"الثقافة": محمود درويش اسم من أسماء فلسطين وهو باق وسيبقى

رام الله - مجلة جنى - أكدت وزارة الثقافة على أن إرث صاحب الإبداعات اللامتناهية لا يزال حاضراً بل ومتغلغلاً في المشهد الثقافي الفلسطيني الجمعي داخل وخارج الوطن، في الذكرى التاسعة لرحيل رمز فلسطين الثقافي الشاعر الكبير محمود درويش.

وشددت في بيان لها، الأربعاءالماضي ، على أن الروح الملهمة هي من بين أهم ما تركه درويش، والتي تشكل عصب التوجهات الثقافية لديه، ولدى جيل جيل كبير من الشعراء والمثقفين الفلسطينيين.

ووجدت الوزارة في سيرة درويش ما يلخص الحكاية الفلسطينية، ما بين ميلاده في الثالث عشر من آذار في العام 1941، وهجرته وعائلته قسراً من البروة في شمال فلسطين العام 1948، وثم عودته وعائلته إلى أرض الوطن، قبل أن يعيش في المنفى، ليعود مجدداً مع قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، وإقامته في فلسطين، وفي مدينة رام الله تحديداً، ففي هذه التجربة ما يلخص الحكاية الفلسطينية ما بين النكبة والنكسة والمقاومة، وكذلك الحلم والأمل في مستقبل أفضل، هو الذي صاغ بكلماته رؤية الشعب الفلسطيني للاستقلال بكل ما يحمل من معان وطنية، وحضارية، وإنسانية.

وتميز درويش بإبداعاته، بالانحياز المطلق للإنسان، وللقيم الجمالية داخله كالعدالة والمساواة والحرية، كما الذاكرة، والحنين، وبلورتها في خطاب شعري بعيد عن الإنشاء الجامد، منتصراً للخطاب الإنساني ببعده الجمالي، فكانت قصائده تتسم بالكثير من الأبعاد الفكرية والفلسفية العميقة في سياق الحديث عن القضية الفلسطينية في مختلف مجموعاته الشعرية، وعن سيرة حياته التي هي سيرة وطن وشعب لا يزال يناضل من أجل التحرر، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وهو ما شكل مدخلاً لأنسنة القضية الفلسطينية، الأمر الي برز بترجمة أشعاره إلى الكثير من اللغات العالمية، وإلى حضوره المتميز عالمياً قبل وبعد رحيله الجسدي، كاسم من أسماء فلسطين.

وشكل درويش مصدر إلهام لأجيال جديدة، استثمرت روح محمود درويش الشاعر والمثقف والمقاوم، هو الذي شكل حالة شعرية استلهمت الموروث الشعري الفلسطيني والعربي وهضمتها في إطار تجربة جديدة ارتبطت باسمه وتكويناته الإبداعية التي خلقت مساحة جديدة بالمفهوم الشعري والمفهوم الجمالي باتجاه نوع من التناغم ما بين الفرد والمجتمع، وما بين الشعر والقضية، ولهذا برز درويش كأيقونة من أيقونات الثقافة الفلسطينية، وهذا لكونه ليس مجرد ناظم للشعر، بل صاحب مشروع شعري وثقافي وحضاري متطور بمفرداته، ولغته، وتركيباته، وتجربته على مستوى بناء القصيدة نفسها.

وأكد وزير الثقافة د. إيهاب بسيسو أن رحيل درويش ما هو إلا غياب للجسد، فروحه باقية وملهمة ومتجددة فيما تركه من آثار شعرية ونثرية نتذكرها دائماً، ونتفاعل معها في مختلف مجالات الإبداع، فمحمود درويش باق في شعره، وفي حضوره الطاغي على كافة المستويات، واصفاً إياه بـ"أيقونة الشعر الفلسطيني التي نحملها عربياً وعالمياً، ونفتخر ونتباهى بها كمساهمات وإبداعات مميزة بقيت وستبقى إلى الأبد".

ورأى بسيسو أن إرث محمود درويش مهم جداً على أكثر من المستوى الشعري، والثقافي، والحياتي، وهو ما من شأنه أن يخلق نوعاً من الفرادة لدى درويش، هو الذي اتخذ من فلسطين نقطة الارتكاز لمشروعه الشعري، وعبر عنها بأكثر من مستوى، وأكثر من طريقة، منها القصيدة ذات البعد النشيدي المباشر، ومنها القصائد ذات الإيقاع الجمالي، فتعبيراته الشعرية عن فلسطين جعلت من شعره يتسم بغزارة المعنى وكثافته، حتى لو لم يكن غير مباشر، وهو ما جعله ملهماً ليس لجيل من الشعراء فحسب، بل لفنانين من مختلف القطاعات الثقافية والفنية، ومن فلسطين ومختلف أنحاء العالم.

وشدد بسيسو على أن الثقافة مقاومة، كما هو الصمود، والعمل وصناعة الأمل، وهو ما برز بوضوح لدى درويش الذي كان أبرز من التقط هذه الرؤية العميقة، وأطلق صرخة إبداعية مفادها بأننا لن نكرر تجربة الماضي، ولن نسمح بتهجيرنا مرة أخرى كما حدث في نكبة العام 1948، وعقب نكسة العام 1967، ولكون أن الصمود فعل مقاومة، فلابد له من مقومات، أبرزها الثقافة والتعليم وغيرهما بما يساهم في عرقلة سياسات الاحتلال لصالح مشاريعها الاستعمارية المستمرة، والتصدي لها.

وختمت الوزارة بيانها بالتأكيد" رحل محمود درويش جسداً، لكن لم يرحل روحاً وفكراً وثقافة، هو الذي كان وسيبقى أيقونة شعرية ليس فقط على المستوى المحلي، بل على المستويين العربي والعالمي أيضاً .. شكل غياب محمود درويش الجسدي خسارة للمشهد الثقافي الفلسطيني والعربي والعالمي، وهذا الأمر يجب ألا يكون مدعاة للإنكسار، بقدر المزيد من استلهام تجربته على كافة المستويات، فهو لا يزال حاضراً بقوة في المشهد الشعري الفلسطيني والعربي، والعالمي أيضاً .. محمود درويش باق، وسيبقى".