"مجلة جنى" أروى الزهراني - جدة - دُرٌ وفحم
بزغت مؤخرًا على الساحة الافتراضية،
صراعات لمفردات تُشكل الهوية والقناعة والرأي،
والسلوك كله قائمٌ على التنديد بها والترقيع أو بامتهانها
والاستخفاف بها..
وينشأ من خلال ذلك كله فِكرٌ مؤدلج وجماعات واعتبارات،
وبصرف النظر عن صواب هذا الفكر من عدمه،
إلا أنه لمجرد أن يُلاحظ أن له معتنقيه والملوحين به بشراسة؛
فهذا يعطيه شأنه ومكانته التي تتطلب وقفة
وتفحّص واستخلاص.
قرأت مؤخرًا عبارة صغيرة لأحد الكُتّاب يقول فيها :
"لا تخلط الدر بالفحم"
لمستني جدًا مفردة الدُرّ، تُهت معها بعيدًا حيث القالب والمفهوم والغاية وكل ما تسخّر ليتقولب في هذه المفردة..
فأخذت أتفكّر في سلوكيات كثيرة تُعنى بالمسمى،
وممارسات خارجة عن قناعة وفِكر ووجهة نظر ويقين،
وكل ما يعترينا ونخوض فيه كنساء إما دُررًا وإما فحم وبتحفظ شديد اللهجة وليس للكينونة المعنيّة فيه اختيار وإنما للغير :
كيف نميز الدُرّ من الفحم على أرض الواقع!
كيف نعرف أن الدرة درة وأنها ليست سرابًا لها؟
كيف يمكن اكتشاف جوهر الفحم الذي يمكن جداً
أن يكن ذو قيمة ويحوي خُلاصة تستحق وأن مُسماه لا يعني أنه بلا قيمة !
إذا كنا نرفض التقييم العادل ومنصاعون بضلال لتقييم موروث!
كيف نعرف' ماهي المقاييس!
من هو الذي وضع المسميات وماهي قناعاته؟
على أي أساس اختيرت مقاييس الدرة ووفقاً لماذا؟
لم يتوقف أحد لوهلة يتساءل حول مصداقية ماهيته
وحوله كذات أُلقي عليها الاسم أم التقته أو اختارته! ..
كل أولئك الواقفون وقفوا لإثبات وجهة نظر مبنية على ميول
مبنيّ على توجّه وموروث،.
نعم، هي هذه الكلمة" موروث"
ليس كل موروث يـبجل،
ليس كل موروث مقدس،
بعضه كوباء..
باستطاعتي ترصيص مئات المفردات الموروثة التي شكلت فِكرًا عفنًا تمدد ولم يزل ولم يقف في وجه تمدده لوهلة أحد
وأهمها " المرأة الدُرّة".. " والمرأة الفحم
أو - التي يتكالب عليها الذباب من كل حدب وصوب- "
الأمر سيان،
كلها مسميات، محشور فيها فكر له توجهات معينة،
لنفس الأسباب والغايات التي تتناسل منذ ملايين السنين..
أيكترث أحدًا لوهن هذه الكلمة،
لفزع تصنيفها بذوات لا يشبهونها
أو على الأقل لا يمثلون ذات التفسير والمعنى؟
أيهتم أحدًا برأي الدُرة كقيمة وجوهر،
في اعتناق أي شخص لها فقط لأنهم ألبسوه إرادتهم بضلال!
هل يفكر أحدًا أنّا أسأنا كثيراً للمسميات النبيلة القيّمة؟
ليس وكأننا لسنا نبلاء أو أننا لا نستحقها،
ولكننا نتصارع لأن نلوث سـمعة مفردة باهظة القيمة
بطرائق فائقة القسوة والوحشية ولمسوغات فظيعة..
المفردة أكثر أهمية مما يعتقد الكثرة،
لكن حين نُلبسها قوالبًا لا تفسرها تصبح منعدمة ولا وجود لها..
ترتقي مكانة الكلمة بارتقاء من يتلبسها بمثل ما تعنيه..
فهل أنتِ دُرّة فعلًا؟
أم قيل لك أنك كذلك ولم يقدم عقلك اعتراض
وظللتِ تحاربين شيئًا لم تتوقفي لمعاينة ماهيته!
أيخطر في بالك بأنك تقاتلين كينونتك وتقتلين هويتك
وترفعين راية شيء ليس أنتِ؟
هل الأخرى التي ليست على مسارك فحمًا وشيئًا يتكالب عليه الذباب؟
أيعقل أن نكون بهذا القرف لنحكم على ذوات بعضنا بمسميات لم نخترها من الأصل لنا فكيف نُلقي نقيضها على غيرنا !
إن القول أبسط كثيرًا من السلوك فيما يخص مفردة كالدرة،
نفهم جيدًا أن آليتها في الحياة الواقعية ليست مثلما تعنيه،
ونعرف كيف يتم استغلالها ببشاعة بما يوحي بسراباتها المشوهة وليس مثلما هي عليه..
إن كان ثمة توعية، فيجب أن نبدأ بالفهم أولًا،
ولا بأس أن تبقى إحداهن سرابًا لدرة بمقاييس موروثة،
ولكن يجب عليهن حينها أن يتخلين عن النزال فيما يخص القيمة
ويتفرغن للنزال على المسمى الموروث وثمن كل ذلك..
أعتقد أنهن يفهمنني الآن،
فلا ضير من الاختيار بإرادة وقناعة،
وإن كان في نظر الآخر سلبيًا وخاطئاً،
الخطأ فقط يكمن في ارتداء كل شيء وتوارثه
بدون التوقف للحظة
للنظر في الثمن والملائمة،
فكم كلفكن النزال على أنكن دُررًا في ساحات كثيرة
لم تكترث بالقيمة وتُرافع من أجل المسمى؟
كم مرة توقفتن للمس ذواتكن للتأكد من صحة كونكن دُررًا أم فحمًا
أم لا شيء؟
أظننا مشغولون جدًا بالصراع الافتراضي على مغالطات
وضعت كركائز ونحن عيّناتها،
بينما ولا مرة كـنا درراً ولا حتى غير ذلك..
لم نزل نصارع لكسب هوية لم نرثها،
لم يُلبسنا إياها أحد
ولم تُخلفها قناعات المقربين.
كم كنت أتوق لنتفهّم أننا نعاني وباء المسميات الموروثة
فيما يخص الهوية..
وأن الدرة جميلة والفحم كذلك بمقاييسهما
وبإرادتهما وبجوهر كل منهما دون التدخل،
وأنه من الفظاعة أن نكون عرضة لأن نتلبس أشياء
قيلت لنا، كبرنا عليها ولم نفهم ولم نختر ولم نستطع أن نُحيد عنها.
قد لا ينال ما سبق استحسان الكثرة،
ولكنّي امرأة، أحب كل امرأة،
أقدس الكينونة كيفما كانت بدون تدخلات جبرية،
وأجد أنه من البشع جدًا أن نتصارع في مساحات كثيرة على مسميات لا نمثلها،
يحزنني أن تتخاطب دُرة وسرابها
ويقتلني أن لا أجد أي سمات للدرر في أمكنة معنية بالهتاف من أجلها.
سيظنني البعض أنتمي لفئة، لفِكر معين..
سيُفهَم حديثي بمنطق لم أقصده ولا بأس بكل الانتقادات والآراء
الأمر فقط هو أني امرأة. أنتمي لكل امرأة.
أحترم كل امرأة
أقدّر أن يكن للمرأة هويتها وفكرها وإن تعارض مع قناعاتي،
أحزن على هوية حشروها في كينونة إحداهن فقط لأنها مشيئتهم، وهذا كل ما في الأمر.
_ عليكن فقط قضاء وقت أطول مع ذواتكن،
كُنّ أكثر اهتمامًا بالجوهر بعيدًا عما قيل لكن..
فقط اكتشفي ماهيتك
هل أنت درة حقيقةً أم تصنيفٌ آخر؟
ومن ثم وقفة احترام لما أنت عليه بإرادتك..
الأمور واضحة، ما نحتاجه كلنا الآن أن نقف.. نتفهم .. نمارس الدور الذي يفسر ذواتنا دون أية تدخلات وأدلجة..
كفانا صدأً وتعفن
فلا الدر ولا الفحم قادران
على استيعاب بشاعة ما نعتقد أننا نمثله ولسنا نمثله..
حُبا بالله فلنأخذ وقفة صارمة ولنفهم.!