وليد دقّة.. رواية للأطفال من سجن رامون

"مجلة جنى" خلال اثنَين وثلاثين عاماً هي الفترة التي قضاها أسيراً في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لم يقطع الكاتب والمناضل الفلسطيني، وليد دقّة (1961)، مع الكتابة التي توزّعت بين الفكري والأدبي. هكذا، تمكّن، وهو في المعتقَل، من الحصول على ماجستير في العلوم السياسية، وإنجاز دراسات أبرزها "صَهر الوعي، أو في إعادة تعريف التعذيب".

يُضيء "صَهر الوعي"، الذي صدر في 2010 عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" و"مركز الجزيرة للدراسات"، على مآلات "الحركة الأسيرة" بعد اتفاقيات أوسلو، وما يتعرّض إليه الأسرى الفلسطينيّون من ضغوطٍ ممنهَجة لتشويه وعيهم، ليس التعذيب الجسدي والمعنوي سوى واحدٍ من أشكالها.

يضع دقّة ذلك في سياق حالةٍ متواصلة من محاولات "إعادة صياغة البشر وفق رؤية إسرائيلية، عبر صَهر وعيهم، لا سيما صَهر وعي النخبة المقاوِمة في السجون"، كما كتب المفكّر العربي عزمي بشارة في مقدّمة الدراسة التي ركّزت على التأكيد أن القضيّة الفلسطينيّة هي قضيّةُ الأسرى الأولى، على خلاف توجُّهٍ يُريد أن يقلب الوضع ويجعل منهم قضيّة فلسطين الأولى. ومن ثمَّ يرفض دقّة إطلاق سراح الأسرى كبديلٍ عن "الحلّ العادل"، أو للتغطية على التنازلات السياسية.

كتب دقّة نصوصاً سردية؛ أبرزها "الزمن الموازي"، وهو في الأصل رسالة طويلة موجهة إلى عزمي بشارة، وفيها يتناول تجربة الأسر من نافذةٍ إنسانية، بعيداً عن الجانب البطولي وما يعلَق به من شعارات.

قُدّم العمل على خشبة "مسرح الميدان" في حيفا سنة 2014، باقتباس وإخراج بشّار مرقص، ما أثار غضباً "إسرائيلياً" ودفع إلى قطع التمويل عن المسرح، في حادثةٍ أكّدت قمع الفنّ والرأي والعمل المتواصل على اختراق الفكر الفلسطيني من قبل الاحتلال الصهيوني.

يروي العرض قصّة شبّان ينسجون أحلاماً صغيرة داخل الزنزانة؛ كالذهاب إلى البحر أو قاعة سينما مع الحبيبة. أحدُ هؤلاء هو وديع الذي يحلم بالزواج من حبيبته وإنجاب ولدٍ يسمّيانه ميلاد، فيعمل، مع رفاقه، على صنع آلة عود للاحتفال بزواجه الذي يظلّ مؤجّلاً.

تتقاطع حكاية وديع مع سيرة الكاتب الذي اعتُقل عام 1986 وحُكم عليه بالسّجن المؤبّد بـ "تهمة" أسر جندي "إسرائيلي" وقتله؛ إذ لم يتمكّن دقّة من عقد قرانه من خطيبته الصحافية سناء سلامة، إلّا عام 1999، وكان ذلك داخل السجن.

قبل أيّام، عاد وليد دقّة بكتابٍ جديد يتمثّل في رواية للأطفال صدرت عن "مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعي" في رام الله، بعنوان "حكاية سرّ الزيت".

في العمل، الذي أُرفق برسوماتٍ للفنّان فؤاد اليماني، يقترب الكاتب من منطقةٍ جديدة ضمن اشتغاله الكتابي، تتمثّل في أدب الطفل (الرواية موجّهة للقرّاء بين ثمانية وخمسة عشر عاماً). وفي تقديمها للعمل، اعتبرت الكاتبة المتخصّصة في أدب الطفل، ليلى البطران، أن الرواية هي التجربة الفلسطينية الأولى ضمن ما يمكن تسميته "أدب السجون لليافعين".

تظلّ أجواء الأَسر حاضرةً في العمل الذي يروي قصّة طفل فلسطيني من قرية كرم زيتون يُدعى "جود"، يُغامر لزيارة أبيه الأسير الذي لم يره منذ ولادته، مستعيناً بأصدقاء من نوعٍ مختلف؛ هم الأرنب "السمّور" والعصفور "أبو ريشة" والقط "الخنفور" والكلب "أبو ناب"، إضافة إلى شجرة الزيتون العجوز "أم رومي" التي تمدّه بزيتٍ سحري يُساعده على اختراق جدران "سجن العفّولة" المُحاط بالحرّاس والأسلاك الشائكة.

ومن خلال هذه الحكاية، يقترب الكاتب من حياة الفلسطينيّين تحت الاحتلال، ضمن أجواء لا تخلو من الغرائبية، ولا تُغادر عوالم الطفولة. إنها "حكايةٌ تُذكّرنا، نحن القابعين في الطرف الآخر من المعتقل، أن لا سجن ولا قيد قادر على كبح جماح العقل والخيال"، كما تقول الكاتبة الكويتية هدى الشوا، على غلاف الرواية.

وبحسب تصريحاتٍ صحافية لـ سناء سلامة، سيجري إطلاق الكتاب قريباً في عددٍ من المدن الفلسطينيّة؛ وستكون البداية من رام الله وحيفا.

على غلاف رواية وليد دقّة، الذي يواصل الاحتلال الإسرائيلي عزله في "سجن رامون" الصحراوي منذ سنتَين، نقرأ: "أكتب حتى أتحرّر من السجن على أمل أن أحرّره منّي".