“13 مليوناً” معرض فنيّ في غزّة يوثّق دور المرأة ونضالها

"مجلة جنى" مدينة غزّة: وجدت الفنانة التشكيليّة هناء حمش (27 عاماً) بالفنّ التشكيليّ نافذة لها للتعبير عن نفسها، ولإحداث صوتاً لمعاناة النساء الفلسطينيات. ونظمت حمش معرضاً فنياً بـ20 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي في غرب مدينة غزّة، أطلقت عليه اسم “13 مليوناً”، وهو يرمز إلى عدد الفلسطينيّين حول العالم.

وقالت هناء حمش عن معرضها، الذي استمرّ يومين متتاليين على وقع الأغاني الفولكلوريّة الفلسطينيّة، لـ”المونيتور”: “إنّ المعرض حمل رسالتين، الأولى رسالة حبّ إلى جميع الفلسطينيّين الذين تشتّتوا في دول العالم كنتيجة للنكبة الفلسطينيّة في عام 1948، وتأكيد أنّ الشعب الفلسطينيّ لا يزال وحدة واحدة، رغم تباعد المسافات، ورسالة ثانية تجسّد دور المرأة التاريخيّ في خدمة شعبها، ونضالها ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ”.

واستعرض المعرض حياة النساء الفلسطينيات في عصور مختلفة، بدأت بتسليط الضوء على أنماط حياتهم القديمة في المدن التي باتت الآن جزءاً من دولة إسرائيل بعد عام 1948 مثل يافا وحيفا تضمنت أزيائهم التراثية المطرزة ومشاهد من ممارسة أعمالهم اليومية مثل فلاحة الأرض والخياطة، ومرحلة نضالهم خلال الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي الفلسطينيّة عام 1967. ورسمت حمش لوحات بورتريه بالقلم الرصاص الأسود وغيرها بالألوان الزيتية، لنساء فلسطينيّات اشتهرن بجوانب مختلفة قبل نشأة دولة إسرائيل في عام 1948، ومن أبرز تلك السيّدات اللواتي رسمتهنّ: المربّية متيل عبّود مديرة المدرسة الحكوميّة في الناصرة 1922، المربّية باسمة فرح مديرة مدرسة الإناث في القدس 1933، ولوحة لكريمة عبّود التي تعتبر المصوّرة الفلسطينيّة الأولى والوحيدة في زمانها في مطلع القرن الماضي.

كما سلّطت حمش من خلال رسومها الضوء على دور المرأة في مقاومة الاحتلال الإسرائيليّ، مستعرضة لوحات بوتريه عدّة لنساء تميّزن بشهرة استثنائيّة في تلك المرحلة، مثل رسم لوحة بورتريه لنهلة البايض التي تعتبر المعتقلة الفلسطينيّة الأولى في السجون الإسرائيليّة عام 1968، بسبب انتمائها إلى منظّمة التحرير الفلسطينيّة.

وفي اللوحات بمعظمها، استخدمت حمش ألواناً ترابيّة داكنة تدرّجت بين الأسود والرماديّ، في إجراء مقصود أشارت إلى أنّه يهدف إلى إيصال رسالة تفيد بحياة المرأة الفلسطينيّة القاتمة والمليئة بالمعاناة والتحدّي.

وضمّت أروقة المعرض لوحات جسّدت واقع المرأة المقدسيّة ومعاناتها مع الجيش الإسرائيليّ، مثل لوحة يظهر فيها جنديّ إسرائيليّ يرفع فوهة سلاحه في وجه امرأة مقدسيّة.

وبيّنت حمش أنّ هذا المعرض يتزامن عن قصد مع قرار الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل في 6 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، وقالت: “رسمت العديد من الرسوم التي تظهر أشكال الحياة النسويّة الفلسطينيّة التاريخيّة في القدس، في تحدٍّ لقرار ترامب”.

وأشارت إلى أنّ الفنّ منح المرأة فرصة للظهور أمام المجتمع، في ظلّ حالة التهميش المجتمعيّ لدورها ورأيها ومشاركتها السياسيّة والمجتمعيّة، وقالت: “الفنّ منحنا فرصة للحديث، في الوقت الذي لا يسمع فيه صوتنا”.

ولفتت إلى أنّ المعرض احتوى على 50 لوحة، فيما بلغ عدد زوّاره نحو 700 شخص.

وقالت الطالبة في قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلاميّة بغزّة مرام حميد (21 عاماً)، التي زارت المعرض، لـ”المونيتور”: “أنا سعيدة بسبب ازدهار مثل هذا الفنّ هنا، وأكثر ما لفت انتباهي في هذا المعرض هو لوحات البورتريه، فهي مرسومة باحتراف واضح، وتناولت شخصيّات فلسطينيّة مشهورة لم أسمع عنها من قبل”.

أمّا المهتمّ بالفنّ التشكيليّ علي يعقوب (48 عاماً)، الذي زار المعرض، فقال لـ”المونيتور”: “هذا المعرض هو واحد من أفضل ما رأيت، إذ سلّط الضوء على حياة المرأة الفلسطينيّة في السلم والحرب. كما جمع بين جمالها ودورها كأمّ وكمعلّمة وكمقاومة للاحتلال”.

وشاركت حمش في معارض فنيّة عدّة بقطاع غزّة، كان آخرها معرض “غزّة 52” الذي أقيم في نيسان/إبريل من عام 2017، وجسّد معاناة المرأة خلال 52 يوماً من الحرب الإسرائيليّة على غزّة في عام 2014.

من جهته، قال عصام حلس، وهو رئيس جمعيّة الفنانين التشكيليّين الفلسطينيّين في قطاع غزّة، وهي جمعيّة مستقلّة نشأت في عام 1984، لـ”المونيتور”: “إنّ المرأة أصبحت تمارس دوراً فاعلاً في الحركة التشكيليّة الفلسطينيّة، إذ يبلغ عدد الإناث المنتسبات إلى الجمعيّة 264 فنانة، وهو أكثر من نصف العدد الكليّ للأعضاء البالغ 483 فناناً”.

وأوضح عصام حلس أنّ الفنانة التشكيليّة الفلسطينيّة نجحت بوضع بصمتها في الفنّ التشكيليّ من خلال لمساتها الإبداعيّة التي تعبّر عن حسّ نسويّ، واستطاعت إبراز الكثير من القيم الفنيّة والجماليّة التي نالت استحسان المجتمع المحليّ، مشيراً إلى أنّ هناك دوافع عدّة تقف وراء مشاركة المرأة في تنظيم المعارض الفنيّة التشكيليّة، وهي: إبراز الموهبة، إثبات دورها في تطوّر الفنّ التشكيليّ، ودفع المجتمع لمنحها احترامها ومنحها متّسعاً لإثبات ذاتها خارج المنزل وعدم حصر دورها في داخله.

ورأى حلس أنّ الفنانة التشكيليّة نجحت بإيجاد مكانة لها في الفنّ التشكيليّ، رغم أنّ الحالة التشكيليّة الفلسطينيّة لا تزال عشوائيّة بسبب ندرة المؤسّسات التي ترعى الفنانين التشكيليّين وتطوّر أداءهم.

ويقول مصطفى زقوت مدير مركز “رؤية للدراسات والأبحاث” في غزّة الذي رعى المعرض، وهو مركز مستقلّ أنشئ خلال عام 2015، لـ”المونيتور”، على الرغم من أن المركز لم يركز على الفن، إلا أنهم كانوا على استعداد لدعم المعرض، نظراً لوجود عدد قليل جداً من المراكز التي تدعم الفنانين التشكيليين في غزة.وأملت حمش في أن يصبح للفنانين التشكيليّين، وخصوصاً النساء منهم، منبراً أو تجمعاً مستقلاً بميزانيّة مدعومة حكوميّاً من أجل الارتقاء بمستوى الفنّ التشكيليّ النسويّ في قطاع غزّة.