“حسين العطاري” يصدر سلسلة أغاني الدبكة الفلسطينية

مجلة جنى - “سلسلة أغاني الدبكة الشعبية”، هي المظلة التي ضمت إصدارات ثلاثة للباحث حسين سليم العطاري، صدرت مؤخراً عن “الرقمية للنشر والتوزيع الإلكتروني” في القدس، تحت عناوين “الدلعونة”، و”غزيّل وجفرا”، و”زريف الطول”، تلاها رابع للعطاري أيضاً بعنوان “الزغاريد”، بدعم من الصندوق الثقافي الفلسطيني (وزارة الثقافة)، بتصميم مميز للأغلفة حمل توقيع الفنان رمزي الطويل.

والدبكة رقصة فلكلورية تمارس في المناسبات الفلسطينية (الأفراح)، وهي الأكثر شيوعاً في الريف الفلسطيني وبعض المدن. وتتكون فرقة الدبكة من مجموعة لا تقل عن عشرة راقصين، وعازف اليرغول أو الشبّابة أو المجوز، والمغنى (القوّيل).

ورقص الشبّان في حلقة مفتوحة على أنغام الآلات آنفة الذكر، وباشتراك المغني، ويمسك من يحتل طرف الحلقة منديلاً معقود الأطراف، أو مطرزاً بالخرز أو بالعصا، يلوّح بها أثناء الدبكة لذا يعرف باللويح، وتسمح التقاليد للويح أن ينفصل عن حلقة الدبكة وأن يدبك منفرداً بحركات يظهر فيها مهارته وتفننه، ومثله في ذلك المغني الذي يشذ عن اللحن، ويرتجل لحناً قريباً منه.

أما الشخص الذي يتخذ الطرف الأخير من الحلقة فيقال له، حسب العطاري، “على الجحشه”، فيما ينفرد الرجال عادة برقص الدبكة، عدا بعض قرى شمال فلسطين حيث تشارك المرأة في حلقات الدبكة جنباً إلى جنب مع الرجل.

وأشار العطاري إلى العديد من الدبكات الفلسطينية، منها: الشمالية نسبة إلى شمال فلسطين، وخاصة حيفا، والكرّادية وتتميز بالإيقاع السريع، والعرجا، والفتوحية، والسبعاوية، والطيّارة، والشعراوية.

وهناك أيضاً دبكة “حبل مودّع”، وهي دبكة مختلطة يشترك فيها الرجال والنساء والشبّان والصبيان، وكانت شائعة في قرى الساحل الممتدة بين عكا ورأس الناقورة وقرى شمال فلسطين، ودبكة “جفرة”.

وتعتبر “الدلعونا”، وتارة تكتب بالألف الممدودة في نهايتها، وتارة أخرة بالتاء المربوطة، من ألوان الغناء الشعبي، ويعد أكثر أنواع الغناء شيوعاً، لا سيما في منتصف القرن الماضي، وهي مأخوذة من لفظة “دلعونا” أو “دلعونة” ذات الأصل اللبناني، وتعني الغنج والدلال، وهناك من يرى أنها من عبارة “على يد دلعونا” لاعتبارها دعوة لمد يد العون والمساعدة يطلقها المغني الشعبي لبث الحماسة في الجمهور، أو أن لها أصولاً في الأسطورة الكنعانية، فهي من “عناة” ابنة الإله “إيل”، إلهة الخصب والحب والحرب، حيث تعني “أويال عناة” طلب المساعدة من الآلهة عناة (عناء).

وحسب العطاري، يروى في أصل هذه الأغنية، أيضاً، أن شاعراً شاباً اسمه “ظريف الطول” أحب فتاة شاعرة اسمها “عناة”، وشاءت الأقدار أن تفرق بينهما، فتزوجت شاباً آخر أخذها إلى قريته فجن حبيبها “ظريف الطول”، وأخذ يقول: “دلوني عناه، ثم أدغمت اللفظتان فأصبحتا دلعونا”.

وقسم العطاري كتابه “الدلعونة” إلى أقسام عدة، احتوى كل منها محاور مختلف فيها وأمثلة من التراث الغنائي المرافق للدبكة الشعبية، وفيها دليل توضيحي يفسر المعاني بحيث يمكن للقارئ العربي التعرف عليها، أو حتى القارئ الفلسطيني لاختلاف الألفاظ من منطقة لأخرى، خاصة الشباب واليافعين، ومنها: الغزل العفيف، والغزل المادي.

وفي “غزيّل وجفرا” عرّف العطاري الـ”غزيّل” بأنه “تصغير الغزال، وورد التصغير هنا للدلالة على التحبب والتمليح والتدليل”، وهي “من أغانينا الشعبية التي كانت شهرتها في الأيام الخوالي، والتي غناها كلا الجنسين في سهراتهم وأفراحهم، وهي من أغاني الدبكة التي كان يرددها الرجال والنساء في سهرات العرس”، حيث “يتكون بين الغزيّل من أربع شطرات، ثلاث منها تتبع نفس القافية، أما الرابع فمختلف”.

ومع اختلاف الباحثون في أصل أغنية جفرا، إلا أنهم لا يختلفون “جفرا ويا هالربع” أغنية قومية وتراثية شعبية فلسطينية، وأن الشاعر أحمد عزيز علي الحسن من قرية كويكات في الجليل الغربي قضاء عكا، هو من أول من ألف فيها كتاباً شعرّياً مطبوعاً، وبذا يكون قد ترك بصمته الخاصة منها وإلى الأبد.

ولفت العطاري إلى أن الجفرا حكاية حب عذرية، وهي كنية عن الحبيبة التي فضل الشاعر ألا يذكرها بالاسم، كون “جفرا” مؤنث الجفر، وهي “السخلة” بنت الماعز، أو “اليعفور” بنت الغزالة التي بلغت سناً تصلح فيها للزواج .. ومن بين الروايات أن هذه الفتاة كانت تسكن “كويكات” وتزوجت غيره، فكانت الأغنية التي انتشرت بالجليل قبل أن تتدحرج لتصبح واحدة من أشهر الأغنيات الشعبية الفلسطينية قاطبة، ولا تزال.

وما بين غزلين عفيف ومادي أيضاً، تتوزع مقطوعات “زريف (ظريف) الطول“، الجزء الثالث من سلسلة أغاني الدبكة الفلسطينية، مشيراً في شرحه عن الأغنية إلى أن “الطول ما زال من الصفات التي تلفت النظر في المرأة داخل مجتمعنا الفلسطيني، لذا كثيراً ما نسمع المغني الشعبي الفلسطيني يتغنى بهذه الصفة في الفتاة التي أحبّ، إلا أنه لم يحدد الأسباب التي تجعل من الطول مظهراً من مظاهر الجمال لدى المرأة، بل إنه بالغ في تلك الصفة إلى حد جعلها تبدو غير واقعية وغير معقولة، ونحن نتقبلها منه على هذا الوضع لإدراكنا لهذا التقليد الشعبي الذي يميل إلى المبالغة في كل شيء”.

أما كتاب “الزغاريد”، وهو منفصل متصل لذات المؤلف، ففيه مجهود كبير كسابقيه بما يتعلق بعملية الجمع، فما تحويه الكتب الأربعة عبارة عن كنوز حقيقية ونادرة.

والزغرودة، أو “المهاهاة”، أو “الزعق”، أو “الزلغوط” وجمعها “زلاعيط”، أو “زغاريد”، وهي عبارة عن فن شعبي غنائي مهم تمارسه النساء في المناسبات السعيدة، ويقابله “الشوباشي” (الواو) عند الرجال، ويمكن أن تطلق الزغاريد في مناسبات مختلفة مثل: “عقد البيوت”، و”عودة المغتربين”، و”نجاح الأبناء”، و”شفاء المرضى”، و”عودة الحجاج”، وغيرها، متحدثاً عن “آويها”، و”لولولولي”، وغيرهما من عناصر الزغاريد.

وعن السلسلة كتب وزير الثقافة د. إيهاب بسيسو: إن “جهد الباحث والكاتب حسين العطاري في تأطير جذور الدبكة الشعبية الفلسطينية، وتعميق الوعي فيها، وبمفرداتها، من خلال هذه الموسوعة التي تحملنا إلى تفاصيل دقيقية لجزء مهم من تراثنا الفلسطيني الفني،

انعكست أدبياته على محيطنا العربي، وأصبح بصمة معروفة للفعل الإبداعي الفلسطيني أينما كان تواجده، وكانت هذه المعطيات الغنية بمفاهيم الدبكة الفلسطينية كعمل غير مسبوق تم جمعه وتدقيقه وتفصيله بطريقة تيسر على الباحثين أن يكملوا ما بدأه الأستاذ العطاري، الذي أفرد جهداً كبيراً للحفاظ على التراث غير المادي في صيغ مبسطة وميسرة، وفيها جماليات ثقافتنا الفلسطينية الضاربة في عمق الحضارة، ومنذ فجر التاريخ”.