مصر تعيد افتتاح طريق الكباش التاريخي بحفل باهر

يربط بين معبدي «الكرنك» و«الأقصر» بطول 2700 متر

"مجلة جنى" بمزيج من الأغاني المصرية القديمة التي أنشدها المصريون في عيد «الأوبت»، والأغاني الشعبية المرتبطة بالسياحة في محافظة الأقصر (جنوب مصر) افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس الخميس، طريق الكباش الأثري، بعد الانتهاء من مشروع ترميمه وتطويره الذي استمر أكثر من 15 عاما.

وبدأ الحفل الذي حضره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعدد كبير من الوزراء والمسؤولين والسفراء الأجانب وممثلي القنوات الإخبارية ووكالات الأنباء العالمية باستعراض تاريخ الأقصر وأهم آثارها، ومن بينها مقابر وادي الملوك ومعابد الكرنك والأقصر ومعبد حتشبسوت ومتحف الأقصر، واستمع الرئيس إلى شرح حول الطريق وتاريخه من الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار.

وعلى أنغام الموسيقى الراقصة شدا المطرب المصري محمد حماقي والمطربة لارا إسكندر، كلمات أغنية «بلدنا حلوة» باللغتين العربية والإنجليزية، مع مشاهد استعراضية مباشرة ومسجلة، قبل عرض موسيقى أغنية «الأقصر بلدنا بلد سواح» والتي استدعت مشاهد قديمة من الأغنية التراثية بكورنيش النيل في الأقصر، لتقدم بشكل حديث وبراق. ثم عُرض فيلم تسجيلي عن تاريخ ومعالم الأقصر.

ويأتي هذا الافتتاح الباهر ضمن الاستراتيجية المصرية للترويج للسياحة عبر تنظيم فعاليات واحتفالات كبرى، والتي بدأت في أبريل (نيسان) الماضي باحتفال نقل المومياوات الملكية من متحف التحرير إلى متحف الحضارة بالقاهرة، وأمس من خلال افتتاح طريق الكباش، على أن تستكمل الاستراتيجية بالمشروع الأكبر والأهم، وهو المتحف المصري الكبير بميدان الرماية بالجيزة (غرب القاهرة) المقرر افتتاحه قريبا، بحسب تصريحات صلاح الماسخ، مدير معابد الكرنك لـ«الشرق الأوسط».

وشهد الحفل غناء مجموعة من الأغاني المصرية القديمة، بقيادة المايسترو نادر عباسي حملت عناوين «النداء الأول» و«أنشودة حتشبسوت» و«أنشودة آمون رع» إلى جانب بعض الأغاني الشعبية من الفلكلور المصري مثل «الأقصر بلدنا»، وشارك في الحفل نحو 160 عازف إيقاع من الشباب وفرق الموسيقى العسكرية.

بدوره، قال الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار المصري الأسبق، في تصريحات صحافية إن «العالم تابع بترقب وشغف الاحتفال بافتتاح طريق الكباش، والذي حضره في الأقصر أكثر من ثلاثة آلاف شخص»، مشيراً إلى أن «مشروع تطوير طريق الكباش بدأ عام 2005، وتضمن إعادة ترميم معبد الأقصر وتطوير طريق الكباش بطول 2700 متر، ليكون مصدر جذب للحركة السياحية».

فيما أوضح منصور بريك، خبير الآثار المصرية، والذي كان يشرف على فريق عمل الطريق منذ عام 2005، وحتى عام 2013، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «الأدلة التاريخية تشير إلى أن الملكة حتشبسوت (من الأسرة الثامنة عشرة) هي أول من بدأ في إنشاء هذا الطريق، عبر تمثال لأبي الهول يشبهها، لكن الملك أمنحتب الثالث كان أول من أنشأ الشارع الذي تصطف حوله تماثيل الكباش الأثرية، بين الصرح العاشر لمعبد الكرنك ومنطقة معبد موت وإلى الجنوب من معبد خنسو في الكرنك، ثم توقف المشروع في عهد إخناتون، وعاد مرة أخرى في عهد الملك توت عنخ آمون، والملوك اللاحقين».

واكتشف «طريق أبو الهول» لأول مرة في عام 1949 على يد زكريا غنيم، الذي اكتشف بداية الطريق عند معبد الأقصر، وكشفت الحفائر التي نفذها كل من محمد عبد القادر ومحمد عبد الرازق بين عامي 1958 و1964 عن 62 تمثالا لأبي الهول، واستكملت الحفائر فيما بعد لتكشف باقي أجزاء الطريق.

بدأ إنشاء طريق الكباش في عهد الأسرة الثامنة عشرة، حوالي 1500 عام قبل الميلاد، واستمر العمل به حتى عهد الملك نختنبو، من الأسرة 30، عام 300 قبل الميلاد، وكان مشروع إعادة إحياء الطريق حلما بدأ في عهد فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، لكنه واجه عدداً من الصعوبات، نظراً لوجود تعديات سكنية كثيرة على طول الطريق كانت تقف حائلا أمام إعادته إلى سابق عهده.

ويصطف على جانبي الطريق 1200 تمثال، ويسمى في المنطقة عند معابد الكرنك من الناحية الغربية بـ(طريق الكباش)، حيث توجد تماثيل برأس وجسد أسد، بينما في الناحية الجنوبية من المعابد توجد تماثيل برأس وجسد كبش، ومن بعد معبد موت، وحتى معبد الأقصر يوجد طريق أبو الهول بجسد أسد ورأس آدمي، بحسب الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الذي أضاف في تصريحات صحافية أمس أن «الحفائر على طول الطريق كشفت عن رؤوس تماثيل جديدة ولقى أثرية تم ترميمها».

حفل الافتتاح الباهر لم يهتم بالطريق الأثري فحسب، بل بالأقصر ككل، باعتبارها محافظة غنية بالمزارات السياحية. ووفق فتحي ياسين، مدير آثار البر الغربي فإن «مشروع الطريق عمل به فريق مكون من 60 أثريا و150 من المتخصصين في أعمال الترميم العلمي، إضافة إلى 300 من خريجي الآثار والمرممين».

ويأمل سكان الأقصر أن يساهم الحفل في زيادة الجذب السياحي بالمحافظة، وخصوصاً بعد تنفيذ الدولة عمليات تطوير عديدة بالمحافظة، وبحسب تصريحات رسمية فإن معدل الإشغالات الفندقية قد زادت بنسبة 20 في المائة خلال الشهر الماضي، بالتزامن مع تجميل وتزيين الشوارع والميادين.

إعادة إحياء عيد «الأوبت» الفرعوني بعد مرور آلاف السنين 

أعادت مصر إحياء عيد الأوبت الذي كان يقام في مصر القديمة قبل نحو 3500 عام، وهو احتفال ديني بدأ في عصر الدولة الحديثة.

ويقول الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط» إن «عيد الأوبت كان يمثل إعادة تجديد الولاء لآلهة مصر القديمة، فكان العيد عبارة عن موكب احتفالي يخرج فيه ثالوث طيبة المكون من الإله آمون، والإلهة موت، وابنهما الإله خونسو داخل مراكبهم المقدسة، من معبد آمون في الكرنك، إلى معبد الأقصر». ووفقا لما هو منقوش على جدران المعابد المصرية القديمة فإن الاحتفال كان بمثابة اللقاء بين الإله آمون رع، رب معابد الكرنك، مع الإله آمون رب معبد الأقصر، وخلاله كان يتم إعادة تتويج الملك وتجديد شرعيته حيث يخرج الملك في مقدمة الموكب المقدس.

ويقول عبد البصير إن «كلمة الأوبت أصلها في المصرية القديمة (حب نفر إن أوبت) وتعني العيد الجميل الخاص بالأوبت، وهو اللقاء السنوي والزواج المقدس بين الإله آمون رع وزوجته الإلهة موت، وخلاله كان يتم نقل تمثال الإله آمون رع من قدس الأقداس في معبده في معابد الكرنك ووضعه في زورقه المقدس، وتحمل الزوارق المقدسة الخاصة بالرب آمون رع وزوجته الربة موت وابنه الرب خونسو على أكتاف الكهنة، بصحبة مجموعة من العازفين والموسيقيين والزمارين، والجنود على العربات الحربية يرددون ترانيم تمجد الإله آمون رع وتعلي من شأنه وتدعوه إلى إسباغ فضله وحمايته ورعايته على ملك البلاد».

وبحسب فتحي ياسين، مدير آثار البر الغربي، فإن «رحلة عيد الأوبت الأولى كانت تبدأ مع نهاية موسم الفيضان حيث كان الموكب يخرج من معابد الكرنك إلى معبد الأقصر عبر مجرى نهر النيل ثم يدخل الموكب المكون من المراكب الحاملة للقرابين والزهور إلى داخل بهو الأعمدة بمعبد الأقصر ويظل هناك من 24 إلى 30 يوما، قبل أن يخرج مرة أخرى ليسير في طريق الكباش، وهي التماثيل التي كانت ترمز للإله آمون».

مشيراً إلى أن «الملك وكبار الكهنة كانوا يسيرون خلف الزوارق المقدسة التي تحمل تماثيل الآلهة بينما يصطف أبناء الشعب على جانبي الطريق يلعبون ويرقصون».