(مونولوج امرأة تنطفئ)

"مجلة جنى" - بقلم حسين إبراهيم

أنا امرأة عادية، لم أُعنّف يوما، لم أُغتصَب، لم أُقمَع، ولم أُجبَر على أيّ شيء. ناجحة في عملي، في زواجي، وفي أسرتي. لكنني دائما ما أرسب في امتحان السعادة. لا لست سعيدة، وليس عندي مبرر لذلك! وهذا بالضبط أقسى ما يمكن لإنسان أن يشعر به. 

أشعر بأنني إنسانة تافهة، تمضي في دوّامة من التفاهات. أستيقظ صباح كلّ يوم، أهيئ الأولاد إلى مدرستهم، أشرب القهوة الرمادية مع زوجي قبل أن يغادر البيت، أذهب إلى عملي الرتيب، أعود إلى بيتي الرّتيب، أطهو طعاما رتيبا، أدرّس الأولاد الدروس الرتيبة، أمارس مع زوجي الحب الرتيب....

أخادع نفسي كلّ يوم، بأنني المرأة الناجحة التي عرفتْ كيف تساوي بين عملها وبيتها. المرأة التي ما زالت تعشق زوجها وأطفالها، ولم تمل من خدمتهم رغم الإرهاق والمشقة والرتابة. المرأة المعتدلة، الرصينة، القوية... ولكنني سئمت! سئمت الاعتدال والاتزان والرصانة! أرغب في أن أكون شيئا آخر، إنسانا آخر.. أن أكون ضعيفة مثلا.. أن أكون منحرفة! يا إلهي ما الذي أقوله؟! ها قد بدأت أهذي.. بدأت أبكي دون سبب!

إنّ أعتى أنواع القيود هي تلك التي لا وجود لها في العالم المادي. القيود غير المرئية، غير الملموسة. القيود التي كلما حاولنا التحدث عنها، عجزنا عن تبريرها بالمنطق. ربما تعاستي غير منطقية، ولكن هذا لا يعني أنها غير موجودة. 

أعيش مأساة شمعة، ما زالت تسطع وسط الظلام، لكنها أسيرة! يحتجزها شمعدان ضخم، تريد أن تنسلخ عنه، أن تتحرر منه، بعنف، بقوة، ولكنها تخشى الخمود. وتخاف أن تظل فيه، فيُبيدها اشتعالها المؤقت. إنها تشتعل في المكان الخطأ، تنصهر مع كل دمعة، إلى أن تستحيل عدما. 

عليّ أن أسطع حيث لا مكان للدموع. حيث لا مكان إلا للسطوع.

هل أنا امرأة ناجحة؟ الجميع يحسدني على الحياة المثالية التي أعيشها. ولكن ما نفع المثالية إن كانت لا تحقق لنا السعادة المرجوّة؟! أمامي طريقان، إما التعاسة، أو الجنون. إن أكملت في الأول، فسوف تحنّطني الأيام، وسرعان ما أمّحي. وإن اخترت الطريق الثاني، فلن يفهمني أحد، لأنني لن أستطيع تبريره لأحد. إنني عاجزة عن تبريره لنفسي حتى! وعندئذ، سأصبح المرأة الحقيرة، السفيهة، المريضة.

ربما أنا مريضة... بل إني كذلك، فما العلاج؟! هل يوجد حقا علاج لمرضي؟!...