الرباط المقدس.. تقاليد الزواج في حضارات العالم

" مجلة جنى " الرباط المقدس أو عقد القران، كلمات ومعانٍ تدل على علاقة تنشأ بين رجل وامرأة على مرأي ومسمع واعتراف من المجتمع، ربما تختلف العادات والتقاليد، وتختلف الطقوس، وربما يختلف شكل الإعلان والإشهار، ولكن يبقى في النهاية الضجيج الذي يحيط بالحدث ليعلن للعالم المحيط ميلاد أسرة جديدة قائمة على الحب والوفاق والمودة، أسرة تحفظ لكل من الزوج والزوجة حقوقهم، وتضمن حقوق للأطفال الشرعيين ثمرة هذا الزواج.

"فالزواج مهمة تؤديها التقاليد وهو قوام التشريع الخلقي لجماعة من الجماعات، لتنظيم العلاقة بين الجنسين والصورة الرئيسية لهذا التنظيم الجنسي هو الزواج، فالزواج هو تنظيم يختلف من مكان لآخر ومن زمان لآخر، لذلك فإن المجتمعات التي تخلو من الزواج نادرة، ومما لاشك فيه أن الرغبة الجنسية – وفق ما قاله صباح جاسم حمادي في مجلة كلية الآداب العدد 102 - ليست الدافع للناس إلى نظام الزواج، لأن الزواج بكل ما يسببه من مضايقات نفسية، إلا أن عوامل عديدة فرضت وجوده على الأسرة أو العائلة، فالعائلة هي الجو الرئيسي الذي يساعد على نشأة الأطفال والعناية بهم والحفاظ على حقوقهم من إرث وما شابه كذلك العناية بالمعوقين والعاجزين.


الحضارة السومرية

الكثير من حضارات العالم قدست الحياة الزوجية، واعتبرتها البداية الحقيقية لحياة الإنسان، ففي الحضارة السومرية حظى الزواج بأهمية بالغة، إذ كانوا يحثون على الزواج ونبذ حياة العزوبية، وكانت الخيانة الزوجية عندهم جريمة يعاقب عليها القانون بالموت على تفصيل خاص عندهم، فالزانيان إن أخذا بالجرم المشهود يوثقان ويلقيان في الماء، وإن لم يكن بالجرم المشهود فيمكن للمرأة تبرئة نفسها بالقسم.


الحضارة الأشورية

لم يتفاوت الأمر عند الآشوريين، فالأمانة الزوجية مفروضة والخيانة عقابها الموت للفاعلين غرقـا أو يجلدان أو ينتف شعرهما أو تقطع آذانهما، كما أن الآشوريين كانوا يدعون لزيادة النسل بقوانين الأخلاق التي سنها بحيث أنهم يعدون الإجهاض جريمة خطيرة عقابها الإعدام، واعتبروا الضرب المفضي للإجهاض جريمة عقابها الجلد بخمسين جلدة وتشغيل مرتكبها بأعمال السخرة الأميرية، ودفع وزنتين من الرصاص بل تصل في بعض الحالات إلى حد الإعدام؛ كما خصص البابليون أكثر من 60 حكما يتعلق بصيانة العائلة والتشديد على الحد من وقوع الزنا وتنفيذ عقوبة الغرق لمرتكبه.


الحضارة الفرعونية

كانت النصوص المصرية القديمة تولي الزواج أهمية بالغة، فهي تنهى عن الزنا وتهدد مرتكبه بأعنف العقوبات، كما يذكر المؤرخون فإن الزوج إذا خان فإنه يتعرض لعقوبة الجلد والزوجة الخائنة تتعرض لجدع الأنف، كما كان الزنا أحد المبررات للطلاق عندهم من غير فرق بين الرجل والمرأة، وفي حضارة أوزيريس المصرية كان الموتى يحملون معهم إلى قبورهم وثيقة، تثبت عفتهم وعدم خيانتهم الزوجية من أجل الرحمة بهم في الآخرة.


الحضارات الأوروبية القديمة

في إسبارطة كانت العزوبة جريمة عقابها حرمان العازب من حق الانتخاب ومن مشاهدة المواكب العامة وفي روما حرموا العزوبية واعتبروها حالة منافية لدينهم يعاقب عليها بالضرب والجلد اعتبارا من سن معين وبمضاعفة الضرائب وبحرمانهم من إرث ذويهم إلا إذا تزوجوا خلال مائة يوم بعد وفاة المورث.

أما الزنا فقد اعتبروه من الموبقات وجعلوا عقوبته الموت أو النفي من البلاد مدى الحياة وكان عقاب من يجهض حاملا النفي أو مصادرة أمواله كما ودونوا القانون اليوليائي الخاص بالزواج، وهو يرمي إلى تعميم الزواج والدعوة إلى زيادة النسل وخفض الضرائب بقدر زيادة الذرية إلى أن يبلغ الأولاد ثلاثة فترتفع الضريبة كاملا كما رفعوا القيود عن كل امرأة أنجبت ثلاثة أطفال؛ وأما قسطنطين فقد جعل الزنا من الجرائم التي توجب الإعدام كما أن هتك العرض في عهد جوستنيان يعاقب عليه بالإعدام ومصادرة الأملاك.


القارة الأمريكية القديمة

في حضارة الازتيك في أمريكا الوسطى كان الزنا قبيحا وعقابه الموت خنقا ثم الرجم بالحجارة بدون فرق بين الرجل والمرأة، وفي حضارة الانكا في بلاد الانديز كان الزواج إلزاميا والعزوبة محرمة وممنوعة وكان هناك مراقب من قبل الانكا يجوب القرى والأرياف لتزويج العزاب.


حضارة اليابان القديمة

في اليابان القديمة عرفت النساء بالأمانة الزوجية ويتهددهن في ذلك عقاب الإعدام فإذا عثر الزوج على زوجته وهي متلبسة بجريمة الزنا كان حقه أن يقتلها مع عشيقها فورا، وقد أضاف بعض رؤسائهم أن الزوج إذا قتل زوجته في مثل هذه الحالة وأخلي سبيل الرجل حق عليه هو نفسه عقاب الموت، وحتى فئة الساموراي المتسابقين الذين كانوا يتشددون في البقاء بدون زواج إلى سن الثلاثين كان يتوجب عليهم أيضًا الزواج وإنجاب اثنين على الأقل، وكانت العفة عند اليابانيين فضيلة حتى أن بعض النساء كن يقتلن أنفسهن حين تتعرض عفتهن للخطر.


الزواج عند العرب في الجاهلية 

اهتم العرب بالأنساب ودفعهم اهتمامهم هذا إلى التعمق في تنظيم الأسرة والقبائل والشعوب تنظيما دقيقا حتى غدا عندهم علما من العلوم وفنا من الفنون فكانوا يشجعون الزواج المبكر بحيث يبدأ في السن السادسة عشرة عند الذكور والثانية عشرة أو أقل عند الإناث، فإذا بلغت الفتاة الثامنة عشرة أو العشرين من دون زواج كانوا ينظرون إليها بإشفاق، وكان الحجاب منتشرا في نواحي بلاد العرب بأشكال مختلفة. 

كما انتشرت في أوساطهم عادة الختان حتى للبنات وكانوا يحرمون الزواج بالمحارم، وأن ارتكاب الفاحشة عندهم قبيح وإذا تمكنوا من الفاعل أنزلوا به أشد العقوبات وفي بعض الحالات تفصل الزانية وتعزل في البيت ولا تتزوج حتى يأتيها الموت.


أنواع الزواج عند العرب

كان عند العرب قبل الإسلام وتحديدًا في مكة أنواع من الزواج الذي كان سائدا ومتعارفا عليه مثل "زواج الشغار" وهو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته –زواج البدل- ليس بينهما صداق أو مهر، أو يزوجه أخته ويزوجه الآخر أخته بغير صداق، وقد خص به الأقارب. 

كما عُرف العرب بزواج المقت، والمقت هو البغض الشديد والبغض عن أمر قبيح وهو زواج معروف وشائع من زواج العرب قبل الإسلام، وهو أن المرأة إذا مات عنها زوجها قام ابنه الأكبر أو أحد أقربائه والتقى بثوبه عليها فبرت زواجها بمهر أبيه، فإذا كانت جميلة تزوجها وإذا لم يكن الابن الأكبر بحاجة لها زوجها أحد إخوانه أو أقربائه، وهذا النوع من الزواج هو أشنع ما كانوا يفعلونه، ويقال للرجل الذي يخلف على امرأة أبيه "الضيزن"، أي الشريك في المرأة وهو الذي يزاحم أباه في امرأته، وقد استمر هذا الزواج حتى مجيء الإسلام.

وهناك نوع آخر هو زواج المتعة وهو الزواج إلى أجل مسمى فإذا انقضى وقعت الفرقة وتختلف مدة العقد حسب اتفاق الطرفين وينسب الأولاد في هذه الحالة إلى أمهاتهم، وكان الدافع إلى حدوث هذا النوع من الزواج هو التنقل والأسفار والحروب، حيث يضطر المرء إلى الاقتران بامرأة لأجل محدد على صداق معين فإذا انتهى انفسخ العقد".

كما عرف العرب زواج البعولة هو الزواج القائم على الخطبة والمهر، وكان هذا النوع من الزواج هو الشائع بين العرب في مكة قبل الاسلام، ويتم بأن يخطب الرجل الى الرجل ابنته فيحدد صداقها ويُسمي مقداره ثم يعقد عليها بالتراضي مع أهل الزوجة، كما فعل أبو طالب عند تزويج الرسول "صلى الله عليه واله وسلم" من السيدة خديجة قبل البعثة.