"مجلة جنى" عن ابنة من هذا الزمان وجدة هذا العصر.. عن إبداع يمتزج بالتاريخ.. عن صوت حر مناضل.. تكتب رضوى عاشور وتحكى الحكايات فتترك منجزًا أدبيًّا ضخمًا ومشروعًا واسعًا.. تترك كل قطعة من حياتها داخل كل حكاية.. لقد تركت أكثر من اثنى عشر عملاً إبداعيًّا، وأربعة كتب فى النقد الأدبى وكتبت عشرات المقالات فى الأدب والنقد العربى والأجنبى متخذة من الكتابة أقصى أفعال النضال والمقاومة، فكانت على وعى تام بالعلاقة الخاصة بين السرد والتاريخ، واهتمت بوجود الماضى فى الحاضر وتأثيره أيضًا فى المستقبل اهتمامًا يرتبط بحياة الناس وواقعهم وحياة الشعوب ومنظوراتها السياسية والثقافية والاجتماعية.
ورضوى عاشور (1946-2014) هى روائية وناقدة وأستاذة جامعية مصرية، درست الأدب الإنجليزى فى جامعة القاهرة، حصلت على الماجستير فى الأدب المقارن عام 1972م، وعلى الدكتوراة فى الأدب الإفريقى الأمريكى من جامعة ماساتشوستس عام 1975، تُرجمت أعمالها إلى الإنجليزية والإسبانية والإيطالية والإندونيسية، نالت العديد من الجوائز، كجائزة سلطان العويس للرواية والقصة عام 2012، وجائزة أحسن رواية من معرض القاهرة للكتاب عن «ثلاثية غرناطة» عام 1994، والجائزة الأولى للمعرض الأول لكتاب المرأة العربية عام 1995، ومن أعمالها الروائية: «سراج»، «ثلاثية غرناطة»، «أطياف»، «قطعة من أوروبا»، «فرج»، «الطنطورية»، و«أثقل من رضوى»، ومن دراستها النقدية «الحداثة الممكنة: الشدياق والساق على الساق»، و«الطريق إلى الخيمة الأخرى»، (عاشور، رضوى، فى النقد التطبيقى (صيادو الذاكرة)، دار الشروق، الطبعة الثانية، 2017).
وسأبدأ برضوى التى هى «أثقل من رضوى» وأقتبس مقطعًا نصيًّا مطولاً من السيرة الذاتية «أثقل من رضوى» لما يثيره من قضايا إبداعية ونقدية تجمع فيه رضوى نمطًا من أنماط الخطاب خاصًّا بنظام خطاب واقعى، ويخضع أيديولوجيًّا لسيطرة علاقات السلطة، ويرصد المتغيرات والآثار الاجتماعية، تقول: «أصبحت منطقة كوبرى الجامعة، حيث تعبر المظاهرة من الجيزة إلى القاهرة، منطقة أمنية، يكاد وصول المظاهرات إليها يكون من المستحيلات. وإن جرت محاولات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، لكسر هذا المحظور. إذن كان التظاهر عند السفارة من المحظورات التى كسرتها ثورة يناير، وفى أول ذكرى للنكبة بعد الثورة، أى فى الخامس عشر من مايو 2011، وكنت فى واشنطن، لم يبقَ لى من جلسات السايبر نايف سوى جلستين، قرر الشباب أن يحيوا الذكرى بالتظاهر أمام السفارة، واجهتهم قوات الأمن.
بعد ثلاثة أشهر من الواقعة نقلت وكالات الأنباء خبر استشهاد مُجنَّدين مصريين قصفتهما طائرة إسرائيلية، وسرعان ما تأكد أن عدد الشهداء ارتفع إلى خمسة، تلاحقت الأحداث وجرت فى ثلاثة فصول موزَّعة على ثلاثة أسابيع، تحديدًا فى 19 أغسطس (يوم استشهاد الجنود) إلى 9 سبتمبر الذى امتدت مجرياته حتى فجر اليوم التالى.
حدثت مقدِّمات الفصل الأول مساء الخميس، أى بعد ساعات من خبر مقتل المُجندين. حاصر الشباب القنصلية الإسرائيلية فى الإسكندرية، وأنزلوا العلم المرفوع عليها. صباح الجمعة بدأت أفواج من المتظاهرين فى القاهرة تعبر كوبرى الجامعة، أو تأتى من ناحية الدقى والمهندسين وإمبابة، أو من ناحية الجيزة وما وراءها، وتحتشد عند السفارة: وراء الأسلاك الشائكة التى نصبها الحرَّاس أمامها. فى الشارع الضيِّق أسفل الكوبرى. فوق الكوبرى المطل على الأسلاك الشائكة ورجال الأمن وزملائهم المتظاهرين.
ارتكزت الكاتبة على جوانب تشكيل عناصر عمليات البناء الاجتماعى والخطابى التى تحدد الأيديولوجيا ومجموعة قوائم العلائق النصية، وإن الأبنية الاجتماعية تشكل وعاء مؤسسيًّا متعددًا ومعقدًا لسياق الخطاب الاستراتيجى والواقعى، حتى امتد الصراع لمستوى رابع يخصُّ جمهور الشباب المتظاهرين المشاركين فى المظاهرة ويُقسِّم هذا المستوى الشباب إلى نوعين فى التشكل الاجتماعى، الأول: هو مَن قامت الشرطة بسحلهم، ويحدد المستوى الموقفى إطارًا واضحًا لعملية الصراع بينهم التى اقتصرت فى عملية التظاهر، أما الآخر: فيقوم بعملية بناء اجتماعى أخرى بواسطة أنظمة أخرى مختلفة تجسِّد صراعًا دائرًا من خلال ظهور فوج آخر من هؤلاء الشباب فى كل أنحاء الجمهورية فظهر فى الإسكندرية، حيث قاموا بمحاصرة القنصلية الإسرائيلية، وأنزلوا العلم المرفوع عليها، وخروج أفواج أخرى من ناحية الدقى والمهندسين وإمبابة أو من ناحية الجيزة أو الإسكندرية، واحتشادهم عند السفارة. أما العمليات السياسية التى ينتمى إليها هذا الخطاب فهى الصراع الداخلى للكاتبة، والداخلى والخارجى لجمهور الشباب المتظاهرين والأفواج الأخرى الغاضبة وللسلطة السياسية، وتعود أهمية هذه العمليات فى عمليات الصراع الاجتماعى بين هذه المؤسسات لعرض رؤى أيديولوجية سياسية متنوعة، بهدف تغيير القوانين الاجتماعية الجائرة ووضع حلول لها عن طريق رصدها، بَنَتْهُ الكاتبة من الإحساس بالظلم، ومن خلال الاستعانة بأنظمة خطابية دعت إلى نظام خطاب معاصر قوى يدعو إلى التغيير والتجديد يتحقق بالتحام الجماعة وإنزال العلم الإسرائيلى وخروج الأفواج من كل أنحاء الجمهورية وتجمع الشباب المتظاهرين وخروجهم من الأماكن المختلفة كالدقى والمهندسين وإمبابة وغيرها لطلب الرفض يترتب على نوع معين من العلاقات، فى إعادة بناء جديدة لخطاب الذات، وقد بذلت جهدًا كبيرًا فى تغييره لتؤسس لعملية بناء اجتماعى جديدة تتشكل من الجماعة، وترسم بها ملامح الصراع التى شكلت أنظمة البناء الاجتماعى وأحدثت عملية التغير الاجتماعى أيضًا، ويعدُّ الخطاب ذا طاقة إبداعية على السيطرة الأيديولوجية على العلاقات الاجتماعية فى حدود قدرته على إيجاد ارتباط خاص بين السلطة والمتظاهرين فى علاقات الصراع الاجتماعى.
ومن زاوية أخرى يُعدُّ هذا الخطاب جزءًا من عدة عمليات مجتمعية، أولا: كالصراع الذاتى بين عدة أطراف، أولا: بين ذات الخطاب ومجموع الشباب المتظاهرين الذين تم احتجازهم أولاً وأفواج الشباب المتظاهرين الآخرين الذين خرجوا من معظم أنحاء الجمهورية، وبين قوة السلطة السياسية التى استغلت نفوذها وسيطرتها استغلالاً سيئًا عن طريق الضرب والسحل واستخدام الغاز المسيل للدموع، ثانيًا: كالصراع بين الذات والقوة السياسية والتى تعلن رفضها من خلال الرصد الذى يهدف من خلال أنظمة معينة إلى بناء عمليات اجتماعية تكشف عملية أخرى وهى عملية الصراع الاجتماعى، ثالثًا: الصراع بين الشباب والكيان الصهيونى الذى قام بحرق القنصلية الإسرائيلية وإنزال العلم من فوقها، وترويجهم لبضاعتهم لضرب العلم الإسرائيلى بخمسة جنيهات، وهنا لا يكون التركيز على جوانب البناء الاجتماعى التى تقوم بتشكيل الجانب الأيديولوجى كما يتضح فى تناول الجانب المؤسسى، بل سوف يرتكز أيضًا على أسلوب تفاعل هذه الجوانب مع العناصر التى تخضع للتحكم الأيديولوجى فيه، وهذا يوضح طبيعة العلاقة الجدلية بين التحكم الاجتماعى فى الذات وقدرة الذات وطاقتها الإبداعية التى شكلها الخطاب.
ويلاحظ وجود أكثر من كتلة مهيمنة فى الخطاب كهيمنة قوة السلطة السياسية الشرطية والعسكرية، وهى تجسد سلطة القوانين فى المجتمع، وهيمنة قوة سلطة سياسة عليا منها متمثلة فى السفارة الإسرائيلية وحمايتها وقصفها لجنودنا المصريين، وهيمنة سلطة وسائل الإعلام فى وكالات الأنباء، وتشكيل الأنظمة الاجتماعية لعملية البناء الاجتماعية التى تؤسس لعمليات صراع اجتماعى دائر بين هذه الأطراف، وهذه الكتل تمارس الهيمنة الاجتماعية، ومن ثَمَّ تُوصف العلاقات الاجتماعية بالتحكم والسيطرة، وتستشعر الكاتبة درجات التحكم معها فى تحديد العلاقات الاجتماعية التى أضرَّت بها وبالمجتمع، وهى كتل مختلفة فى فرض قوة السلطة، فقوة السلطة السياسية تحمل قوة أعلى من باقى الكتل، فقوة الشرطة السياسية الداخلية تملك الضرب والسباب والسحل والسجن، وهو ما أدى بالنتيجة الافتراضية لرفض الذات العنف من خلال رصدها، وقوة السلطة الخارجية لإسرائيل تملك عملية القتل، حتى تحققت سمات خطاب معاصر جديد شكلته بواسطة فكر أيديولوجى قوى، فجاء خطاب الذات مشتملاً على علاقة احتواء بين هذه الكتل المسيطرة اجتماعيًّا، وبين مجموعة العوامل الأيديولوجية والمنطق السليم فى النص، مما ساعد على خلق طاقة إبداعية أيديولوجية خلاقة مصاحبة للنص .
المصدر: المصري اليوم