"نورا جردانة" مهندسة الديكور الفلسطينية توثّق تاريخ نابلس العريق في مجسمات فنية

"مجلة جنى" منذ سنوات والفنانة الفلسطينية ومهندسة الديكور نورا جردانة تنغمس في مشروعها الرامي إلى إعادة الحياة لمدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، عبر مجسّمات حجرية تحاكي حال المدينة في ثلاث حقب زمنية هي الكنعانية والرومانية والعثمانية.

أجرت الفنانة جردانة العديد من الأبحاث والدراسات على تاريخ المدينة وواقعها خلال الحقب التي عايشتها، ومشت في زقاقها وحاراتها لتستطيع رسم لوحة فنية تليق بها، مستخدمة اللاصق والحصى الصغيرة في بناء البيوت والمساجد والكنائس التي تضج بها المدينة التي يقال عنها دمشق الصغرى.

وتهدف الفنانة نورا من وراء مشروعها حماية البلدة القديمة في مدينة نابلس من "الأسرلة" والتهويد، والتصدي لمحاولات الاحتلال الرامية إلى طمس التاريخ الفلسطيني، بعد سرقته العديد من الازياء والفلكلور الفلسطيني والتسويق لها على أنها تعود له.

وتتسع حارة حبس الدم في قصر عبد الهادي في البلدة القديمة لأعمال الفنانة جردانة، وبات القصر مقصد السياح والزوار للاطلاع على تاريخ المدينة التي يفوح الياسمين من مختلف حاراتها.

تقول نورا أن العمل على تجسيد البلدة القديمة الموجودة حالياً سهل إذا ما تم مقارنته بالعمل على تجسيد المدينة في الفترات الضاربة بعمق في التاريخ، فكلما عدنا للوراء كان العمل أصعب بكثير.

وسائل تعليمية

حولت جردانة المواقع التاريخية إلى مجسمات حجرية، كما تقول، "كوسائل تعليمية تعريفية للأطفال، تمكنهم من التجول في الأماكن السياحية من دون مساعدة، في محاولة لربطهم بواقع المدينة وآثارها. وما إن عرضنا المجسم الأول المكون من البلدة القديمة لمدينة نابلس، بما فيها من حارات وكنائس ومساجد وصبانات (مكان لصنع الصابون النابلسي التقليدي) وأزقة، حتى نال الإعجاب، وبات مقصداً للزوار والسياح وطلاب المدارس والجامعات". 

السياحة بمفهوم جديد

من مواد بسيطة مكونة من الحصى والرمل والصلصال والكرتون وبعض الألوان المائية وأكواز الصنوبر ومخلفات بيئية، استطاعت جردانة إنجاز مجسمين للمدينة. الأول يحاكي تاريخها في العهد العثماني والآخر في العصر الكنعاني القديم. وتستعد الآن لإنهاء مجسم للفترة الرومانية، حيث عرفت المدينة باسم فلافيا نيابوليس، وقد أنشأها الرومان عام 72 من الميلاد، وحرفت التسمية من فلافيا نيابوليس التي تعني (المدينة الجديدة) إلى نابلس. المجسمات الثلاثة تشكل صورة طبق الأصل عما كانت عليه المدينة قبل 5 آلاف عام.

عملت جردانة وهي مرشدة سياحية، على جمع مئات الوثائق والصور والخرائط والمخططات والدراسات، على مدار خمس سنوات متواصلة، لتصل إلى شكل وتاريخ مدينة نابلس على مر العصور.

تفيد جردانة " إن مفهوم السياحة يجب أن يتطور باستمرار، وفي زمن كورونا باتت الحاجة ملحة لتنشيط الاقتصاد والحركة السياحية بطرق جديدة ومختلفة ومع انعدام وجود السياح في المدينة، هناك طرق لشرح أهمية المدينة وتاريخها عبر الإنترنت، وبوجود هذه المجسمات التي تلامس الحقيقة أستطيع الشرح لأي شخص في العالم عن المواقع التاريخية والأثرية للمدينة. كما قمنا بعمل تطبيق للهواتف النقالة يمكن السياح من التجول افتراضياً في تلك المواقع التي يرغبون بزيارتها في فلسطين".

لم تكتف جردانة بعمل المجسمات الحجرية للمدنية، فمع فرض حالة الطوارئ ومنع التجمعات والجولات السياحية والالتزام بإجراءات الوقاية والسلامة للحد من انتشار الفيروس، عكفت على ابتكار ألعاب للأطفال على شكل رسومات وبطاقات بازل وغيرها، تمكنهم من معرفة معالم مدينتهم أو أي مدينة فلسطينية أخرى. وتوضح جردانة "في هذه الأيام ممنوع علينا أن نصطحب الأطفال في جولات سياحية وفقاً للبرتوكول الصحي المعمول به من قبل منظمة الصحة العالمية، فقمنا بعمل الألعاب التي تتحدث عن الآثار والتاريخ بطرق مبسطة وتفاعلية. نرسلها إلى الأطفال في منازلهم ليقوموا بحلها أو تلوينها مع عائلاتهم من باب التسلية والمعرفة، وتشجيع السياحة الداخلية أيضاً، حيث سيتشوق الأطفال لرؤية تلك المعالم والآثار التي قاموا بجمعها أو تلوينها عبر اللعبة".