" مجلة جنى "عندما عرضت لوسي بافيا وزوجها على لاجئة سورية تدعى لوجين السمان أن تعيش في غرفة بمنزلهم، لم يكن لديهم القدرة على التكهن بالمستقبل.
ولكن بعد مرور أكثر من ستة أشهر قضوها معا، تكونت رابطة صداقة قوية جدا بين كل من لوسي ولوجين.
تروي لوجين قصتها قائلة: عندما بدأت الفتيات في سوريا بالاختفاء شعرت عائلتي أن البلد لم تعد آمنة بالنسبة لي، فالبنات يتعرضن للإيقاف من قبل الشرطة عند المتاريس ولا يعدن إلى منازلهن.
لقد وُلدت وتربيت في دمشق، وهي واحدة من أكثر المدن أمانا في سوريا، ولكن الوضع الآن في غاية الخطورة، أتذكر صوت القذائف التي تنفجر ليلا، ووميض الكهرباء يذهب ويجيء.
وتضيف لوجين: في هذا الوقت، كان عمري 20 سنة، وكنت أدرس الأدب الانجليزي في جامعة دمشق، لم أكن أرغب حقا في الرحيل عن بلادي حيث رباني أجدادي.
وقبل أن أسافر إلى المملكة المتحدة، كان أبعد مكان أرسلتني إليه عائلتي هو المحال التجارية.
الرحلة كانت شاقة حقا، لا أزال أجد صعوبة كبيرة في التحدث عنها، مررت بالكثير من البلدان قبل أن أصل إلى هنا.
وبعد أن وصلت إنجلترا بوقت قليل، سمعت من صديقة عن جمعيات خيرية في المملكة المتحدة توفر مساحات في المنازل لــ اللاجئين من أجل السكن.
وجدت فكرة العيش مع غرباء ــ في بادئ الأمر ــ مرعبة جدا ومحرجة، فلماذا يجب على شخص ما لم أقابله أو يقابلني من قبل أن يصبح مسئولا عني؟
وكفتاة أتت إلى هذه البلاد دون عائلة، سأشعر بالقلق على نفسي وأمني عندما أسكن مع غرباء لا أعرفهم، إضافة إلى أنني فكرت في أن الثقافة التي أتيت منها ستكون عائقا أيضا.
فأنا مسلمة ولا أتناول الكحوليات، فهل سيشعرون بالإهانة إذا عرضوا علي تناول كأس من النبيذ وأنا رفضت؟ هل سيشعرون بالاندهاش والتعجب عندما يرونني أؤدي صلواتي؟
تقول لوجين: ولكني عندما قابلت لوسي وزوجها ويل شعرت أن مخاوفي تلاشت، لقد تعرفنا في بادئ الأمر على بعضنا البعض عن طريق إيميل الجمعية الخيرية، ثم رتبنا لقاء في المقهى القريب من منزلهما في جنوب لندن.
جلسنا نتحدث مدة ساعة، شرحت لهما خلالها حقيقة موقفي وحقيقة بلادي التي تربيت فيها، كان يبدو عليهما العطف وسعة الآفق، وانتقلت إلى منزلهما بعد عدة أيام من المقابلة.
وعلى الرغم من أنني كنت أدرس الانجليزية في جامعة دمشق بحكم تخصصي ــ الأدب الإنجليزي ــ إلا أن الحياة مع أشخاص يتحدثون الإنجليزية كلغة أولى أمر مختلف تماما، كانت هناك بعض الكلمات والتعبيرات التي لازلت أراها مضحكة بالنسبة لي.
لاجئة سورية تعيش في ضيافة أسرة بريطانية
وتتحدث البريطانية لوسي عن لوجين قائلة: عندما رأيت لوجين لم استطع مساعدتها في حمل حقيبتها الأرجوانية، انتقلت لوجين إلى منزلنا في المساء، وقامت بسحب حقيبتها فوق عتبة منزلنا، وتوجهت رأسا إلى المطبخ.
وقامت بإخراج كل محتويات الحقيبة وكانت عبارة عن لفائف محفوظة من الأطعمة التي اشترتها، أرز، ولحم الخروف المفروم، والبامية، وشراب الرمان، وقامت بوضعهم بعناية.
ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، تقوم لوجين بطبخ واحدة من الوصفات التي علمتها إياها جدتها في دمشق مرة واحدة على الأقل أسبوعيا.
وكلما فرغنا من تناول طبق الأرز، تقوم بوضع كميات أخرى، حتى نخبرها بصرامة بأننا فعلا نشعر بالامتلاء التام.
تغيرت حياتها تماما في السنوات القليلة الأخيرة، وبدأت أستوعب أهمية وجبات العشاء الأسبوعية التي تقوم بتحضيرها بالنسبة لها، فهذا يعيد إليها حنين الوطن والأهل والمنزل القديم.
وتضيف لوسي أنها تذكر في الليلة الأولى للوجين في المنزل، أنها ظلت تستمع هي وزوجها ويل في فراشهما إلى لوجين وهي تقوم بإفراغ حقيبتها في غرفة نومها المقابلة لغرفتهما.
تقول لوسي أنها سمعت عن الجمعية الخيرية التي تسمى “منازل للسوريين” ــ وهي واحدة من الجمعيات الخيرية التي تعلن عن حاجتها لمنازل يوجد بها غرف إضافية من أجل تسكين اللاجئين السوريين ــ قبل مجيء لوجين بأربعة أشهر، وأنها اقترحت على زوجها ويل بالتسجيل في هذه الجمعية.
كانت الجمعية حديثة النشأة نسبيا، وقد أخبرنا مؤسسها، ريتشارد، بأنه قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يأتي أي لاجئ سوري للعيش.
جزء من تفكيري كان يحادثني بأنه هذا لن يحدث، بينما جزء أصغر كان يأمل ألا يحدث أي تأخير، ولكن في مطلع يناير الماضي تلقينا رسالة بريد إلكتروني تفيد بأن هناك لاجئة سورية تدعى لوجين، تبلغ من العمر 22 عاما، وترغب في التعرف علينا.
كان الأسبوع الأول غريب قليلا، فلوجين تتحدث بعض الإنجليزية، بينما نحن لا نتحدث العربية على الإطلاق، ولذلك كان التواصل بيننا يتم عن طريق الكثير من إشارات اليد السخيفة وبعض العبارات المتقطعة مثل “أتريد قهوة؟” و”المنشفة هناك” وغيرها.
لقد تخيلت كل الأشياء التي يمكن أن تحدث قبل مجيئها، ولكنني لم أكن أتوقع أن كلا منا تمتلك روح الدعابة، كلما تطورت اللغة الإنجليزية لديها، كلما اكتشفت فيها روح الدعابة واللطف.
وتنهي لوسي قائلة: لقد اكتشفت ذلك أيضا عندما رغبت في التحدث باللغة العربية إليها، وكذلك حبها لتناول مقرمشات الذرة المقلية “البوزو”.
"عن الجارديان"