كيف تكوني شخصية مبدعه؟

مجلة جنى - يحتاج الإنسان إلى المهارة وإلى الوسط الخاص به حتى يكون مبدعاً، ولنأخذ الرسم كمثال على ذلك، اذ يعترف الكثيرون بعدم قدرتهم على الرسم، وهم محقون في ذلك، لأنهم لا يعرفون الطريقة التي يجب أن يتبعونها في ذلك.

فالرسم ليس عملية استنتاجية او استدلالية كالفلسفة، وإنما هو عمل بصري، والمشكلة التي يواجهها معظم الناس عند محاولاتهم الرسم، هي تدخل العمليات المنطقية العقلانية، التي غالباً ما تسيطر على العقل اثناء الرسم، فتصبح اللوحة وكأنها صورة فوتوغرافية اكثر منها تجسيداً لفكرة معينة نريد التعبير عنها.

والمشكلة الثانية هي السيطرة على تقنية الرسم، أي حرفية هذا الفن، بمعنى آخر، القدرة على تجسيد الفكرة على ورقة مستوية، اذ يستطيع الكثيرون تعلم الرسم من خلال التنسيق الجيد بين اليد والعين، وإذا لم يتعلم المرء هذه التقنيات ويتدرب عليها جيداً، فإن إمكانية إبداعه في الرسم تبقى محدودة جداً.

إلاّ أن هذا لا يعني أن الأشخاص الذين يملكون مهارات محدودة في استخدام تقنية ما، لا يمكن ان يكونوا مبدعين، فإلابداع له مستويات مختلفة ومراحل مختلفة ايضاً، فيمكن أن نجد اعمالاً على درجة عالية جداً من الإبداع تستخدم فيها تقنيات وأساليب بسيطة وبدائية.

ليس الإبداع عبارة عن عملية انتاج لأفكار جديدة فقط، ولكنه يعني ايضاً الحكم على هذه الأفكار لتحديد قيمتها والغاية المرجوة منها، وغالباً ما يقوم الشخص المبدع بتقييم عمله والحكم عليه عدة مرات، وقد يكون هذا الحكم سلبياً أي يجد أن العمل قد يفشل، فالأعمال الإبداعية التي نراها قد تأتي بعد عدة محاولات فاشلة الى ان نصل بالعمل الى المستوى المطلوب. وتعتبر عملية التقييم أو النقد الذاتي هذه شرطاً أساسياً لتطور العمل الإبداعي.

كما إن الجانب العبثي اللاهي في العملية الإبداعية مهم جداً، كما يوضح ذلك عالم الفيزياء (Richard feynmann) وهو  احد الحائزين على جائزة نوبل: "قبل ان اروي لكم كيف توصلت إلى نظرية فيزيائية جديدة أريدكم ان تعرفوا انني قد بدأت العمل وتابعته فقط من اجل التسلية والمتعة لا اكثر، فقد كنت أتناول طعام الغداء ذات مرة في مطعم قريب، وكانت تجلس أم وطفلها على طاولة أخرى قريبة من طاولتي، وفجأة قذف الطفل بالصحن الذي امامه في الهواء فوقع على الأرض واخذ يدور بحركات اهتزازية على الارض، الى ان استقر ساكنا تماما، وكان هناك نقش في مركز الصحن، فلفتت نظري حركة هذا النقش الذي كان يدور بسرعة أكبر بمرتين من سرعة الحركة الإهتزازية للصحن، وحاولت معرفة سبب ذلك والنظر الى الحركة الدورانية للأشياء من باب الفضول واللهو، وتوصلت الى ان هذه الحركة هي نفسها حركة دوران الالكترونات مما اوصلني الى قياس الديناميكية الالكترونية. وهو البحث الذي كنت اعمل فيه. وقد كنت أعمل على هذه الفكرة وفجأة تدفقت الحقائق وانسابت حولها ومن ثم نلت جائزة نوبل على هذا العمل!!".