التمكين الانتقائي.. ما وراء مشاركة المرأة السعودية في العمل

"مجلة جنى" في يوم الأحد 24 يونيو/حزيران، جلست النساء السعوديات خلف عجلة القيادة على الطريق لأول مرة، الأمر الذي أنهى آخر حظر على قيادة السيدات في العالم. ويبدو هذا التغيير جزئيا كخطوة دعائية ذكية طال انتظارها كثيرا. ومع ذلك، لا يمكن التقليل من تأثيرها الاجتماعي والاقتصادي، نظرا لجغرافية المملكة العربية السعودية. وفي بلد شاسع مع درجات حرارة صحراوية، وأسعار وقود منخفضة، ومدن متباعدة، وشبكة نقل عام محدودة، فإن القيادة تعني حقا الحرية. فهل سيتبع ذلك حريات أخرى للنساء حتما؟

مستقبل ما بعد النفط

وعلى مدى الأعوام الـ40 الماضية، استطاعت العائلة المالكة السعودية الاعتماد على عائداتها النفطية لملء خزينة الدولة، وتوظيف العمال الأجانب، واسترضاء السكان. لكن ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 32 عاما، يدرك أن هناك يوم آت لا محالة سوف يفقد فيه هذا الذهب السائل قيمته. وقد شرع في عدد من الإصلاحات لتنويع الاقتصاد والحفاظ على تدفق الأموال من خارج البلاد، ويعتبر الأمير إدماج المرأة في القوى العاملة حجر بناء أساسي للوصول إلى هذا الهدف.

ومع وجود نسبة 22% فقط من النساء السعوديات الناشطات في سوق العمل، تعد مشاركة الإناث منخفضة، حتى مقارنة بجيران المملكة من دول مجلس التعاون الخليجي، مثل عمان (30%)، والإمارات العربية المتحدة (41%)، والكويت (44%)، وتقدر «بلومبرغ» أن التقارب البطيء في نسب المشاركة قد يساعد في نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنسبة 0.4% إلى 0.9% كل عام، خلال العقدين القادمين. وفي غضون ذلك، يتم إرسال نحو 10 ملايين عامل أجنبي إلى الوطن، الأمر الذي يوفر 38 مليار دولار من التحويلات المالية كل عام. ومن أجل مواجهة هذه التدفقات المالية، فرضت الحكومة ضريبة على الوافدين شهريا، وتوفر حوافز للشركات لتوظيف المواطنين السعوديين. ومن الواضح أن مشاركة أكبر للمرأة في القوى العاملة ستلعب دورا رئيسيا في تعويض بعض الأعمال التي يقوم بها الأجانب حاليا، وبموجب رؤية ولي العهد لعام 2030، فهناك هدف لزيادة نسبة النساء في القوى العاملة إلى 30% خلال الأعوام الـ 12 المقبلة.

ربات البيوت المتعلمات

وخلال العقد الماضي، ارتفعت نسبة التحاق النساء بالتعليم العالي في المملكة، من 30% إلى 50%، متفوقة بذلك على دول مثل المكسيك والصين والبرازيل والهند. وفي الواقع، يفوق عدد الطالبات عدد نظرائهن الذكور في المملكة الصحراوية، حيث مثلن 57% من الطلاب في عام 2016. ويتخرج عدد أكبر من النساء مقارنة بالرجال في الفيزياء والبيولوجيا وتكنولوجيا المعلومات والرياضيات والإحصاء.

ومع ذلك، تبلغ نسبة البطالة بين النساء السعوديات 33%، أي ما يعادل 5 أضعاف معدل الرجال. وسوف توفر القدرة على القيادة للنساء القدرة بالطبع على القيام بأعمال هامة لا تكشفها إحصاءات التوظيف، مثل جلب الأطفال إلى المدرسة، والتطوع، والتسوق، وما إلى ذلك. لكن التفاوت بين القدرة والفرصة يؤدي إلى مجموعة كبيرة من الموارد البشرية غير المستغلة، وعندما أعلنت المديرية العامة للجوازات السعودية مؤخرا عن 140 وظيفة شاغرة لحرس الحدود من الإناث، حصلت على ما لا يقل عن 107 ألف طلب. وإلى حد بعيد، تعمل أكبر نسبة من النساء العاملات في قطاع البيع بالتجزئة، حيث تعمل الآن 200 ألف امرأة سعودية في هذا القطاع.

وتشغل النساء كل المناصب في البيع بالتجزئة. وفي العام الماضي، تم تعيين «سارة السحيمي» كأول رئيسة للسوق المالية السعودية، وهي الأكبر في العالم العربي. وتحت قيادتها، ترقى هذا الكيان إلى مكانة جيدة في الأسواق الناشئة. وتشير التقديرات إلى زيادة السيولة الأجنبية في السوق المالية السعودية بمقدار 35 مليار دولار، كما أنها مهدت الطريق للإدراج العام لشركة النفط الوطنية «أرامكو» السعودية، والذي من المتوقع أن يكون أكبر اكتتاب في تاريخ السوق. وتدير النساء بعض من أكبر البنوك في البلاد أيضا.

التمكين الانتقائي

ومنذ العام الماضي، لم تعد المرأة السعودية بحاجة إلى إذن من ولي أمرها للدراسة أو العمل، ومنذ بداية هذا العام، يمكنها أن تبدأ أعمالها الخاصة بشكل مستقل. لكن لا تزال الجوانب الأخرى لنظام الولاية قائمة، فحتى اليوم لا تستطيع النساء السفر إلى الخارج، أو الزواج، أو تقديم مطالبات قانونية، أو إطلاق سراحهن من السجن، دون موافقة ولي الأمر الذكر. ولم يعد الفصل بين الجنسين في مكان العمل أمرا ضروريا، على الرغم من أن الحاجة إلى توفير مراحيض منفصلة وغرف للغداء وأنظمة أمنية يمكن أن يظل بمثابة حاجز أمام توظيف النساء. وتم افتتاح دور السينما مؤخرا للجمهور لأول مرة منذ 40 عاما، ويُسمح الآن للنساء بممارسة التمارين الرياضية في النوادي، وشهدت الرياض أول حفل موسيقي مختلط بين الجنسين في أبريل/نيسان.

واحتلت السعودية المرتبة 138 من بين 144 دولة في التقرير العالمي حول الفجوة بين الجنسين لعام 2017، ويعد هذا بالتأكيد تقدما مقارنة مع ترتيب البلاد في المرتبة 141 في العام السابق. ومع ذلك، فإن الحريات الجديدة ذات طبيعة اقتصادية في معظمها، مما يترك اختلالات مؤسسية في السلطة بين الجنسين داخل العائلات إلى حد كبير. وبهذه الطريقة، من المرجح أن تكون النخبة التقدمية هي المجموعة الرئيسية التي تستفيد من الإصلاحات، في حين لا تزال النساء من العائلات المحافظة محبوسات في منازلهن إلى حد كبير. وفي هذه الحالة، ستظهر المنافع الاقتصادية في المدن التقدمية مثل جدة والخبر، وفي المدن ذات النخبة الكبيرة مثل الرياض. وستشهد المناطق الأكثر محافظة، مثل القصيم وحائل وعسير، تباطؤ وتيرة التغيير.

ويشكل هذا النهج من التمكين الانتقائي طريقة ليحافظ الأمير «محمد» على الطبقة المحافظة في المجتمع السعودي لحماية المملكة من الثورات. وعلى الرغم من أنه من الصعب على المراقبين الحصول على رؤية واضحة حول ديناميكيات السلطة الداخلية، إلا أن الأمير كان يفعل كل ما يمكن بالتأكيد ليعزز سلطته. وكانت خطوة اعتقال واحتجاز 500 من رجال المال والأعمال في فندق «ريتز كارلتون»، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، أكثر مثال على هذا التطور. وعلى الرغم من ذلك، فإن البلاد لديها تاريخ طويل من الفصل بين الجنسين، ووجود قوة دينية قوية لا تزال تعارض العديد من مبادرات الحداثة. ويكمن رهان «بن سلمان» هنا في منح النساء حقوقا كافية لدمجهن في سوق العمل وتسهيل دخولهن للأسواق، دون إيقاظ «تنانين» المؤسسة الدينية من النوم خلال الرحلة.