التحرّش في مصر... سجال مفتوح والأزهر يقول كلمته

"مجلة جنى" خلال الأيام القليلة الماضية، لم تخلُ منصات التواصل الاجتماعي من السجال حول مقطع فيديو التقطته شابة مصرية لشابَين مصريَّين في منطقة التجمع الخامس شرقيّ العاصمة، أحدهما يعرض عليها شرب كوب من القهوة معه. وكان التسجيل قد انتشر سريعاً على منصات التواصل الاجتماعي، لتتبعه تسجيلات فيديو أخرى لـ"شاب القهوة" يدافع فيها عن نفسه من تهمة التحرّش بمن عُرفت لاحقاً بـ"فتاة فيديو التجمع".

بطبيعة الحال، انقسمت الآراء في مصر حول تسجيل الفيديو وتقييم الموقف. بعضهم رأى فيه دعوة عابرة للتعارف متّبعة في معظم الدول والثقافات، وهي وجهة نظر "شاب القهوة"، بينما أيّد آخرون موقف الشابة وصنّفوا الموقف "تحرّشاً" وتداولوا صور الشاب وقد كُتب عليها "متحرّش التجمع". إلى هؤلاء، ثمّة فئة بالتأكيد تُلقي اللوم على ملابس الشابة ومظهرها من دون حتى التطرّق إلى أصل الموضوع.

وسط السجال بين جمهور التواصل الاجتماعي، تطرّق الأمر إلى تحليل يشير إلى "الطبقية"، نظراً إلى تعامل الشابة مع الأمر على أنّه "فعل غريب في منطقة راقية مثل التجمع". يُذكر أنّ منطقة التجمع التابعة إلى القاهرة الجديدة، تُعَدّ أحد أرقى الأحياء السكنية في القاهرة وأغلاها لجهة قيمة السكن والمعيشة. وراحت تُطرح أسئلة من قبيل: "هل هذا الموقف يُعَدّ تحرّشاً أم لا؟" و"هل هذا الموقف مقبول في أوساط اجتماعية وطبقات سكانية معينة أم لا؟".

على مدى أيام، كان الأبرز في النقاش حول الموضوع أنّ ثمّة أشخاصاً يرون أنّهم يملكون من الوعي والرقي الكافيَين للتعامل مع هذا الموقف، في مقابل من يرونهم أشخاصاً رجعيّين ومعقدين. إلى أن وقعت حادثة دموية بشعة على رمال أحد الشواطئ العامة في الإسكندرية، تحديداً شاطئ أبو يوسف غربيّ الإسكندرية، على خلفية شجار بين رجلَين بسبب اعتراض أحدهما على مغازلة الثاني زوجته على الشاطئ. انتهى الأمر بتوجيه الرجل "المغازِل" طعنات عدّة إلى الزوج أودت بحياته بين يدَي زوجته، فقط لأنّه اعترض على التحرّش بها. في وقت لاحق، صدرت الرواية الأمنية لتشير إلى أنّ القاتل عاطل من العمل ومختلّ عقلياً. وقد أفاد محضر الشرطة بأنّ مشاجرة وقعت بين المجني عليه والجاني في أثناء وجودهما على شاطئ أبو يوسف، انتهت بوفاة الأول على أثر إصابته بكسر في عظام الجمجمة وجروح قطعية في مختلف أنحاء الجسم بواسطة سكّين كانت في حوزته.

حوادث متتابعة دفعت مؤسسة الأزهر إلى إصدار بيان يحرّم فيه التحرّش قولاً واحداً ويدين مبرريه. وجاء في البيان: "تابع الأزهر الشريف ما تداولته وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة من حوادث تحرّش، وصل الأمر في بعضها إلى حد اعتداء المتحرّش على من يتصدّى له أو يحاول حماية المرأة المتحرّش بها، في ما سعى بعضهم إلى جعل ملابس الفتاة أو سلوكها مبرِّراً يُسوغ للمتحرّش جريمته النكراء، أو يجعل الفتاة شريكة له في الإثم". أضاف البيان: "وفي هذا السياق، يشدد الأزهر الشريف على أنّ التحرّش - إشارة أو لفظاً أو فعلاً - هو تصرّف محرّم وسلوك منحرف، يأثم فاعله شرعاً، كما أنّه فِعلٌ تأنف منه النفوس السويّة وتترفع عنه، وتنبذ فاعله، وتجرّمه كل القوانين والشرائع". وقد أكّد الأزهر في بيانه أنّ تجريم التحّرش والمتحرِّش يجب أن يكون مطلقاً ومجرّداً من أيّ شرط أو سياق، فتبرير التحرّش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبّر عن فهم مغلوط؛ لما في التحرّش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، فضلاً عمّا تؤدي إليه انتشار هذه الظاهرة المنكرة من فقدان الإحساس بالأمن، والاعتداء على الأعراض والحرمات". ودعا في ختام بيانه إلى "تفعيل القوانين التي تجرّم التحرّش وتعاقبه على فعله، ورفع الوعي المجتمعي بأشكال التحرّش وخطورته، والتنفير من آثاره المدمرة على الأخلاق والحياء، خاصة التحرّش بالأطفال".

أعادت الحوادث المتتابعة في أرقى الأحياء السكنية وكذلك على أكثر الشواطئ العامة تواضعاً، إلقاء حجر في المياه الراكدة في ما يتعلق بالتحرّش الجنسي في مصر التي استشرت إلى حدّ أنّ هيئة الأمم المتحدة دعت إلى المساواة بين الجنسَين وتمكين المرأة، ولا سيّما أنّ نحو 99 في المائة من النساء المصريات تعرّضنَ لشكل من أشكال التحرّش الجنسي، وفقاً لدراسة أعدّتها المنظمة الأممية أخيراً.

ولا تكفّ تقارير محلية وعالمية عن الإشارة إلى معدّلات مخيفة من الأزمات الاجتماعية في مصر، وآخرها صدر عن مؤسسة "تومسون رويترز" مشيراً إلى أنّ القاهرة تُعَدّ أكثر المدن خطورة على النساء. على الرغم من ذلك، فإنّ إنكار تلك المشكلات من قبل شرائح عريضة من الشعب المصري ما زال مستمراً، في حين أنّها قد تحدث في كل زمان ومكان وقد تنتهي بحوادث قتل تماماً كما حدث على شاطئ الإسكندرية. تجدر الإشارة إلى أنّ ضخامة قضية التحرّش الجنسي في مصر كشفتها المشاركة الواسعة من مصر بالحملة الخاصة بوسم MeToo (أنا أيضاً) الذي أطلقته الممثلة الأميركية أليسا ميلانو عبر تغريدة كتبت فيها "إذا تعرّضت أيضاً لتحرّش أو اعتداء جنسي اكتبي أنا أيضاً كرد على هذه التغريدة". ويُذكر أنّ مصر تحتلّ المركز الأول عالمياً في التحرّش الجنسي، بحسب دراسات وأبحاث عدّة في داخل مصر وخارجها.

في الخامس من يونيو/ حزيران 2014، أدخل الرئيس المصري السابق، عدلي منصور، تعديلات تشريعية على أحكام قانون العقوبات لتوسيع تعريف جريمة التحرّش وتغليظ العقوبة على من تثبت إدانته بها. لكنّ تلك الإجراءات الاحترازية لم ولن تمنع التحرّش الجنسي في الشوارع والميادين والمتنزهات، وإن كانت تتصدى لبعضها بحكم القانون. وتنصّ المادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات على أنّه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه (نحو 170 دولاراً أميركياً) ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه (نحو 280 دولاراً) أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية".

المصدر: العربي الجديد