثّر عليه كثيراً وجعل الحزن ملاصقا ومترسخا في أشعاره.

رحل دنقل إلى القاهرة حيث التحق بكلية الآداب، بعد أن أنهى دراسته الثانوية ولكنه انقطع عن الدراسة، ثم عمل موظفاً بمحكمة #قنا وجمارك السويس والإسكندرية.

أحب دنقل عبد الناصر وتأثر به، ومثله مثل بقية المصريين شعر بانكسار شديد بهزيمة مصر عام 1967، وعبر عن ذلك في قصيدتيه "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" ومجموعته "تعليق على ما حدث".

وفي قصيدة زرقاء اليمامة عبّر دنقل عن غضبه وحزنه وصدمته بأبيات قال فيها:
أيتها العرافة المقدَّسةْ
جئتُ إليك .. مثخناً بالطعنات والدماءْ
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة
منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ.
أسأل يا زرقاءْ ..
عن فمكِ الياقوتِ عن، نبوءة العذراء
عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة
عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً على الصحراء
عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء
فيثقب الرصاصُ رأسَه .. في لحظة الملامسة !
عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء

عاش أمل دنقل نصر أكتوبر وكانت فرحته شديدة به، فقد رأي في النصر تعويضا وردا للاعتبار عن كل سنوات الانكسار والهوان، ورأى في رفع العلم المصري فوق سيناء درساً لكل من تسول له نفسه المساس بمصر وأرضها، لذا لم يصدق رغبة السادات التي عبّر عنها في خطابه في مجلس الشعب وقتها، وقال فيه "إنني مستعد أن أذهب إلى آخر الأرض، وسوف تدهش إسرائيل حين تسمعني أقول إنني مستعد أن أذهب إلى الكنيست كي أناقشهم". وفهم دنقل الرسالة وشعر بحدسه أن السادات ذاهب للصلح مع إسرائيل فأطلق رائعته "لا تصالح" والتي أصبحت لسان حال المصريين الرافضين للصلح و التطبيع مع إسرائيل.

كان موقف أمل دنقل من السلام سبباً في تصادمه مع السادات والسلطات وقتها، خاصةً أن أشعاره أصبحت تتردد في المظاهرات المناهضة للتطبيع، وأصبحت بعد ذلك شعارات تتردد على ألسنة الثوار والمتظاهرين.

تزوج الشاعر الراحل من الصحافية عبلة الرويني، وفي آخر سنوات حياته كانت آراؤه النقدية تلقي بحجر في بحيرة الثقافة والفن الراكدة، وكان لا يتورع عن إطلاق قذائفه النقدية ضد الفنانين وغيرهم.


الصحافية عبلة الرويني زوجة دنقل

ففي حوار له نُشر على صفحات مجلة "إبداع" قبل وفاته بشهور، قال دنقل إن ظهور المطرب الشعبي أحمد عدوية قد يكون انحطاطاً للأغنية المصرية، "لكنه خير معبّر عن الفترة التي ظهر فيها، بمعنى أن هذا الصوت الذي ليس صوت رجل أو أنثى، هو تعبير حقيقي عن العصر الذي كنا نعيش فيه، فنحن لم نستطع أن نكون فيه رجالا ولا أن نكون فيه نساء، لم نستطع أن نكون إيجابيين، ولا أن نكون سلبيين، إنما نحن نعيش كما يرسم لنا".

أصيب أمل دنقل بالسرطان وعانى منه لمدة ثلاث سنوات، وكتب في غرفة علاجه بمعهد الأورام مجموعته أوراق الغرفة_8 وعبّرت قصيدته السرير عن آخر معاناته مع المرض.

وفي 21 مايو/أيار عام 1983 لفظ أمل دنقل أنفاسه الأخيرة، وكان برفقته الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة السابق والشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي، ودفن بمسقط رأسه في قرية القلعة بمركز قفط قنا جنوب مصر.