بوادر حرب عملات في الأفق بعد معركة الرسوم

ترمب يفتح النار على الصين وأوروبا... وسياسات «الفيدرالي»

"مجلة جنى" وسط معركة الرسوم المشتعلة بين الولايات المتحدة من جانب، وقوى اقتصادية كبرى على رأسها الصين والاتحاد الأوروبي من الجانب الآخر، تبدو بوادر حرب عملات في الأفق، لتفتح مضمارا جديدا للمعركة الاقتصادية العنيفة التي تدور رحاها حول العالم حاليا، مستلهمة وقودها من الحمائية التي يرعاها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ومنذ إعلانه ترشحه للرئاسة، يوجه ترمب سهام انتقاداته نحو اقتصادات كبرى، مثل الصين وألمانيا، متهما كل منهما بتعمد إضعاف اليوان واليورو على التوالي، من أجل العمل على خلق مجال أوسع للتنافسية لصادرات الصين وأوروبا على حساب الصادرات الأميركية، خاصة في ظل قوة الدولار، وهو أمر أشار ترمب مرارا إلى أنه ليس في صالح الاقتصاد الأميركي.
وكرر ترمب انتقاداته المفتوحة يوم الجمعة الماضي، قائلا في تغريدة على حسابه بموقع «تويتر»: «تتلاعب الصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى بالعملة بخفض معدلات الفائدة، في حين ترفعها الولايات المتحدة مع دولار يزداد قوة يوما بعد يوم، مما يضعف قدرتنا التنافسية، كالعادة، هذا غير عادل»، متابعا: «انظروا إلى اليورو، إنه يتراجع... وعملة الصين تهبط مثل الصخرة... هذا يضعنا في وضع غير ملائم وعرضة للضرر».
وكان اليوان الصيني قد هبط نهاية الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوياته في عام كامل، من دون مؤشرات تذكر على تدخل البنك المركزي الصيني لإيقاف هذا الهبوط؛ بل على العكس، يشير «المركزي الصيني» إلى أنه يفضل عملة أضعف، خاصة في ظل حرب الرسوم المشتعلة بين بلاده والولايات المتحدة... كما شهدت أسواق الصرف تراجعا ملحوظا أيضا للعملة الأوروبية الموحدة (اليورو) على مدار الشهور الماضية منذ مطلع العام تقريبا.
ولا يتوقف ترمب عن اتهام الدول المنافسة الكبرى بالتلاعب في عملاتها، أو الإعلان صراحة عن أنه يفضل أن تقل قوة الدولار من أجل زيادة التنافسية، لكنه كان يبدو مقيدا منذ انتخابه بتوجهات مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي)، والذي يحتفظ باستقلالية تامة في قراراته.
وفي خروج غير مسبوق على «البروتوكول»، انتقد الرئيس الأميركي بشكل معلن السياسات النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وقال في مقابلة مع محطة «سي إن بي سي» الأميركية: «لست راضيا عن السياسة النقدية التي ترفع أسعار الفائدة تدريجيا، لكن في الوقت نفسه أتركهم يفعلون ما يعتقدون أنه الأفضل».
وأضاف ترمب إنه قلق من أن زيادات أسعار الفائدة قد تضع الولايات المتحدة في موقف سيء، خصوصا أن بنك اليابان المركزي والبنك المركزي الأوروبي يواصلان سياستهما النقدية التيسيرية.
وفي المقابل، ينوي الاحتياطي الفيدرالي الذي بدأ منذ سنتين عملية خروج من سياسة الفائدة المعدومة، أن يرفع معدل الفائدة الأساسي تدريجيا مرتين هذه السنة لتبلغ 2.50 في المائة بدلا من 2 في المائة.

بلبلة في أميركا
وانتقد ترمب رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، قائلاً إنه ليس مسرورا بسياساته النقدية، وتابع: «لأننا نشهد نموا، يريدون أن يرفعوا مرة أخرى أسعار الفائدة... لست راضيا عن ذلك».
ويعمل الاحتياطي الفيدرالي بشكل مستقل تماما عن الإدارة الأميركية، وتعد هذه الانتقادات أمراً غير معتاد أو متوقعاً من قبل رئيس أميركي لمجلس الاحتياطي وسياساته النقدية.
وتسببت ملاحظات ترمب العلنية على أداء الاحتياطي الفيدرالي في بلبلة واسعة، دفعت وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إلى توضيح أن الرئيس الأميركي «ليس لديه أي نية لممارسة الضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي»، مؤكدا أن انتقاد ترمب لسياسة البنك المركزي ليست محاولة منه للتدخل في أسواق العملات بأي شكل من الأشكال، مشيراً إلى أن الرئيس أوضح له أنه يدعم ويؤيد استقلال الاحتياطي الفيدرالي.
وأضاف منوتشين أنه «على المدى البعيد، فإن الدولار القوي سيخدم مصلحة الولايات المتحدة، كما أن قوة الدولار جاءت بفضل نمو الاقتصاد الأميركي وزيادة الاستثمارات بشكل استثنائي».
وإثر تصريحات ترمب وسهامه الموجهة إلى الخارج والداخل، شهد الدولار انخفاضا منذ يوم الجمعة وحتى الأمس، حيث صعد الدولار بشكل هامشي مقابل معظم العملات الرئيسية خلال تعاملات الاثنين، مع ترقب بيانات اقتصادية، وعقب استيعاب الأسواق لتصريحات ترمب بشأن العملة ومعدلات الفائدة.
ويترقب المستثمرون الإفصاح عن بيانات اقتصادية هامة خلال الأسبوع الراهن، ومن أهمها مؤشرات النمو الاقتصادي بالولايات المتحدة خلال الربع الثاني يوم الجمعة المقبل.

الصين: لا تلاعب... بل قواعد سوق
ومساء أول من أمس، وجه الوزير منوتشين تحذيرا إلى الصين بشأن ضعف عملتها، قائلا إن وزارته تراقب عن كثب اليوان «بحثا عن أي علامات على تلاعب بالعملة». وأوضح أن «ضعف اليوان ستجري مراجعته في إطار أحدث تقرير نصف سنوي لوزارة الخزانة بشأن التلاعب بالعملة الذي سيصدر في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) على أساس النشاط في الأشهر الستة الأولى من 2018». وأضاف منوتشين في إشارة إلى الصين: «لا شك أن ضعف العملة يوجد ميزة غير عادلة لهم، سنجري مراجعة بعناية بالغة للوقوف على ما إذا كانوا قد تلاعبوا بالعملة».
من جانبها، ردت وزارة الخارجية الصينية، أمس بالتأكيد أن الصين لا تتلاعب بعملتها بهدف تعزيز القدرة التنافسية لصادرات البلاد في مواجهة السلع الأخرى. مؤكدة أن «التهديد والترهيب فيما يتعلق بالتجارة لن يُجدي مع الصين نفعا»، بعدما هدد الرئيس الأميركي بفرض رسوم علي جميع السلع المستوردة من الصين، وتبلغ قيمتها 500 مليار دولار.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جينغ شوانغ، خلال المؤتمر الصحافي اليومي بمقر الوزارة، إن بلاده أوضحت في أكثر من مناسبة أنها لا تريد حربا تجارية، خاصة وأن هذه الحرب ليس فيها فائز، وأن موقفها ثابت حيال الدفاع عن مصالح شعبها.
وأضاف: «أن حركة سعر العملة الصينية سواء بالارتفاع أو بالانخفاض خاضعة للسوق وآلية العرض والطلب، وأن بلاده لا تتلاعب بعملتها بتخفيض قيمتها لتعزيز القدرة التنافسية لصادراتها»، مشددا على أن بلاده ليس لديها النية مطلقا للتلاعب بقيمة عملتها.
وحول ما يتردد عن مفاوضات أميركية صينية لحل النزاع التجاري بينهما، أوضح شوانغ أن المصداقية يجب أن تكون أساسا قبل الحديث عن ذلك.

تأثيرات في الأسواق
وفي سوق العملات، تمكن الدولار أمس من التعافي من الخسائر التي سجلها في الأسبوع الماضي على خلفية الهجوم الذي شنه ترمب ضد توجهات الاحتياطي الفيدرالي إضافة إلى انتقاد قوة الدولار.
وبحلول الساعة 9:12 صباحاً بتوقيت غرينتش، ارتفع المؤشر الرئيسي الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل 6 عملات رئيسية، بنسبة هامشية 0.05 في المائة ليصل إلى 94.519 دولار. كما صعدت العملة الأميركية مقابل اليورو بنسبة 0.2 في المائة، ليتراجع اليورو إلى 1.1702 دولار. في حين انخفض الدولار أمام الين الياباني بنسبة 0.3 في المائة ليسجل 111.09 ين.
واستفادت العملة اليابانية من تقارير نشرتها وكالة «رويترز» ووسائل إعلامية أخرى بأن بنك اليابان يبحث بشكل فعال إجراء تغييرات في سياسته النقدية. ويبقي المركزي الياباني على معدلات الفائدة قصيرة الآجل عند مستوى «سالب 0.1 في المائة»، كما يحافظ على برنامج التيسير الكمي عند نفس الوتيرة الحالية والبالغة 80 تريليون ين سنوياً.

كيف ستتعامل الصين مع الأمر؟
رغم أن اليوان الصيني لا يتمتع فعليا بحرية حركة كافية على غرار الدولار، حيث يتحكم «المركزي الصيني» بوضع نطاق تداول يومي «استرشادي»، فإن هبوط العملة المستمر خلال الفترة الماضية ربما لم يكن «حكوميا بحتا»، بحسب المراقبين.
ويرى الخبراء أن الأوضاع الاقتصادية حول العالم هي المحور الرئيسي لهبوط اليوان، حيث إن «أجواء الحرب التجارية» التي أشعلها ترمب، تسببت في زيادة التوقعات بأن «المركزي الصيني» سيتجه إلى تخفيف سياساته النقدية لدعم الاقتصاد خلال المعركة التجارية، وهو ما دفع المستثمرين إلى مزيد من بيع اليوان، وشراء الدولار «الأكثر جاذبية»، خاصة في ظل التوجه التصاعدي للفائدة الأميركية.
ولا يرى أغلب الخبراء أن الصين من الممكن أن تسمح بحدوث هبوط عنيف لعملتها خلال المرحلة المقبلة، بل ستترك اليوان - على الأرجح - في مرحلة «انزلاق محكوم هادئ»، حتى تحتفظ الصين بالتوازن الدقيق بين تنافسية عملتها، مع عدم اندفاع الأموال خارج الصين في حال الهبوط السريع الذي يؤدي إلى فقدان الثقة.