نساء سوريات يوثقن قصصهن المؤلمة بأعمال فنية مدهشة

"مجلة جنى" قصص وحكايات بعضها مؤلمة، وبعضها الآخر مفرح… خرجت هذه القصص والحكايات من صدور نساء سوريات تعرضن لعدة مواقف قاسية خلال مسيرة حياتهن ظهرت إلى العلن وتجسدت عبر أعمال فنية بسيطة بأدواتها، ولكنها عميقة بمضمونها الإنساني لتشكل بمجموعها معرضا فنيا لاقى استحسانا كبيرا لدى المتابعين له.
خمس وثلاثون امرأة سورية اجتمعن في بداية الأمر في مشغل “فجة خرق” للبسط التراثية. ومن هنا، بدأت تظهر حكايات النساء وقصصهن الموجعة، فكل سيدة راحت تروي قصتها للأخريات لتتحول بعد فترة زمنية إلى أعمال فنية تجسد كل معاناتهن وخوفهن، ويستطعن بعدها كسر حاجز الصمت الذي لفهن لفترة من الزمن وحبسن بداخلهن كل تلك الحكايات من عنف أسري واغتصاب وتحرش وكبت اجتماعي، إضافة لقصص تحدي لإثبات أنفسهن في مجتمع مازال ينظر إلى المرأة على أنها ضلع قاصر.
كل لوحة عرضت في معرض “زوم” في مدينة السويداء جنوب سوريا، والذي أطلق عليه اسم “من قصة لقصقوصة”. وحملت كل لوحة تحتها قصة قصيرة قامت إحدى السيدات بكتابتها التي تلخص معاناة صاحبتها. ومن لم تستطع أن تروي قصتها عبر عمل فني، قامت سيدة أخرى بتجسيدها عبر لوحة فنية بغية نقل معاناتها للآخرين لعلها تجد حلا لها.
وقالت خلود هنيدي، 46 عاما، صاحبة مشروع ” فجة خرق”، وهي ورشة لإعادة إحياء التراث، إن “النساء العاملات بهذه الورشة من مختلف المحافظات السورية كن يتحدثن أثناء العمل فيما بينهن عن حكايات وقصص حدثت معهن بعضها مؤلمة وبعضها الآخر فيه قصة حلوة. ومن هنا لمعت الفكرة لماذا لا نحول هذه القصص والحكايات إلى قطع فنية بأساليب بسيطة تعبر عن مكنونات تلك النساء”.
وتابعت خلود هنيدي تقول، وهي تقف أمام اللوحات المعروضة، إن كل امرأة عبرت عن حكايتها بطريقتها الخاصة وبأسلوبها لتكون أقرب إلى الصدق وفيها روح وألم ومعاناة.
وأشارت إلى أن القصص تنوعت بين المعاناة اليومية لدى المرأة وبين تعرضها للضغوط الاجتماعية والقيود التي تحد من إبداعها وصولا إلى قصص مؤلمة تتعرض لها في معظم الأماكن من عنف واغتصاب وتغييب لدورها الإنساني والاجتماعي، مؤكدة أن هذا المعرض تمكن من كسر حاجز الصمت بهدف إرسال رسالة مفادها أن المرأة شريك حقيقي في الحياة، وهي ملازمة للرجل أينما كان .
وأضافت خلود أن “الجمهور تفاعل بشكل إيجابي مع هذا المعرض ومع هذه القصص والهموم التي عرضت”، مؤكدة أن الفكرة جديدة، ولم يتطرق لها أحد من قبل أن تروى قصص النساء عبر أعمال فنية بسيطة.
وقالت خلود إن “المعرض يهدف إلى مناصرة قضايا المرأة ” .
وأثناء تجولها بالمعرض لمشاهدة أعمال النساء الأخريات، قالت عبير بلان، 54 عاما، إن المرأة في مجتمعاتنا تمتلك قصصا وحكايات كثيرة مدفونة بداخلها، ولا تجرؤ على الكشف عنها لأحد، وهذا مع مرور الزمن يسبب كبتا وأمراضا نفسية. و”الإفصاح عن القصص وإخراجها للأخرين مهم جدا ويريح المرأة كثيرا”، على حد تعبيرها .
وبينت عبير بلان أن المعرض خطوة مهمة لتشجيع النساء اللواتي لديهن قصص مخبئة بداخلهن ولا يجرؤن على قولها. فهذه اللوحة قادرة على إزاحة هذا الهم من داخلهن، وبالتالي عرض القصة على الناس كي تستفيد منها وإيجاد حلول لها .
ورأت كندة بركة، 46 عاما، وهي أحدى المشاركات بالمعرض من خلال عمل فني بعنوان “أحجية ” يروي معاناتها مع ابنتها المصابة بمرض التوحد، أن المعرض خطوة مهمة نحو كسر حاجز الصمت .
وقالت بركة إن لوحة أحجية تسلط الضوء على مرض التوحد وأطلقت اسم أحجية على هذا العمل، لأن الأحجية هي رمز التوحد حتى الآن، وهذا المرض لم يجد الطب له حلا.
وأضافت أن “معرض قصاقيص جعلنا نواجه مشكلتنا الموجعة بشكل حقيقي، وأن نسعى لإيجاد حلول لها ”.
وتابعت تقول إن عمل أحجية ليس صوت سالي ابنتي المصابة بمرض التوحد، وإنما صوت كل الناس المصابة بهذا المرض. ونأمل أن يساهم المجتمع باحتضان هؤلاء المصابين كي نتمكن من مساعدتهم في المستقبل.
وأشارت بركة إلى أن ابتنها المصابة بالتوحد شاركت في صنع اللوحة كونها تخصها وقامت باستخدام الأبرة والخيط بصنع جزء من اللوحة عبر قطب لم تكن متقنة لكنها تعبر عن داخلها ووجعها.
وفي لوحة أخرى، جسدت إحدى النساء قصتها ومعاناتها مع الزواج المبكر وإنجابها للأطفال وتعرضها للتعنيف والتنمر من قبل المحيط الاجتماعي واستطاعت هذه المرأة أن تجسد معاناتها بأسلوب بسيط فيه كمية من القهر والتعب على مدى السنين.
وقالت المرأة التي فضلت عدم الإفصاح عن اسمها، وهي في العقد الخامس من عمرها، إن “الفكرة كانت رائعة، وحاولت أن أروي قصتي الموجعة التي ظلت قابعة بداخلي لسنوات طويلة “، لافتة إلى أن اللوحة التي رسمتها كانت “تعبر عن مكنوناتي الداخلية وتشبهني كثيرا”.
ورأت أن العمل أزاح عن صدرها هما كبيرا، مؤكدة أنها ليست رسامة، ولكن استطاعت من خلال قطع القماش الصغيرة أن تكون لوحة ترصد محطات هامة من حياتها الصعبة.