ماري عجمي 1888 – 1965 صاحبة أول مجلة نسائية عربية في سورية (مجلة العروس) سنة 1910

" مجلة جنى " ولدت ماري عجمي في دمشق في الرابع عشر من شهر أيار سنة 1888 درست في دمشق في المدرسة الإيرلندية ثم في المدرسة الروسية ثم درست التمريض في الجامعة الأميركية في بيروت سنة 1906 ولكنها لم تكمل دراستها مارست التعليم في لبنان وسورية وفلسطين والعراق.

وهي أديبة وشاعرة وصحافية أنشأت مجلتها (العروس) سنة 1910، فكانت أول مجلة نسائية في سورية وأسست النوادي والجمعيات النسائية وفي مسيرتها النضالية التقت بالمناضل بتروباولي وقد جمعت بهما روح النضال والكفاح ومحاربة الظلم والاستبداد ولكن قبض عليه الأتراك وسجن ثم أعدم مع من أعدم من الشهداء سنة 1915 وهي كانت تتحدى الجنود الأتراك وتذهب لزيارته في السجن في دمشق وتنقل إليه الرسائل وتشجعه وتشد من أزره، وهي لم تنس حبيبها الذي ذهب ضحية الغدر والظلم والاستبداد واستمرت في النضال ضد الأتراك تعمل لاستقلال وطنها كما واجهت الاستعمار الفرنسي الذي نكل بالشعب السوري ولم تتزوج. (للاستزادة راجع كتابي «ماري عجمي» الصادر عن دار رياض الريس للكتب والنشر 2001). ‏

 يقول الشاعر والأديب أمين نخلة (1901- 1976) عن ماري عجمي ما يلي: «لا أعرف في الأقلام النسوية قلماً كالذي تحمله ماري عجمي فهو شديد شدة أقلام الرجال، لطيف لطف أقلام النساء، في آن معاً، ولعمرك هيهات أن يجتمع النساء والرجال على شمة واحدة واجتماعهم في أدب ماري عجمي». بينما خليل مردم بك يقول في كتاب «ماري عجمي»: «جمعت ماري بين الصناعتين النثر والنظم، فلها المقالات والخطب والقصائد وعالجت الترجمة كما عالجت الإنشاء.» يقول عنها عيسى فتوح وقد زارها وهي في أواخر عمرها، يصف لنا منزلها في دمشق: هذا المنزل الأثري الذي كنت أتمنى أن يصبح في يوم من الأيام متحفاً يضم «تراث ماري عجمي وأشياءها، وهي دار دمشقية واسعة في صحنها بركة ماء وأشجار نارنج وأزاهير شتى... كانت صاحبة نكتة فريدة وسخرية لاذعة». ‏

المشوار الأخير ‏

هذه هي ماري عجمي الأديبة والشاعرة والصحافية التي عاشت حياة ملأى بالأحداث وكان لها مساهمة فاعلة في مجتمعها وخصوصاً المجتمع النسائي. ‏

وقد توفيت في دمشق في 25 كانون الأول 1965 عن77 عاماً بعد أن عاشت في نهاية عمرها في عزلة وبؤس بسبب المرض.

ولم يشارك في جنازتها سوى نفر من المخلصين لها مشوا وراءها إلى مثواها الأخير في مقبرة الباب الشرقي للروم الأرثوذكس في دمشق. يصف لنا عيسى فتوح ذلك فيقول: ماتت ماري عجمي من دون ضجيج أو جلبة حتى أنه لم يرافقها إلى المقبرة سوى 16 شخصاً من أقربائها ليس بينهم أديب إلا فؤاد الشايب. ‏

مجلة العروس: أنشأت ماري عجمي مجلة العروس سنة 1910 صدرت في دمشق وكانت تطبع أول الأمر في حمص واستمرت إلى سنة 1914 حيث توقفت بسبب الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وبعد انتهاء الحرب أعادت إصدارها حتى سنة 1926 حيث توقفت نهائياً. ‏

وهي مجلة نسائية علمية أدبية صحية فكاهية جعلت شعارها: إن الإكرام قد أعطي للنساء ليزين الأرض بأزهار الماء.

تقول في تقديم مجلتها: إليكِ «العروس» فرحبي بها غير مأمورة ليذهب عنها شيء من حيائها، فتُسِِرُّ إليك بمكنونات قلبها وشعائر موقفها. ‏

عروسة لا عريس لها سوى الشعب الجاثي على أقدام حرتين يطلب بركة الوطنية تحت سماء العِلم والعَلم مسجلاً عقد قران عليها بمداد الفكر والقلب، مكللاً رأسيهما ببراعم الآمال وأزهار الحب. ‏

 إلى أن تقول: إلى الذين يؤمنون أن في نفس المرأة قوة تميت جراثيم الفساد وأن في يدها سلاحاً يمزق غياهب الاستبداد وأن في فمها عزاء يخفف وطأة الشقاء البشري – إلى الذين بهم الغيرة والحمية – إلى الذين يمدون أيديهم لإنقاذ بنات جنسهم من مهاوي هذا الوسط المشوه بانتشار الأوهام أقدم مجلتي لا كغريبة تثقل بها عواتقهم بل كتقدمة إلى من يليق بهم الإكرام وتناط بهم الآمال.

في مضمون المجلة... ‏

يمكن تقسيم مجلة العروس إلى ثلاثة أقسام أو أبواب: ‏

1- باب الأدب والتاريخ ‏

2- اقتطاف ما غزرت مواده وتعددت فوائده من الشؤون البيتية وكيفية تمريض الأطفال والعناية بهم. ‏

3- الفكاهات والنوادر والمناظرات والروايات الأدبية التهذيبية.

وفي مقال تقدم به مجلتها التي بلغت سنتها العاشرة تقول: وما نبرح مصوبين الجهود إلى أسمى الأهداف وهو خدمة القارئ في كل ما يتعلق بشخصيته وسعادته ونجاحه ولا غنية له عن معرفة ما نستطيع نقله من آراء كبار العلماء والكتاب الغربيين ويتسع له نطاق المجلة المتزايدة الصفحات عاماً بعد عام. ‏

لقد أرادت ماري عجمي من إنشاء مجلتها (العروس) أن تجعل منها منبراً للأدب والفكر الإصلاحي والتربية الأخلاقية ودعوة إلى تحرير المرأة من قيودها والرجل من جموده فكانت رائدة في هذا الحقل وكانت أول امرأة تصدر مجلة في سورية. ‏

 بدأت المجلة وعدد صفحاتها 32 صفحة ثم انتهت وقد تضاعفت إلى 64 صفحة في المرحلة الأولى من 1910 -1914 صدر في المجلة ثلاثة مجلدات وتقع في أكثر من ألف وخمسمئة صفحة وفي المرحلة الثانية 1918 -1926 صدر منها سبعة مجلدات تقع في حوالي خمسة آلاف وأربعمئة صفحة. ‏

 وهكذا يكون مجموع ما صدر من العروس أحد عشر مجلداً في ستة آلاف وتسعمئة صفحة. ‏

أسماء وكتاب كبار ‏

وإذا ما استعرضنا أسماء الأدباء والكتاب والشعراء الذين أسهموا في تحريرها وجدنا أنها تضم كبار الأدباء والشعراء الذين عاصروها أمثال: جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، إيليا أبو ماضي، جميل صدقي الزهاوي، معروف الرصافي، إسماعيل صبري، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، شبلي الملاط، الشاعر القروي، الأخطل الصغير ، إلياس أبو شبكة، شفيق جبري،عباس محمود العقاد، إبراهيم عبد القادر المازني، فارس الخوري، وسواهم إضافة إلى بعض النساء ما يدل على أهمية المجلة وانتشارها في عواصم العالم العربي وبلاد الاغتراب كذلك. ‏

يقول الدكتور عبد الكريم اليافي عن مجلة العروس وصاحبتها ما يلي: ماري عجمي كاتبة أصيلة تملأ مجلتها بمقالات ومقتطفاتها وبالشؤون البيتية من تمريض ووصفات في طبخ الطعام وعناية بالملابس وإزالة البقع عنها وغيرها وبالنوادر والحكم المليئة المفيدة، وكانت أحياناً توقع مقالاتها باسم (ليلى) ولكنها في الوقت نفسه برزت خطيبة بليغة تتهاداها الجمعيات والأندية لتلقي على منابرها خطباً بديعة أودعتها بعدئذ مجلتها فحفظتها بين دفتيها فنحن في العدد تلو العدد نجد عنواناً لخطبة من خطبها واسم النادي والجمعية التي ألفتها في ردهتها وعلى منبرها ولم تقتصر هذه الخطيبة البليغة والأديبة اللامعة على ميدان البيان لخدمة الإنسان أياً كان بل كانت جمة النشاط كثيرة المراسلات مع أدباء عصرها وأديباته ومع الصحف والمجلات إذ ذاك, بل أضافت إلى هذه المآثر خدمات اجتماعية جلى كانت قضية ما يدعى بتحرير المرأة في عهدها أدق القضايا المطروحة على بساط الإصلاح الاجتماعي، ولقد خصصت مجلتها العروس لمعالجة هذه القضية ورفع مستوى المرأة الاجتماعي كما كان أغلب خطبها يدور في هذا الموضوع وفي مكارم الأخلاق والفضيلة وحب التقدم كذلك كان شأنها كبيراً في بث التعليم والنظافة منذ صباها.

المرأة الطليعية ‏

كانت ماري عجمي أول امرأة تدعى لإلقاء محاضرة في المجمع العلمي في دمشق، وبعد.. شئت بهذه المناسبة وهي مرور مئة عام على إنشاء مجلة العروس أن أتذكر وأذكر بماري عجمي التي أسست مجلة راقية استقطبت كبار الأدباء والشعراء العرب في المشرق العربي كما في المهجر هذه المرأة الفذة التي أنشأت مجلة تعد عن حق من أرقى المجلات الأدبية العربية التي صدرت في مطلع القرن العشرين في العالم العربي وأرقى مجلة تصدرها امرأة في دنيا العرب. ‏

يقول عنها رئيف خوري في كلمة ألقاها في مهرجان تأبينها: نذرت حياتها للأدب حتى ليمكن القول إنها ترهبت للأدب ولم تكن عروساً لغير القلم، حبذا لو تهتم وزارة الإعلام ووزارة الثقافة السورية بالاحتفال بهذه المناسبة لتوفي ماري عجمي بعض حقها وتحيي ذكرى تأسيس مجلتها (العروس).