"محو الأمية في عالم رقمي" شعار اليوم الدولي لمحو الأمية هذا العام

" مجلة جنى " تحيي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة " اليونسكو" "اليوم الجمعة" اليوم الدولي لمحو الأمية 2017 تحت شعار "محو الأمية في عالم رقمي" ، ويهدف الاحتفال إلى النظر في قدرة التكنولوجيا الرقمية على سد الفجوة في مجال محو الأمية وتحقيق فهم أفضل للمهارات المطلوبة في مجتعات اليوم.

ويتسم ذلك بأهمية خاصة إذ أنه ووفقا لمعهد اليونسكو للإحصاء ، فإن هناك 750 مليون شخص أمي حول العالم ما زالوا يفتقرون لمهارات القراءة والكتابة الأساسية، وتشكل النساء نسبة 63% منهم ، كما تضم هذه الفئة 102 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عام ومنهم 57% من الإناث. 

وتعزز أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة التي اعتمدتها المنظمة في سبتمبر 2015، هدف الحصول على التعليم الجيد وفرص التعلم في أي المراحل العمرية ، كما أن غاية من غايات الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة هي ضمان تعلم الشباب المهارات اللازمة في القراءة والكتابة والحساب، وإتاحة فرصة اكتسابها أمام البالغين ممن يفتقدونها.

ومن المقرر أن تستضيف المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا حفل تسليم الجوائز الدولية لمحو الأمية لعام 2017 حيث سيقدم الفائزون خلاله برامجهم وسيحصلون على ميدالية وجائزة نقدية ، للإشادة بالممارسات القرائية الرائعة في كل أنحاء العالم التي تتسق مع موضوع هذا العام .

ومنذ عام 1967، تمنح جوائز يونسكو الدولية للتميز والابتكار في مجال محو الأمية، وقد منحت هذه الجوائز لأكثر من 475 مشروعا وبرنامجا منها التابعة لحكومات ومنها تابعة لمنظمات غير حكومية أو أفراد من كل أنحاء العالم ، حيث تهدف اليونسكو من منح هذه الجوائز دعم الممارسات الفاعلة في محو الأمية وتشجيع تعزيز مجتمعات دينامية متعلمة. 

وسيتم منح جائزة اليونسكو (الملك سيجونغ لمحو الأمية) - والمخصصة للبرامج التعليمية والتدريبية باللغة الأم والممولة من جمهورية كوريا - لكل من : نحن نحب القراءة (الأردن) وهو برنامج يستهدف مجتمعاً افتراضيّاً حيث يقدّم تمارين قراءة بصوت عال للأهل، كما يستعين ببعض المتطوعين للقراءة بصوت عالٍ على مسامع الأطفال في أحيائهم، ويوفر مكتبة رقمية تحتوي على مواد مختلفة تتناسب مع أعمار القراء ؛ ومركز دراسات التعلم والأداء (جامعة كونكورديا، كندا) عن مشروع استخدام تكنولوجيا التعليم من أجل تطوير الكفاءات التعليمية الضرورية في أفريقيا جنوب الصحراء، والذي يعمل على تطوير وتوزيع مواده دولياً بالمجان. 

كما سيتم منح جوائز اليونسكو( كونفوشيوس لمحو الأمية الثلاثة) - والممولة من حكومة جمهورية الصين الشعبية لتكريم الأعمال التي تعود بالفائدة على سكان الأرياف والشباب غير الملتحقين بالمدارس لا سيما النساء والفتيات - لكل من : برنامج "أدلتيكو" لأمانة المعلومات والاتصالات لمدينة أرمينيا (كولومبيا) لتدريس الكفاءات الرقمية للبالغين ؛ ومؤسسة المواطنين (الباكستان) عن برنامج آغاهي لمحو الأمية للنساء والفتيات غير الملتحقات بالمدارس، حيث يوفر تقييماً للاحتياجات التعليمية الرقمية وخدمات تعليمية لدعم تعليم الشابات والنساء ؛ فاندزا (جنوب أفريقيا) عن مشروع القراء والكتاب الرامي إلى تطوير ثقافة القراءة والكتابة للمتعة من خلال موقع إلكتروني يوفر دورات في القراءة ومسابقات كتابية بالإضافة إلى إيجاد حلقة وصل بين القراء والكتاب. 

وفي إطار اليوم الدولي لمحو الأمية، ستقدم مبادرة ( اليونسكو- بيرسون لمحو الأمية : تحسين سبل المعيشة في عالم رقمي) - وهي شراكة بين اليونسكو ومؤسسة بيرسون- مجموعتها الأولى من دراسات الحالات الإفرادية حول كيفية تحسين سبل المعيشة من خلال الحلول الرقمية الشاملة.

وكانت يونسكو قد أعلنت في دورتها الـ 14 في أثناء مؤتمرها العام الذي عقد في أكتوبر عام 1966 ، يوم 8 سبتمر من كل عام يوما دوليا لمحو الأمية بغرض تذكير المجتمع الدولي بأهمية القرائية للأفراد والمجتمعات ولتوكيد الحاجة إلى تكثيف الجهود المبذولة نحو الوصول إلى مجتمعات أكثر إلماما بمهارات القراءة والكتابة.

وجاءت فكرة هذه المناسبة الدولية نتاج فعاليات المؤتمر العالمي لوزراء التربية الذي عقد بشأن محو الأمية في العاصمة الإيرانية طهران يومي 18- 19 سبتمبر 1965 ، وخلص التقرير الختامي للمؤتمر إلى ضرورة تغيير السياسات الوطنية التعليمية لتحقيق التنمية في العالم الحديث ، واستقلال عدد كبير من البلدان ، والحاجة إلى تحرر الشعوب تحررا حقيقيا، ولضمان المشاركة الفاعلة والمنتجة في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الإنسان، خصوصا في ظل وجود مئات ملايين البالغين من الأميين في العالم . 

وينبغي أن تتيح النظم التعليمية التدريب التعليمي لتلبية حاجات الأجيال الشابة التي لم تدخل معترك الحياة بعد، وأجيال البالغين التي لم تستفد من الحد الأدنى الأساسي من التعليم الإبتدائي ، وينبغي أن تشتمل خطط التعليم الوطنية مفاهيم التعليم للأطفال وتدريب محو الأمية للبالغين بوصفهما عنصرين متوازيين .
ومنذ الاحتفاء بأول يوم دولي لمحو الأمية في عام 1967، تقام الاحتفالات في كل أرجاء العالم حيث يتاح للبلدان والشركاء الدفع قدما بجدول الأعمال الخاص بمحو الأمية على الصعد الوطنية والإقليمية والوطنية.
وأشارت أرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو - في رسالتها بهذه المناسبة - إلى أن التكنولوجيات الرقمية تغزو جميع جوانب حياتنا، وتهيمن علي أنماط معيشتنا ووسائل عملنا وتعليمنا وسبل تعارفنا وتواصلنا ، وتتيح لنا هذه التكنولوجيات الحديثة فرصاً جديدة لا تعد ولا تحصى لتحسين ظروف حياتنا ، كما يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تهميش أولئك الذين لا يملكون المهارات الأساسية اللازمة لاستخدامها والانتفاع بها، ومنها مهارات القراءة والكتابة والحساب.

وأضافت بوكوفا " لقد كان المراد بمفهوم محو الأمية فيما مضى من الزمان، تعليم الناس مجموعة من مهارات القراءة والكتابة والحساب لاستخدامها في ظروف معينة ، ولكن مجتمعات المعرفة الرقمية تغير المراد بمفهوم محو الأمية تغييراً متواصلاً يتطلب تعليم الناس مهارات جديدة، والارتقاء بمستوى المهارات التي يملكونها ،لكيلا يجري إدراجهم في عداد الأميين ، ويمكن أن تؤدي التكنولوجيا في الوقت ذاته إلى تحسين سبل السعي إلى تعزيز محو الأمية ، وتتطلب الإحاطة بجميع جوانب هذه المسألة أخذ السياق العام بعين الاعتبار.

كما ذكرت بوكوفا، أنه ما زال 750 مليون نسمة من سكان العالم الكبار يفتقرون إلى مهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية ، ولا ينتفع زهاء 264 مليون نسمة من الأطفال والشباب بالتعليم المدرسي ، كما تبين الدراسات الاستقصائية الدولية أن عددا هائلاً من الكبار والشباب في جميع أرجاء العالم، ومنها البلدان المتقدمة، لا يملكون ما يكفي من المهارات الرقمية الأساسية اللازمة للحياة والعمل على أكمل وجه في المجتمعات المعاصرة ، ويعد الحد من مقدار النقص في تلك المهارات ضرورة تعليمية وتنموية ، وتتيح تكنولوجيات المعلومات والاتصالات فرصاً للحد من مقدار النقص في المهارات الرقمية الأساسية ، ويمكن أن تساعد الوسائل الرقمية علي زيادة سبل التعلم وتحسين نوعية التعليم ، إذ تتيح هذه الوسائل الوصول إلى أولئك الذين يتعذر الوصول إليهم بدونها، وتحسين رصد التقدم المحرز في مجال محو الأمية، وتيسير تقييم المهارات، وتعزيز فعالية إدارة وحوكمة نظم تعليم المهارات ، كما أضافت بوكوفا، أنه لا بد لنا من العمل معاً لإتاحة فرص جديدة واغتنامها من أجل المضي قدماً في تحقيق هدف التنمية المستدامة 4 ، الذي يرمي إلى توفير فرص التعليم والتعلم مدى الحياة للجميع، فقد باتت الشراكات بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص وسائل ضرورية لتعزيز محو الأمية في عالمنا الرقمي، وأرى في إنشاء التحالف العالمي لمحو الأمية ، في إطار المساعي الرامية إلى إتاحة التعلم مدى الحياة، مثالاً يحتذي به لتضافر الجهود الذي نحتاج إليه للمضي في تنفيذ خطة التنمية العالمية ، ودعم المبادرات الوطنية الخاصة بمحو الأمية.
ويتيح اليوم الدولي لمحو الأمية استعراض التقدم المحرز في مجال محو الأمية، والعمل معاً من أجل التغلب على المصاعب التي تعترض مساعينا في هذا الصدد ، وترمي الأنشطة الخاصة بالاحتفال باليوم الدولي لمحو الأمية لهذا العام إلى تعزيز القدرة على الإحاطة بمتطلبات محو الأمية بمختلف أنواعها وأشكالها في عالمنا الرقمي، وكذلك بالمهارات اللازمة لبناء مجتمعات أكثر شمولاً وإنصافاً واستدامة ، ودعت بوكوفا إلي أنه ينبغي لكل إنسان أن يتمكن من الانتفاع بوسائل العصر الرقمي الجديد على أفضل وجه ممكن من أجل إحقاق حقوق الإنسان ، والارتقاء بالحوار والتبادل ، وتعزيز التنمية المستدامة.

لقد أدت التطورات المتسارعة في مجالي العلم والتكنولوجيا إلى بروز مفاهيم جديدة تجاوزت المصطلح التقليدي للأمية إلى تعريف الأمي في بعض البلدان بأنه ذلك الشخص الذي لا يجيد التعامل مع الكمبيوتر مثلاً، وهناك ما يسمى بأمية المتعلمين، وهي حالة أولئك الأشخاص الحاصلين على شهادات تعليم عام، وربما تعليم جامعي، ولكنهم مع ذلك لا يجيدون قواعد القراءة والكتابة الصحيحتين كما ينبغي مقارنة بأشخاص تجاوزوا هذه المرحلة. وهناك ما يسمى بـ "الأمية الإلكترونية"، ويقصد بها غياب المعارف والمهارات الأساسية للتعامل مع الآلات والأجهزة والمخترعات الحديثة وفي مقدمتها الكمبيوتر، ويطلق على مفهوم الأمية الإلكترونية ، الأمية الحديثة تمييزاً لها عن الأمية الأبجدية، التي تعني عدم القدرة على القراءة والكتابة.

وبالنظر إلى دخول العالم عصر المعرفة والاقتصاد الرقمي ، يعتبر موضوع محو الأمية الإلكترونية من الموضوعات المهمة على أجندة اهتمامات العالم اليوم، ولاشك في أن التعامل مع الوسائط التكنولوجية يظل محفوفاً بالمخاطر ما لم نتمكن من امتلاك تلك الوسائط من ناحية ، وكيفية التعامل معها من ناحية أخرى ، وبطبيعة الحال، فإن الأمية الإلكترونية تعني عدم قدرة الأشخاص والمجتمعات على مواكبة معطيات العصر العلمية والتكنولوجية والفكرية والتفاعل معها بعقلية دينامية قادرة على فهم المتغيرات الجديدة وتوظيفها بما يخدم عملية التطور المجتمعي في المجالات المختلفة.

وفي الواقع، فإن برامج محو الأمية الإلكترونية لا تنفصل عن الأميات الأخرى وخاصة هذه الأمية المعرفية الأبجدية ، فالارتباط بينها كبير خصوصاً فيما يتعلق بإعداد الشخصية الإنسانية العلمية التي تجمع بين العلم والإيمان، وكذلك تجمع بين الجانب الديني الخاص بتكوين الإنساني الإيماني وبين الجانب العلمي المهني الذي يرتبط بالأعمال التي يقوم بها الأفراد، وذلك بهدف تكوين عقل علمي واع وقلب مؤمن تقي، مما يساعد الفرد على تطوير شخصيته من جميع جوانبها الخلقية والدينية والروحية والفكرية والوجدانية والمهنية بصورة متكاملة .

وينصرف مفهوم محو الأمية الإلكترونية إلى امتلاك القدرة على فهم التكنولوجيا وتقييمها، وهو مفهوم يكمل الكفاءة التكنولوجية التي تمثل القدرة على إنشاء تكنولوجيات محددة وإصلاحها أو تشغيلها ، ولكن هناك فرق بين الكفاءة التكنولوجية ومحو الأمية التكنولوجية، فمحو الأمية يعني أن كل شخص يحتاج إلى الثقافة التكنولوجية ، أما الكفاءة فتشير إلى عدد قليل من الناس ممن نحتاج إلى رفع كفاءتهم في هذا المجال ، وتقول رابطة التعليم الدولي والتكنولوجيا (I.T.E) إن محو الأمية التكنولوجية هو أكثر بكثير من القدرة على استخدام الأدوات التكنولوجية، فهو يعني تمكين المواطنين من جميع الأعمار من الاستفادة من التكنولوجيا، سواء تم الحصول عليها من خلال بيئات تعليمية رسمية أو غير رسمية. 

وتركز برامج محو الأمية الإلكترونية على أربعة أبعاد رئيسية، هي : مهارات التدريب باستخدام تقنية المعلومات؛ والتعليم المفتوح والتعليم عن بعد؛ وأدوات تطوير المحتوي التعليمي؛ والتصميم الإلكتروني للدروس التعليمية ، إلا أن الجانب العملي التطبيقي لهذه البرامج قد يتلاشى إن لم يكن هناك خلفيات تعليمية وثقافية واجتماعية داعمة، وهو الأمر المفقود في كثير من دول العالم النامي والعربية بالنظر إلى ارتفاع نسبة الأمية الأبجدية التقليدية.

وتذكر أحدث الإحصاءات الصادرة عن منظمتي اليونسكو والألكسو أن عدد الأميين في العالم اليوم يقارب 750 مليون إنسان ، أغلبهم من النساء وتحديدا بنسبة 64 % ، من بينهم 97 مليونا يعيشون في العالم العربي من مجموع 340 مليون نسمة، وتؤكد التقارير أن أغلب دول العالم الإسلامي لم تحقق النتائج المرجوة منها في مجال خفض الأمية ، وإن انخفضت معدلات الأمية ما بين سنتي 2000 و2015 من 52 مليون أمي إلى 48 مليونا أي بمعدل 4 ملايين، فإن ذلك لا يعني أنها بلغت المستوى المرجو لتقليص هذه الظاهرة.

ولا تزال نسبة القراءة في العالم العربي أقل من المتدني مقارنة بباقي دول العالم، حيث تؤكد تقارير 2015 أنه رغم التحسن المسجل في التعليم في هذه المنطقة الذي بلغ نسبة 10 % مقارنة بسنة 2000، إلا أن ذلك لم ينجح في تقليص الأرقام الكبيرة المسجلة إلى حد اليوم لا سيما المتعلقة بحرمان الأطفال من الدراسة ، إذ أن هناك 6 ملايين طفل في العالم العربي ممن هم في سن الدراسة غير ملتحقين بمدراس، وأكثر من 6 ملايين لا يكملون تعليمهم الثانوي، و4 ملايين مراهق خارج التعليم الثانوي ، واستنتج تقرير الألسكو، أنه في حال استمرار النسق التعليمي الحالي في مكافحة الأمية فإن العالم العربي لن يكون قادرا على تحقيق المساواة بين الجنسين قبل 2020 أو تحقيق التعليم الأساسي للجميع قبل 2050. 

وطبقا لإحصائيات الألسكو، فإن مصر تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الأميين بحكم حجمها السكاني في الوطن العربي، تليها السودان فالجزائر والمغرب ثم اليمن ، وتضم هذه الدول الخمس مجتمعة نسبة 78 % من الأميين في البلاد العربية، وتبذل العديد من الدول العربية جهودا كبيرة في مجال مكافحة الأمية خلال العقد الماضي، وتعمل على تقديم نمط تعليمي قوي ونوعي متميز، لكن ذلك لم يقدم نتائج كبيرة في ظل وجود العديد من العوامل التي تتراوح بين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني ، وإن كانت هذه الأسباب لا تتماثل في كل الدول العربية، إذ تختلف الأسباب باختلاف المعطيات الاقتصادية والاجتماعية كما تختلف النتائج باختلافها أيضا ، فهناك قصور السياسات وعشوائية التخطيط وضعف الجمعيات والهيئات الشعبية، إضافة إلى عدم جدية التشريعات القاضية بإلزامية التعليم في الدول العربية، وما تزال تشكل عاملا أساسيا في تعزيـز منابع الأمية. 
بالإضافة إلى انخفاض معدلات المقدرات المالية المخصصة للتعليم وقلة الأبنية المدرسية وضعف التجهيزات التي تؤدي إلى العزوف على الإقبال على التعليم. هذا إلى جانب ارتفاع ظاهرة الرسوب والخروج منذ المرحلة الابتدائية نتيجة لضعف التعليم ، وتمثل العادات والتقاليد الموروثة عاملا هاما يحرم الإناث من التعليم، نتيجة لغياب الوعي الكافي عند الشعوب خاصة لدى الآباء غير المتعلمين، وهو ما جعل ثلاثة أرباع النساء الريفيات أميات ، وهو عامل يحتم على الوطن العربي مزيدا من الاهتمام بتعليم المرأة عن طريق تفعيل برامج توعوية قوية وشاملة ودائمة وإدراج نصوص قانونية ذات صبغة إلزامية تساهم في الدفع بالمرأة نحو الدراسة وإخراجها من النظرة الكلاسيكية التي تحصرها في دائرة العمل المنزلي، كما تؤثر الأوضاع الاقتصادية في كل دولة على الأطفال من حيث مستوى التعليم والرعاية الصحية والخدمات التي يتلقاها هؤلاء.

ووفقا لتقارير المنظمات الأممية، فإن الأوضاع السياسية والأمنية والصراعات وموجات النزوح التي تعصف بالعديد من الدول العربية، تشكل أحد أكبر أسباب الأمية في هذه المنطقة اليوم. إذ تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" ، في تقرير صدر مؤخرا أن أكثر من 13 مليون طفل في الشرق الأوسط - أي حوالي 40 % من أطفال المنطقة - لا يرتادون المدارس بسبب الصراعات في أوطانهم ، مع العلم أن عدد الأطفال في سن الدراسة يبلغ 34 مليونا.

ويتصدر أطفال سوريا والعراق قائمات معدلات الأمية الناتجة عن تردي الأوضاع السياسية والأمنية في بلادهم ، حيث يعاني أربعة من كل خمسة أطفال سوريين الفقر، بينما يقبع 2.7 مليون طفل سوري خارج المدارس وهو رقم فاقمه عدد الأطفال المجبرين على الانخراط في سوق العمل ، إذ يساهم الأطفال داخل سوريا في دخل عائلاتهم ، وفي الأردن يعتبر نصف أطفال اللاجئين السوريين المعيل الرئيسي للعائلة ، أما في لبنان فذكر التقرير أن أطفالاً بعمر ست سنوات فقط يعملون في بعض المناطق، فيما يعمل ثلاثة أرباع الأطفال السوريين في العراق لتأمين قوت عائلاتهم ، وهناك ما يفوق 3 ملايين طفل في العراق، ومليوني طفل في ليبيا و3,1 مليون طفل في السودان، إضافة إلى 2,9 مليون طفل في اليمن لا يرتادون المدارس. 

وقالت اليونسيف إن هناك نحو 8850 مدرسة في العراق وسوريا واليمن وليبيا دمرت أو تضررت بحيث لا يمكن استخدامها، وهي تؤوي الآن عائلات مهجرة، أو أنها احتلت من قبل أطراف النزاع ، إلى جانب تعرض المدارس والبنية التعليمية للهجمات، وأحيانا بشكل متعمد، وهو ما يعد اليوم سببا رئيسيا وراء عدم ارتياد الأطفال للمدارس.. وأمام تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة العربية ترجح التقارير الأممية تراجع الكثير من المكتسبات التي حققتها بعض الدول في مجال التعليم في العقد الأخير، وفي المقابل تسير بعض الدول نحو مستوى منخفض جدا للأمية قد يصل إلى القضاء عليها تماما في السنوات القليلة المقبلة على غرار الإمارات والكويت والبحرين وقطر وفلسطين، وتأتي بعدها وبدرجة أقل كل من تونس وعمان والأردن والسعودية.

وأطلقت بعض المبادرات لمحو الأمية الرقمية ، حيث قامت شركة ميكروسوفت بمبادرة تحمل اسم "كل مصر على الإنترنت" ####Get Online Egypt #### وانطلقت هذه الحملات بهدف التواصل مع شرائح المجتمع المختلفة عن طـريق محو الأمية والمعرفة الرقمية لدى قطاعات واسعة من المواطنين، الذين لا يمتلكون الفرصة للتعامل مع أجهزة الكمبيوتر وشبكة الإنترنت، وذلك حتى يتمكنوا من المشاركة بإيجابية في تشكيل المستقبل.

ويعتبر برنامج "تارا اكشار" برنامجاً حاسوبياً يعنى بمحو الأمية وتعليم الحساب للبالغين وذلك خلال مدة 30 يوماً، ويشجع على خفض معدلات التسرب من التعليم لمستويات منخفضة للغاية ، ويستهدف البرنامج بشكل رئيسي النساء في المناطق الريفية في الهند، حتى يتمكنوا من الخروج من الحلقة المفرغة للفقر، فقد بلغ عدد خريجي برنامج "تارا اكشار" أكثر من 165 ألف خريج، وقد أثبتت دراسة حديثة متعمقة ومستقلة أجراها باحثون من جامعات نيودلهي وأوتاوا وطوكيو صحة ادعاءات برنامج تارا اكشار بأنه يحقق نتائج فعالة للغاية على المدى القصير، وأنه قادر على إحداث تغييرات كبيرة في حياة الخريجين .
ويقدر عدد النساء الأميات في العالم بنصف مليار يعيشون على الكفاف، مع عدم قدرتهم على الهروب من وضعهم هذا ويعانون من خطر التعرض للاضطهاد من جانب أسرهم وآخرين بسبب افتقارهم للتعليم أو لتحقيق أي نوع من الإنجازات في الحياة سوى إنجاب الأطفال.

ويعيش قرابة ثلثي هؤلاء النساء في قرى الهند البالغ عددها 600 ألف قرية، وعلى الرغم من قطع شوط كبير في تطوير التعليم الابتدائي في الهند وغيرها من بلدان العالم النامية، فلن يحدث هؤلاء الأطفال الذين يلتحقون بالمدارس الابتدائية اليوم تأثيراً كبيراً على مجتمعاتهم لسنوات عديدة قادمة ، وثمة حاجة ماسة لإحداث تأثير فوري عن طريق تعليم الراشدين والأطفال الأكبر سناً الذين لم يحظوا بفرصة الالتحاق بالمدارس أو هؤلاء الذين تركوها بعد فترة قصيرة من الالتحاق بها ، ومن الناحية العملية البحتة، لا يمكن للشخص الأمي التوقيع على عقد أخلاقياً أو الحصول على تدريب مهني أو مساعدة أطفاله في واجباتهم المدرسية أو التواصل مع أفراد الأسرة من خارج مدينته أو قريته إلا من خلال الهاتف ، إنهم معرضون لخطر سوء الاستغلال وسوء المعاملة من أفراد الأسرة والمرابين والملاك وأصحاب العمل وغيرهم ، كما يتصفون بشكل عام بالخجل الشديد ويفتقرون إلى الثقة.

وتعتمد معظم برامج محو أمية الراشدين طرق التدريس التقليدية وغير المعتمدة على الحاسوب، وهو ما يعني أنها قد تستغرق وقتاً طويلاً من حيث عمليتي تدريب المعلمين والتدريس ، ويقدم برنامج "تارا اكشار" محتوى قياسياً استقاه المعلمون من خبراتهم في مجال التدريس للمصابين باضطرابات نقص الانتباه وفرط النشاط ، وغيرهم ممن يواجهون صعوبات في عملية التعلم، إذ أنه برنامج مؤهل للتعامل مع مثل هذه المشكلات ، ويعتمد برنامج تارا اكشار لمحو الأمية على قرابة 30 أسلوباً تربوياً مبتكراً ، فعلى سبيل المثال، لتسهيل عميلة التعرف على الحروف الهجائية، يقوم البرنامج باستخدام طريقة "لوباك" وعرض الأحرف باستخدام الرسوم المتحركة، تمتد الرسوم المتحركة لتتحول إلى قصة كاملة يتم تقسيمها إلى حلقات يومية ، وفي النهاية يتمكن الطلاب - وأكثرهم لم يلتحق بالمدارس قط - من تعلم كل حروف الأبجدية السنسكريتية التي تتكون من 50 حرفاً في حوالي أسبوعين ، يعقب إجراء جميع الدروس التعليمية إقامة مسابقات تضاهي في جودتها ألعاب الفيديو ، وباستخدام الرسوم المتحركة التي يتفاعل معها الطلاب، يمكن تدريس الأمور المعقدة في بضعة أيام على الرغم من أنها عادة ما تكون موضوعات صعبة تتطلب عقد دروس طويلة ومتكررة ، ويتم نقل الطلاب كل 20 دقيقة بين الأنشطة السمعية والبصرية والحركية ، ويقدم الحاسوب فرصة التعلم البصرية والسمعية، فضلا عن ممارسة لعب الورق واستخدام بطاقات الاستذكار ، وتصبح البطاقات بلا قيمة عند انقطاع الكهرباء، وهو ما يحدث بشكل متكرر.

ويوضح تاريخ الحالات الدراسية حدوث زيادة في الاعتزاز بالنفس والثقة داخل أسرة المستخدمات للبرنامج وفي قراهن بأكملها ، وقد أظهر الأزواج مزيداً من الاحترام لزوجاتهم بعد أن أصبحن يمتلكن مهارات متميزة ، ويمثل البرنامج أداة قوية للغاية في تمكين النساء، الأمر الذي يعود عليهن بالتحسن الكبير في نوعية حياتهن اليومية ، ويرجح التحاق الأطفال بالمدارس والبقاء فيها إذا شاركت أمهاتهم في البرنامج.

وقد استطاعت بعض الخريجات الحصول على فرص عمل لم يتمكن من الحصول عليها من قبل ، واختارت بعض الخريجات الحصول على مزيد من التدريب ، كما أثبتت دراسة متعمقة ومستقلة أجراها الباحثون من جامعات دلهي وأوتاوا وطوكيو أن البرنامج يعزز علاقات النساء ويخلق سبلاً جديدة للتواصل الاجتماعي بين المشاركات.