هدى شعراوي

هدى شعراوي... رائدة الحركة النسائية العربية.

"مجله جنى "..  ارتبط اسم هدى شعراوي بقضية المرأة المصرية خصوصا والعربية عموما، لقد كانت هذه السيدة العظيمة مناضلة نسائية وسياسية من الدرجة الأولى، كرست كل حياتها للمطالبة بحقوق المرأة وباستقلال الوطن، ونجحت بفضل إصرارها وصمودها في إخراج النساء المصريات من شرنقة الجهل والتخلف والتبعية لتؤسس لمجتمع يؤمن بالمرأة كشريك للرجل في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي.

نشأتها وزواجها

ولدت السيدة هدي شعراوي يوم 23 يونيو سنة 1879 م بمدينة المنيا، والدها هو محمد باشا سلطان رئيس أول مجلس نيابي في مصر، وشقيقها الأكبر هو عمر سلطان أحد الذين شاركوا مصطفى كامل في تأسيس الحزب الوطني.

فارق والدها الحياة وهي في الخامسة من عمرها لتتولى والدتها رعايتها، تلقت تعليمها في المنزل ونشأت على حفظ القرآن الكريم ودراسة العلوم واللغات وحب الفنون.

تم تزويجها وهي في الثالثة عشر من عمرها من ابن عمتها على شعراوي باشا أحد قادة ثورة 1919م والذي كان يكبرها بأربعين سنة. وكان أحد شروط عقد زواجها أن يطلق زوجها زوجته الأولى، وبعد فترة علمت هدى أن العلاقة بين الاثنين لا زالت مستمرة، فما كان منها إلا أن فارقته لمدة سبع سنوات، نضجت خلالها. وفي السنوات اللاحقة رزقت منه بطفلين: بثينة ومحمد.

وضعية المرأة الشرقية

ثارت هدى على وضعية المرأة الشرقية التي كانت تعيش في إطار يحدده لها المجتمع الذكوري بسلطته وسطوته، لا رأي لها في أمر زواجها ولا حق لها في التعليم أو العمل.  وفجرت قضية تحرير المرأة سنة 1909م حين قامت بتنظيم ندوة نسائية عامة في الجامعة المصرية حول المرأة الغربية والشرقية ومسألة الحجاب، وترأست هدى الجلسة الأخيرة في الندوة، لتنتزع آنذاك الاعتراف بحق المرأة في المشاركة في الندوات العامة بل ورئاستها.

هدى شعراوي، رائدة العمل الاجتماعي والثقافي

اهتمت هدى شعراوي بالعمل الاجتماعي، وفتحت أمام المرأة المصرية باب المشاركة فيه، حيث أسست جمعية لرعاية الأطفال سنة 1907م، وفي سنة 1908م طالبت القائمين على الجامعة المصـرية بتخصيص قاعة للمحاضرات النسائية والاجتماعية، فكان لها ما أرادت، وساهمت في تأسيس (مبرة محمد علي) للأطفال المرضى سنة 1990، وكانت أول من فكر في إقامة دار لحضانة الأطفال تهتم برعاية أطفال العاملين صحياً واجتماعيا.

اهتمت أيضا بالثقافة والفنون، وكانت من الرعاة البارزين لحركة الفنون الجميلة في مصر من خلال مشاركتها في العديد من الجمعيات الأهلية الفنية منذ مطلع العشرينيات من القرن الماضي، إضافة للعديد من الأنشطة الفنية والثقافية.

في الصورة، صفية زغلول على اليمين وهدى شعراوي على اليسار

العمل السياسي ومحاربة المستعمر

ومع اندلاع ثورة 1919 لمع نجم هدى كمناضلة سياسية حين خرجت يوم 16 مارس برفقة أم المصريين صفية زغلول على رأس مظاهرة نسائية للمطالبة بالإفراج عن زعيم الأمة سعد زغلول ورفاقه، وكان يوما تاريخيا تحدت فيه النساء المصريات جنود الجيش الانجليزي وسقطت فيه أول شهيدة للحركة النسائية آنذاك مما أجج حماس بعض نساء الطبقات الراقية اللائي خرجن في مسيرة ضخمة رافعات شعار الهلال والصليب دليلاً على الوحدة الوطنية، وتوجهن في مسيرة تاريخية إلى بيت الأمة. ومنذ ذلك التاريخ ومصر تخلد يوم المرأة المصرية في السادس عشر من مارس من كل سنة.

تقول هدى شعراوي عن هذا اليوم التاريخي في مذكراتها: " وبينما كنت أتأهب لمغادرة منزلي في ذلك اليوم للاشتراك في المظاهرة، بادرني زوجي بالسؤال: إلى أين تذهبين والرصاص يدوي ويتساقط في أنحاء المدينة؟

فأجبت: للقيام بالمظاهرة التي قررتها اللجنة !!

فأراد أن يمنعني فقلت له: هل الوطنية مقصورة عليكم معشر الرجال فقط وليس للنساء نصيب فيها؟

فأجابني: هل يرضيك إذا تحرش بكن الإنجليز أن تفزع بعض النساء ويولولن " يا أمي ... يا لهوتي !! " .

فقلت له إن النساء لسن أقل منكم شجاعة ولا غيرة وقومية أيها الرجال، وتركته وانصرفت لألحق بالسيدات اللاتي كن في انتظاري..."

الاتحاد النسائي المصري وقضية المرأة

أسست هدى شعراوي أول اتحاد نسائي مصري في16 من مارس سنة 1923م بهدف النهوض بالمرأة لتمكينها من مشاركة الرجل في جميع الحقوق والواجبات. وترأست وفد مصر في مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي انعقد بروما في نفس السنة، وتمكنت بفضل مشاركتها فيه من الانتصار لقضيتها الوطنية ودفع الاتحاد الدولي لمساندة مصر في نضالها من أجل الاستقلال.

ثار ضدها الكثيرون حين قامت برفع النقاب عن وجهها ودعت النساء لخلعه بهدف فتح المجال أمامهن للانخراط في الحياة الاجتماعية والسياسية.

ونجحت من خلال دورها كرئيسة للاتحاد النسائي المصري في القيام بدور إيجابي وفاعل إزاء القضايا الوطنية والديمقراطية. وكانت دائمة السعي إلى إنصاف المرأة ونصرة قضيتها، فقد طالبت برفع سن الزواج للفتاة إلى 16 سنة على الأقل، الأمر الذي نجحت في تحقيقه سنة 1923م، كما نادت بتمكين الفتيات من متابعة تعليمهن العالي ومنحهن الحق في الانتخابيون طالبت أيضا بوضع قانون يقيد تعدد الزوجات وأعلنت رفضها لما يسمى ببيت الطاعة.

ومواكبة للتغييرات التي كانت تعرفها المرأة المصرية آنذاك قامت السيدة هدى بإصدار "مجلة المصرية “سنة 1925م باللغتين الفرنسية والعربية للتعريف بأحوال المرأة المصرية وتطورها.
عضوية الاتحاد النسائي الدولي

تم اختيارها كعضو في اللجنة التنفيذية للاتحاد النسائي الدولي سنة 1926، لتصبح بذلك الممثلة الوحيدة للمرأة في بلاد الشرق الاقصى الشرق الادنى على الصعيد الدولي.

انتخبت أيضا ضمن أعضاء اللجنة المسؤولة عن مسألة السلام الدولي.

وفي سنة 1935 م أصبحت أول امرأة عربية تشغل منصب نائبة رئيسة الاتحاد النسائي الدولي.

هدى شعراوي وقضايا الوطن العربي

اهتمت هدى شعراوي بالقضايا العربية المصيرية حيث قامت سنة 1938م بعقد أول مؤتمر نسائي عربي للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

ونجحت في نقل أفكار تحرير المرأة من مصر إلى بقية الدول العربية، كما ساهمت في تأسيس الاتحاد النسائي العربي سنة 1944م في مؤتمر عقد بالقاهرة بحضور ممثلات عن ست دول عربية، وتم انتخابها كأول رئيسة له منذ تأسيسه وحتى وفاتها.

ضلت هدى شعراوي مسكونة طيلة حياتها بقضايا المرأة العربية والوطن العربي، وقامت بعد صدور قرار تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر 1947م بإرسال خطاب شديد اللهجة إلى الأمم المتحدة احتجاجا على هذا القرار الجائر والبعيد عن الشرعية. وتوفيت بعد ذلك بأسبوعين تقريبا يوم 12 دجنبر سنة 1947، وقد تركت العديد من المؤلفات من أشهرها "عصر الحريم".