تهاني الجبالي أول قاضية مصرية

النقشبندي كان يرقيها من الحسد وأمها صامت صيام العذراء.. جدها السبب في اعتناق طوائف هندية للإسلام.. وتقول: أنا محجبة بدون طرحة

" مجله جنى "تغمض عينيها وتعود بالذاكرة لسنوات مضت، ترى صورة هذه الطفلة، التي  وقفت مع أشقائها وأطفال أسرتها يقدمون الطعام ويغسلون الأطباق ويخدمون الزوار في الخيمة، التي يقيمها والدها الطبيب، بالصليب الأحمر، لإطعام زوار السيد البدوي بطنطا، تتذكر عندما وقفت لتتحدث مع الشيخ سيد النقشبندي، الذى كان يحيي هذه الليالي، وكان هو والمقرئ الشيخ مصطفى إسماعيل أصدقاء مقربين لوالدها وعائلتها.

كانت الطفلة الصغيرة تسأل المشايخ، ولا تكف عن النقاش، حتى ضحك النقشبندي، الذي لفت نظره ذكاؤها فقرر أن يرقيها كلما رآها، لا تنسى كيف كان الأنبا يؤانس مطران الغربية يشارك في هذه الجلسات والليالي الرمضانية العامرة بالإنشاد الديني وقراءة القرآن.

لم تدرك هذه الطفلة حينها أن المستقبل يحمل لها الكثير، وأنها ستكون أول امرأة تجلس على منصة القضاء في مصر، وستخوض معارك كثيرة تجعلها جزءا هامًا من تاريخ مصر.

في هذه الأجواء نشأت المستشارة تهاني الجبالي، أول قاضية في تاريخ مصر، التي أثارت جدلا واسعا عندما تولت هذا المنصب بصدور قرار جمهوري بتعيينها نائبا لرئيس المحكمة الدستورية العليا كأول قاضية مصرية عام 2003، كما أثارت جدلا أوسع عندما أجبرت على ترك المنصب في عهد الإخوان، بنص دستوري قيل إنه وضع خصيصًا لاستبعادها بسبب عدائها الواضح للتيارات الإسلامية، بل نظم الإخوان مظاهرات حاشدة خصيصًا للهجوم على المستشارة.

تاريخ حافل وتجربة إنسانية ثرية لابنة الأسرة الإقطاعية، التي طبق عليها الإصلاح الزراعي، وانتمى أغلب أفراد عائلة والدها لحزب الوفد، بينما نشأت هي على الأفكار الناصرية واعتنقتها.

تنتسب إلى عائلة الجبالي من الأشراف، وجدها الأكبر الشيخ إبراهيم الجبالي، أحد كبار علماء الأزهر، الذي كان له دور بارز في الثلاثينيات في اعتناق بعض الطوائف الهندية للإسلام، بعد سفره للهند بتكليف من الشيخ المراغي، شيخ الأزهر وقتها.

درست ونشأت في مدارس الأقباط، ولا تنسى أن والدتها التي كانت من الرعيل الأول، الذي تخرج في مدرسة المعلمات كانت تصوم مع جاراتها الأقباط صيام العذراء، بينما كانت الجارات المسيحيات يصمن مع جارتهن المسلمة في رمضان.

شعرت المستشارة بأن جزءًا من تاريخها وذكرياتها طالته يد الشر عندما وقع تفجير كنيسة مارجرجس القريبة من مقر نشأتها في منزل العائلة بطنطا، وتقول: أنا شفتها وهي بتتبني وحضرت فيها أفراح أصحابي وجيراني وعشت أجواء الاحتفالات فيها بعيد السعف. تتذكر المستشارة كيف كانت والدتها، التي تعمل مدرسة تجمع الطلاب المسيحيين والمسلمين في حصة دين واحدة وتتحدث فيها عن القيم المشتركة والأخلاق والضمير الإنساني.

«نشأت في واقع يسوده التجانس الوطني، وكانت السماحة الدينية ممارسة واقعية وليست شعارات»، هكذا تصف أول قاضية الأجواء، التي نشأت فيها.

أجرت المستشارة العديد من الدراسات والأبحاث عن حقوق المرأة والشريعة الإسلامية، وترى أنها تلتزم بالزي الإسلامي وترتدى الحجاب رغم أنها لا تضع غطاء على رأسها.

«الحجاب في الإسلام حجاب مستور وليس حجابا منظورا، ويعنى الاحتشام، ويتناسب مع العصر، دون ترخص أو عرى، ويصدقه السلوك، الذي يجبر من يتعامل مع المرأة على احترامها، ولكن ليس هناك زي محدد». وأضافت: «أنا بهذا المفهوم محجبة وكنت أعمل في مجتمع ذكوري وأحظى باحترام كل من يتعاملون معي، والحجاب ليس قطعة قماش توضع على الرأس».

وتحرص على أن تجمع عائلتها وأشقاءها وأبناءهم على الإفطار في شهر رمضان، كما تحرص على زيارة منزل العائلة في طنطا.

تؤكد أول قاضية أنها رغم مناصبها فإنها فلاحة تجيد الطهي وكل الأعمال المنزلية وتنفى عن المرأة الناجحة في عملها تهمة أنها تكون دائما مقصرة في بيتها.

كانت تهاني الجبالي أول محامية منتخبة بمجلس نقابة المحامين وأول سيدة مصرية وعربية يتم انتخابها كأول عضوة في المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب، قبل أن تكون أول قاضية حصلت على المركز الأول بين السيدات الأكثر تأثيرا في مصر لعام 2014 و2015.

تؤكد أنها لم تكن تحلم بأن تصبح أول قاضية، بل كانت تحلم بأن تصل المرأة المصرية لمنصة القضاء: «لم أتصور يوما أن أكون أنا أول قاضية في مصر ولم أتقدم لهذا المنصب أو حتى أعرف أنى مرشحة له».

لا تزال المستشارة تصر على استرداد حقها وتخوض معركة قضائية للطعن على النص الدستوري، الذي عزلها من منصبها، ومازالت الجلسات متداولة بساحات القضاء، وتقول: «الإخوان ساوموني وعرضوا على اختيار أي منصب مقابل سكوتي».

تؤكد أنها تخوض هذه المعركة ليس لمصلحة شخصية ولكن دفاعا عن استقلال القضاء، وأن الثمن الذي دفعته بسبب معارضتها لحكم الإخوان تحتسبه فداء لمصر، قائلة: «خيرة الشباب قدموا أرواحهم فداء للوطن».

لا تتابع في رمضان سوى مسلسل الجماعة وقناة ماسبيرو زمان وتقضى أغلب وقتها في القراءة، وتقول: «أمارس نشاطي الثقافي والاجتماعي والتنويري، وألقي محاضرات في الجامعات والكليات العسكرية، وفخورة بأني أول سيدة تحاضر في الكليات العسكرية».

ترفض الحديث عن تفاصيل حياتها الزوجية وتؤكد: «كل ما أستطيع قوله إنني محظوظة بالرجال في حياتي سواء الأب أو الزوج أو الأخوة أو الزملاء».

المصدر : اليوم السابع